أبو عمر

mainThumb

13-02-2024 04:15 PM

أحد أصدقائي المقربيين جداً، أبو عمر غزي فلسطيني حر، هو صديقي المقرب ولكنني لم أشاهده مرة ولم أجلس معه مرة، ونادرا ما حادثته بمكالمة مباشرة!!! ولكنة مع ذلك صديقي، بدأت صداقتنا فقط لأنه غزي فانا منذ صغري أحب غزة وأهلها، تكلمنا مرة بأحد برامج التراسل الفوري وتطورت علاقة الرسائل حتى أصبحنا أصدقاء بمعنى الكلمة، هذا الصديق الذي لا أعرفه وجها لوجه ولا أعرف صوته الا من خلال الرسائل الصوتية قدم لي نموذجا فريدا من الصداقة التي لا تبنى على اية خلفية متعارف عليها، فقد جمعتنا غزة قبل سنوات كما جمعت كل أحرار العالم اليوم. بحسب المرء فخرا ان يكون غزي لكي تهوي اليه القلوب وتتطلع الى صحبتة الافئدة الصادقة ، أبو عمر على كل ما يتميز به من صفات الا انه لو اكتفى بغزيته لكفته .
بشكل متكرر افتح المحادثة بيننا لأطمئن على آخر ظهور له ، ويكون فرحي عارماً عندما أرى أن اخر ظهور كان قريبا ، ينتابني القلق و الخوف واضرع الى الله ان يحفظه كلما دخلت وكان ظهوره الأخير بعيدا ، مع علمي بأن عصابة الاجرام النازي تقطع الاتصال عن أهلنا في غزة بشكل متكرر ولأوقات طويله ، أخاف ان ارسل له رسالة فقد سمعت من أحد المختصين بأن عصابة الاحتلال تستهدف الأماكن التي يكون فيها نشاط لمجموعة من أجهزة الهاتف ، حقيقة لا استطيع الجزم بصحة المعلومة ولكن لا استبعدها أولا عن مجموعة مجرمين يوظفون كل شيء لتلبية شهية القتل في نفوسهم ، إضافة لان المعلومة قريبة من المنطق ، فقد كنت أتساءل لماذا لا تستهدف قذائف الاجرام بيوتا هجر أهلها قسرا الى خيام الشموخ والاباء ؟ ولماذا معظم المساكن المستهدفة تحتوي على عدد كبير من اهل غزة الاحرار! جاء هذا التحليل منطقيا الى حد ما حيث ان عصابة المتوحشين قد تستخدم التقنية لتلبي رغبتها بقتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء. فالخوف علية من عصابة الاحتلال القذرة هو دافعي وليس أكثر،
أبو عمر يا صديقي العزيز، جمعتنا غزة ولن تفرقنا عصابة الاحتلال الهمجية، لن يفرقنا كذب كيربي وطموح بلينكن القذر، لن تفرقنا قذائف الاجرام الصهيوني، اعلم بأنه لا وقت لديك لان تقرأ ما يتفلسف به أمثالي، فأنتم تصنعون الحدث الذي نتابعه على الشاشات، معظم الوقت مشغولون في محاولة البقاء على قيد الحياة، في الصلاة على الشهداء وفي مشاركة الاهل الصمود. أما نحن يا أبو عمر فحياتنا مختلفة، نكتفي بأن نشاهد قوافل الشهداء تغادر ارض غزة الى جنات الخلد، نكتفي بالدموع التي نذرفها على أطلالكم، في احسن الأحوال نخرج للشوارع يوم الجمعة هاتفين لكم ونعلم ان صوتنا لا يسمع، وقد نتفلسف قليلا في تحليل مشاهد الموت و الخراب التي تحل فوق رؤوسكم ونعلم ان كل ما نقول وما نكتب لا يغير في واقعكم شيئا ، لا شيء غير ذلك ، انتم تصنعون الحدث الذي كان من المفترض ان يحرك فينا انسانيتنا وينبت الحمية في صحراء قلوبنا ،تصنعونه بدمائكم ودماء اطفالكم ، تصنعونه في مصانع الكبرياء التي بنيتموها بسواعد ابطالكم ومن أشلاء احبتكم .ونحن نقوم ب (لا شيء )لن ارسل لك الرسائل وان كنت اشتاق لسماع صوتك ، لن أكتب لك وان كنت أشتهي أن أملئ عيني بأحرف صدرت من أرض الكرامة ، لن اتصل بك هاتفيا وان كنت أتمنى أن يكون هنالك اتصال بيني وبين غزة . غزة التي كنت و لا تزال نموذجها المغروس في عقلي وقلبي.
صيقي العزيز أبو عمر ، اخجل أن اصارحك ولكن الوقت لا يسمح بالمجاملات ، لذا اسمح لي أن أقول لك بلا خجل بأننا خذلناكم وسنخذلكم أكثر وأكثر ، اسمح لي أن أصارحك بأن لا أحد منا يعرف ماذا علية أن يفعل وان علم فغالبا لن يعمل ، اسمح لي أن أقول لك بأن حقولكم المزروعة بالشهداء لن نمدها بما يرويها وان كنا نلمك الماء الوفير ، سأتجرأ ان أخبرك أيضا بأن دماء الأطفال التي تسيل في شوارع البسالة الغزية لا تعني لنا أكثر من بعض الدموع كتلك التي نذرفها أيضا على مشهد مؤثر في فيلم درامي ، أحاول ان أمهد لكلماتي الطريق كي لا تتفاجئي بما سأقول فلا يزال في جعبتي الكثير من المفاجئات ، لا تستغرب ان قلت لك بأننا نعتبر مقاطعتنا للهامبرغر بطولة وان لم تكن مقاطعة تامة للهمبرغر أيضا ، لا تتفاجئ ان قلت لك بأننا نعتبر تعليقاتنا ولايكاتنا على صورة اب في دير البلح يحتضن أشلاء أبناءه عملا مغوارا ،،،
يا أبو عمر صدقني ان قلت لك بأنكم الاحياء ونحن الأموات فلا تستغرب، نحن من تجمعنا خلف البرزخ ننظر اليكم وأنتم من تعيشون الحياة الحقيقية أنتم من تنطبق عليهم صفات الاحياء، ولكيلا تتفاجئي أيضا فان شهداءكم لا يمرون على برزخنا فهم من حياة فيها القليل من الرزق والكثير من الكبرياء في غزة الى حياة بقرب ملك الملوك يزقون بفضل المنعم الرزاق الكريم في جنات الخلد، اما نحن فأموات على هامش حياتين تعيشونهما. هل تعلم يا أبو عمر بأننا نأكل كل انواع الأطعمة التي لا توجد في غزة ولكن لا طعم لاي منها، نشرب كل صنوف المشروبات ولكنها كذلك لا طعم ولا رائحة، هل تعلم اننا ننام في دفئ وعلى أسرة يفترض انها مريحة ولكننا لا ننعم بأي راحة ولا نشعر بدفء!! هل تعلم يا صديقي بأننا نمارس حياتنا بشكل اعتيادي ولكننا لا نشعر بحياتنا ولا بممارساتنا، هو الموت اذن، الموت الذي لم نتيقن من اننا انتقلنا اليه. نجهل انه الموت ولكننا نعلم انها ليست الحياة.
هذا الكم الهائل من التناقض الذي نمارسه، هذا التبلد في المشاعر و العجز الذي ينتابنا لا يمكن وان يصنف من أفعال الاحياء، معظمنا يلوم الأنظمة ولكننا لم نقدم على عمل ثم منعتنا الأنظمة من القيام به، اكتفينا بتعليق اللوم على شماعة الحكومات كي لا نقر بأننا شعوبا ميته، افترضنا بأن حكوماتنا تمنعنا من نصرتكم كي نرضي شهيتنا في التقاعس، ربما تريد انظمتنا ان تستمد منا الحياة ولكننا خذلناها كما خذلناكم،،،، من يدري؟ ربما لو انهم وجدوا فينا حياة ما تأخروا عن نصرتكم، ولكن نبضنا لم يصل إليهم لكي يستشعروا فينا الحياة. هم لم يصدروا قوائم منع ولم يقمعوا أحدا ولم يواجهوا احد هي مجرد فرضيات في عقولنا وعقبات صنعها الوهم أو التخاذل في انفسنا ، اما انتم فظننتم انه لا يزال فينا بقية روح ولإنعاش ارواحنا ضحيتم بكل شيء واحدثتم صدمة كبرى كما يفعل طبيب الإنعاش بصعق المريض بتيار كهربائي قوي في محاولة انعاش قلبة، ولكن لا حياة لمن تنادي، نادرا ما يستفيق المصعوق مجددا والصدمة الكهربائية ما هي الا اخر الطب كي يقول الطبيب فعلنا كل ما بوسعنا، ها انتم كذلك فعلتم كل ما بوسعكم في محاولة اعادتنا للحياة،
فلتهنئوا بالحياتين حياة غزة العزة وحياة الشهداء في جنات الخلد ، واتركوا جسدنا الميت لتأكله أرض التخاذل والكسل .






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد