أفلا تعقلون

mainThumb

20-12-2023 11:20 PM

لم يشغل أحد ما يسمى بالأمم المتحدة و الهيئات الحقوقية و الإنسانية في العالم كما فعلت عصابة الاحتلال، وكأن الأمم المتحدة و الهيئات الدولية ليس لها ما يشغلها الا هذه العصابة الهمجية، أكثر من أربعون قرارا دوليا انعقدت الأمم المتحدة لأجل التصويت عليها ومرت القرارات ضد هذه العصابة المارقة لم تلتزم بواحد منها ، ولا تشمل هذه الجلسات الاربعون تلك القرارات التي فشلت الأمم المتحدة بتمريرها بشأن العصابة ،وقد نستطيع اختصار كل قرارات الأمم المتحدة تلك بقرار واحد وهو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم3379،الذي اعتمد في نوفمبر 1975والذي صوت لصالحة بأغلبية عالمية يعتبر القرار ان الصهيونية شكل من اشكال العنصرية والتمييز العنصري وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الايدلوجية الصهيونية التي اعتبرها قرار الأمم المتحدة تشكل خطرا على الامن و السلم العالميين .
لم يتخذ القرار بأغلبيه من فراغ فالايدلوجية القائمة على القتل والتنكيل والإرهاب وتهميش الاخر والاستعلاء على البشر أيدلوجية لا يمكن لعاقل التعاطف معها سوى من يشاركونها في الأيدلوجية ذاتها ومن تتلاقى مصالحهم معها ومن السهل التعرف على المصوتين ضد القرار فهم حلفاؤها التاريخيين وشركائها في الاجرام (الولايات المتحدة وبريطانيا) بالإضافة الى عصابة الاحتلال ومن يدور في فلكهم او تلك الدول التي وقعت تحت ارهابهم

يختصر القرار كل القرارات السابقة واللاحقة التي اتخذت بشأن العصابة لأنه يفضح أيدولوجيتها وادواتها ويبرز للعالم بأن هذه العصابة تأسست بفكر إرهابي مشوه واعتمدت هذه الأيدلوجية لترعب البشر وتمارس الإرهاب المتجذر في عقيدتها. وبقيت العصابة تمارس ارهابها وتنفذ أيدولوجيتها وكان شيئا لم يكن واستمرت كما نشير دائما بممارسة كل أنواع الإرهاب حتى جاء مؤتمر مدريد "للسلام" عام 1991، فرفضت العصابة حضور المؤتمر الا بشرط الغاء القرار 3379 فتقرر الغاء القرار قبيل انعقاد المؤتمر وبعد مرور ستة عشر عاما على اعتماده دوليا، وهذا إرهاب من نوع اخر مارسته عصابة الاحتلال ولكن ممارسة الإرهاب هذا في الغاء القرار لا يلغي الفكرة ولا يلغي قناعة العالم بضرورة محاربة ايدولوجيتها. الغاء القرار جاء تكريسا لأيدولوجيتها التي كانت ولا تزال ذات الأيدلوجية الإرهابية، ان أي قرار اخذ بعد الغاء القرار 3379 لا يعتبر الا مجرد هراء ودليل على فشل المنظمات الدولية في كبح التطلعات الاجرامية للصهاينة وشركائهم
منذ أيام جاء تصريح الرئيس الأمريكي بايدن ليدلل على ذلك ويكشف تامر معظم الدول الواقعة في غرب العالم مع العصابة ولتكشف بوضوح أن الموضوع ليس تعاطفا مع "القضية اليهودية" فقد قال اثناء احتفال البيت الأبيض بالعيد اليهودي (حانوكا) "لقد وقعت في مشاكل وانتقادات عندما قلت قبل بضع سنوات إنه ليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا، وأنا صهيوني". وجدد التزامه بالحفاظ على امن "دولة العصابة" الامر الذي اعتبره البعض زلة لسان وراح البعض لاعتبار هذا التصريح بمثابة اعلان نوايا. وأيا كان فقد تبين ان المرة الأولى التي وقع فيها ب"بمشاكل" على حد تعبيره لم تكن صدفة وإعادة العبارة ذاتها الان ليس صدفة كذلك خاصة وانها أتت بالتزامن مع رئاسته للولايات المتحدة و بالتزامن أيضا مع أكثر انواع العدوان فظاعة في التاريخ الحديث،
ان تبني رئيس اكبر دولة في العالم للصهيونية دليل واضح على ان ما يحدث الان من نقمة غير مسبوقة ليس بسبب احداث السابع من أكتوبر ، وان ما نشهده اليوم ليس ردة فعل طبيعية لقوة احتلال ضد نضال شعب ، ولكنه اعلان حرب ضد حضارة يخشون ان تستيقظ ، انها حرب ضد القيم ، حرب ضد الأخلاقية الإسلامية ، انها تنفيذ لرؤيتهم بشن حرب ضد الحضارة الإسلامية و القيم التي تمثلها ، هذا فقط ما يمكن فهمه من هذا العدوان ، فردة الفعل لعمل مقاومة مشروعة ضد الاحتلال لا تتطلب كل هذا الاجرام و لا تتطلب تحرك اساطيل بحرية أمريكية وغواصات وحاملات طائرات ، وان قمع المحتل لحركة تحرر وطني لم يكن يوما من الأيام يستدعي تحالفات دولية ،لكننا نستطيع فهم ما يحدث بوضوح اذا ما استدعينا من الذاكرة كتاب "صدام الحضارات: صراع المستقبل" للمؤرخ اليهودي الأمريكي صمويل هنتنغتون، الصادر في عام 1996، حيث يقدم رؤية حول تصادم الحضارات المختلفة وتأثير ذلك على العالم و يقدم هنتنغتون بأن الصراعات العالمية القادمة لن تكون بشكل أساسي بين الدول أو الأنظمة السياسية، بل ستكون بين الحضارات والثقافات المختلفة. يظهر هنتنغتون أن الصراعات العالمية ستكون نتيجة التفاعلات بين الحضارات المختلفة والفوارق الثقافية والدينية، ويخص بالذكر الصدام بين الحضارتين الغربية والإسلامية، هنتنغتون وهو المنظر اليهودي الأمريكي المطلع على الأيدلوجيا الامريكية والصهيونية قدم طروحات خطيرة في التحريض على الحضارة الإسلامية ونبذ الاخر واعتبار ان الأيدلوجية الامريكية نسخة فريدة تماما كما الأيدلوجية الصهيونية. هذا التوافق الفكري والتقاء المصالح بين قوى الغرب والصهيونية هو ما جعلها تتبنى الفكرة الصهيونية وهو ما دعم فكرة زرع الصهيونية في قلب العالم الإسلامي.
لم يكن العالم الغربي متدينا قط ولم يتبنى أي معتقد ديني بعد القرون الوسطى بل على العكس شجع على اللا دينيه وتبني الأفكار العلمانية ولذلك تشبث بالصهيونية باعتبارها البديل اللا ديني عن اليهودية والتي تتلاقى مع مصالحة في إقامة دولة عنصرية لا دينية في وسط الجزء من العالم الذي يعتبره نقيضه تماما ،ها نحن نشهد تصدع الفكر الليبرالي الغربي و الازمات الاقتصادية التي تسبب بها النظام الرأسمالي والهوة العميقة التي تتسع يوما بعد يوم بين طبقات المجتمع ، ونشهد السقوط الأخلاقي في المنظومة الغربية التي افرزتها ليبراليتهم ، كل ذلك جعل من النموذج الإسلامي محط انظار العالم، وليس من نظام اخر يمكن اعتباره نموذجا ناجحا او يمكن تبنيه لدى شعوب العالم الغربي وبقية شعوب العالم سوى النموذج الإسلامي ، فالنظام الاشتراكي فشل فشلا ذريعا سواء على صعيد النظرية او على صعيد التطبيق و النظام الغربي تهاوى الى حد اشمئزاز المجتمع الإنساني من انحطاط افكاره، ولم يستطع ان يحتفظ بالرأسمالية والليبرالية كنموذجا ساحرا او على الأقل لم يعد العالم منبهرا بالفكرة الرأسمالية والليبرالية ،فالتطرف الأخلاقي الغربي ومصطلحات العولمة و التمدن والليبرالية لم تعد مقنعة لاحد، ومع صحوة مجتمعات العالم الى الشمولية المتوازنة في المنهج الإسلامي ، وتوافقه مع الفطرة البشرية وتفرده على الساحة الفكرية كما اشرت بعد سقوط الاشتراكية وتهاوي الرأسمالية الليبرالية ،اثار حفيظة الغرب وخاف من تداعي أيدولوجيته برمتها ، هذا هو السبب الحقيقي وراء كل ما نرى من تحد لما كان يسميه القيم الإنسانية ولمبادئ القانون الذي انتجه هو متبجحا به لعقود ومتبجحا بتفرده بالديمقراطية ،نراه اليوم يضرب ديموقراطيته وليبراليته وانسانيته عرض الحائط فلا يقيم وزنا لاي منها .
واقنعة التطرف الصهيوني بأن يجري تعديلا على الخطة التي رسمت منذ أن تقرر زرعه في قلب العالم الإسلامي، فقد كانت الخطة ان ينتشر الصهاينة كالسرطان في جسم العملاق الإسلامي ويقضوا علية في عملية اغتيال بطيئة ولكن وبعد كل ما سبق ذكره تم اقناع الغرب بضرورة اغتيال العملاق الإسلامي وهو على سرير المرض قبل ان يتعافى على عكس ما خطط له. اغتيال العملاق وتحطيم النموذج الذي بدأ سحره يسري في الغرب، وان ما نشاهده اليوم في فلسطين لا يتعدى هذا الوصف: (تدمير النموذج الإسلامي)، هذا الامعان في القتل والتدمير الممنهج للبنية الإنسانية هدفه بكل تأكيد أكبر من مجرد عقاب لحركة مقاومة شعبية ضد الاحتلال، ان هدفه هو أولا إرهاب ما تبقى من المسلمين وثانيا تحطيم أعمدة النموذج الإسلامي
ان مالا يريد فهمه الغرب العلماني بفكره المادي البحت ، ان الإسلام فكر وعقيدة ولا يمكن تحطيمها الا بالقضاء على من يحمل الفكرة في قلبه بمعنى ان عليهم قتل ملياري مسلم ليستطيعوا ان يقضوا على فكرة الإسلام وأيدولوجيته ، والمثالان اللذان يمكن فهمهما لدى الغرب (المسيحي) وان كنت من أشد المعتقدين بأن الغرب بعيدا كل البعد عن المسيحية انه عندما كان العالم كله وثنيا وكان سيدنا إبراهيم علية الصلاة و السلام وحده مسلما كان هذا الفرد المسلم هو أمة الإسلام وجاء هذا المعنى صراحة في القران الكريم "ان إبراهيم كان أمة"و تماما كما ظن اليهود قبل الفي عام ان قتل سيدنا المسيح عليه الصلاة و السلام سيقضي على فكرة المسيحية من جذورها ، ولكن ما حصل وبغض النظر عن الخلاف القائم بهذا الشأن عن فكرة موت سيدنا المسيح او رفعه للسماء، لكن غيابة عن الساحة ان جاز لي التعبير لم يمنع من انتشار المسيحية في كل ارجاء الأرض ما أدى الى تقلص اليهودية الى ان اصبح اليهود اقلية في كل ارجاء الأرض أيضا . وكذلك فالجهاد والمقاومة هي ايدلوجيا فالقضاء على حماس لو تم لا قدر الله لن يمنع من ولادة ألف حماس ولن يقلص ذلك عدد المقاومين والمجاهدين في العالم الإسلامي. هذا النهج من الصدام الحضاري الذي نهجه الغرب بوسوسة من الصهيونية لا يمكن اعتباره الا رغبة من الصهيونية ذاتها بالقضاء على الحضارتين، فالأيدولوجيا لا يمكن القضاء عليها الا بايدلوجية مضادة تكون أكثر اقناعا وأكثر واقعية ولا يزيد الصدام الا مزيدا من تمسك كلا الطرفين بمعتقداتهما.
وما يحصل اليوم من صدام حضاري حصل في التاريخ ولنا دائما في التاريخ عبرة، فقد مثلت الولايات المتحدة واحدة من أكثر الحروب همجية في تصريح جورج بوش حيث قال في معرض حديثة للصحفيين في البيت الأبيض اعقاب احداث 11 سبتمبر "هذه الحملة الصليبية...هذه الحرب على الإرهاب ستستغرق فترة من الوقت." وكررها ديكشيني نائبة حين قال في تجمع لمؤيدي بوش في فلوريدا "لقيادته حملة صليبية عالمية ضد الإرهاب" لم يتذكر الرئيس ونائبة بأن الحرب الصليبية لم تكن بدافع الدين على عكس شعار الصليب المرفوع وقتها ولم يتذكر بأن كل الوحشية في الحملة الصليبية على نفس الأرض ونفس الحضارة التي يصطدم بها الغرب اليوم لم تحطم الايدلوجية الإسلامية وادت على العكس تماما من مبتغاها ادت الى اذلال الصليبيين واخراجهم منها صاغرين والأخطر من ذلك انها بعد شلال الدماء التي اريقت انتصر المسلمون انتصارا ايدلوجيا ساحقا وليس عسكريا فقط وهذا يتمثل في كل الادبيات الأوروبية التي تمجد شخص صلاح الدين الايوبي وأخلاقه ولم يتمثل ذلك في التأثير بكتابتهم للتاريخ فقط، فقد تمجد صلاح الدين حتى في الروايات و الرومنسيات الأوروبية وصنع منه مثالا يحتذى في أخلاق الفارس النبيل وقدوة للشباب في الشجاعة و الحلم و التسامح ما قاد الكثير من مسيحيي الغرب الى الإسلام . وبايدن اليوم يكرر ما فعله بوش وتحت نفس التأثير الصهيوني فقد رأى ان الحل الأمثل هو اغتيال عملاق الحضارة الذي يرقد منذ أمد بعيد قبل ان تتفتح عيون العالم أكثر على سحره وان يصطدم مع حضارة لن تزول ابدا .






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد