قمة ترامب ـ بوتين في ألاسكا

mainThumb

18-08-2025 09:59 AM

كانت قمة الرئيسين ترامب وبوتين في ألاسكا «السعي نحو السلام» حتى قبل عقدها قبل يومين، انتصاراً واضحاً لبوتين بكسر عزلته وهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، وإكسابه الشرعية لدولة وزعيم معزول، واستمرار الحرب دون توقف، وعدم دعوة زيلينسكي والأوروبيين للقمة. وضع ترامب سقف توقعات منخفض بكونها «جلسة استماع وجس نبض». ولن يفاوض نيابة عن الأوكرانيين. وصف مقال تحليلي في صحيفة نيويورك تايمز القمة، حتى قبل انعقادها بأنها انتصار لبوتين-وخشية نجاح بوتين إقناع ترامب بوجهة النظر الروسية. نجح الرئيس بوتين بانتزاع أهداف من القمة: لم يقدم أي تنازلات-وتراجع ترامب عن فرض عقوبات على روسيا وعقوبات ثنائية على الصين والهند لاستيراد النفط الروسي!!
والأهم لم يوافق بوتين على وقف الحرب، ولم يضع جدولا زمنيا وموعد المرحلة الثانية من المفاوضات، ما يعزز إنجازات بوتين. ورغم ذلك يرى الرئيس ترامب أن القمة كانت ناجحة. وكان الإعلام الأمريكي والبريطاني قاسيا على ترامب ووصفه أنه خرج خالي الوفاض وفشل بانتزاع التزامات من بوتين!! ولخص جون بولتون مستشار ترامب في إدارته الأولى-»لم يخسر ترامب، لكن بوتين انتصر وحقق معظم ما أتي ليحققه..». بينما أشاد الإعلام الروسي الرسمي بنتائج القمة واعتبرها انتصارا كبيرا لروسيا وللرئيس بوتين.! بينما كان الإعلام الأوكراني حذراً وقلقاً ودعم قمة ثلاثية تجمع ترامب وبوتين وزيلينسكي.
كان السؤال قبل القمة بين الرئيسين هل سيتم التوصل لاتفاق ينهي الحرب المدمرة على أوكرانيا في عامها الرابع؟ وكما كان متوقعا يغرق ترامب بالمبالغة بإنجازاته لمهاراته كمفاوض بارع وصانع صفقات. رغم عدم قدرته على تحقيق نتائج باهرة في أي من مفاوضات النزاعات التي نجح بتجميدها دون حسمها بشكل نهائي كنزاع الهند-باكستان-رواندا-الكونغو-وآخرها أذربيجان-أرمينيا-والفشل بوقف حرب الإبادة على غزة وحرب التجويع. وواضح أحد أهداف قمة ترامب وبوتين تحقيق اختراق، يعزز زعامته ومكانته كصانع سلام، وأحقيته الفوز بجائزة نوبل للسلام..

ويسجل أكبر فشل في سجل ترامب يحرمه من الفوز بجائزة نوبل للسلام بوقف حرب إبادة إسرائيل على غزة وإنهاء التجويع المتعمد وإدخال المساعدات-وحتى منح الضوء الأخضر بترك الأمر لحكومة نتنياهو بتصعيد الحرب واحتلال كامل قطاع غزة وتنفيذ التطهير العرقي ودعم حرب الإبادة والتجويع!! في مخالفة صريحه للقانون الدولي. ويصر ترامب وقيادات إدارته على رفض الاعتراف بدولة فلسطين».
يُتقن بوتين استغلال نقاط ضعف ترامب منذ رئاسته الأولى بعد تبني ترامب بلقائه في هلسنكي عام 2018 ادعاء بوتين أنه لم يتم التدخل بانتخابات الرئاسة عام 2016لمصلحة ترامب ضد هيلاري كلينتون -مُفضّلا تصديق بوتين على تقييم أجهزة الاستخبارات الأمريكية!
ومن المتعارف أن علاقة الرئيس ترامب مع الرئيس الروسي بعد ربع قرن من حكم روسيا ومنذ رئاسة ترامب الأولى، بقيت علاقات متقلبة. ويبدو أن أقصى ما يطمح ترامب لتحقيقه هو انتزاع موافقة بوتين لوقف الحرب على أوكرانيا المندلعة منذ فبراير 2022-والذي لم يحقق هدفه بوقف الحرب بعد سبعة أشهر في البيت الأبيض. في الحملة الانتخابية العام الماضي دأب المرشح ترامب على المفاخرة أنه سينهي حرب أوكرانيا خلال 24 ساعة من عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025!! أما اليوم فعاد الرئيس ترامب ليفاخر بقدراته بإعلانه «أنني لو لم أكن رئيسا لاجتاح بوتين كامل أراضي أوكرانيا بالكامل، لكن لن يقوم بذلك»!! وهذا ما دفع بوتين ليستغل مفاخرة ترامب، وليؤكد أنه يتفق مع ترامب أنه «لو كان ترامب رئيسا لما اندلعت الحرب على أوكرانيا»! في استخدام بوتين ورقة ثقة ترامب بقدراته التفاوضية-ولكن لم يرشح بوتين ترامب لجائزة نوبل للسلام. فيما أعلنت هيلاري كلينتون-منافسته على الرئاسة عام 2016، ووزيرة الخارجية السابقة في رئاسة أوباما الأولى-أنها سترشح ترامب لجائزة نوبل للسلام في حال نجح بوضع حد ووقف حرب أوكرانيا!!
يدرك بوتين ومستشاروه والمسؤولون الروس نقاط ضعف ترامب في التفاوض.. لا يستعد ولا يحضّر ترامب بشكل جيد للتفاوض حول القضايا المهمة، ويأتي إلى القمة بثقة متضخمة بقدراته المبالغ فيها بالتفاوض والتوصل لصفقات. وظّف بوتين نقاط ضعف ترامب. وبدا ذلك واضحاً بعرض ترامب تنازل أوكرانيا عن أراض تحتلها روسيا-وهو ما يرفضه زيلينسكي وتبادل أسرى الحرب بين الطرفين..
الخطوات التالية، سيستضيف ترامب الرئيس الأوكراني في البيت الأبيض اليوم الاثنين للتنسيق وتبادل الأفكار والتخطيط للخطوات التالية. ما يُبقي الرئيس ترامب منخرطا بشكل فعال بوقف الحرب في أوكرانيا. لكن الواضح أن عملية التفاوض والتوصل لوقف الحرب في أوكرانيا لن تكون سهلة وبدون شروط سيفرضها بوتين على أوكرانيا والأوروبيين وترامب: أبرزها الاحتفاظ بالأقاليم الأربعة شرق أوكرانيا-ونزع سلاح أوكرانيا، ومنع عضوية أوكرانيا في حلف الناتو وبقاء أوكرانيا على الحياد كمنطقة عازلة بين روسيا وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي!!

أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد