في سحابه على متن التمني

 في سحابه على متن التمني

30-12-2025 11:46 PM

في سحابه على متن التمني شفت عمري خيال في سحابه
يا ذهابه تعدى ما ارجهني كن عامه نهار يا ذهابه
من غدا به ربيع العمر مني حسبي الله على وقت غدا به
هذه الأبيات من قصيدة تعد من درر إبداع الشاعر الأمير خالد بن فيصل ال سعود، وتحولت إلى عمل غنائي أداه المغني الخليجي محمد عبده. ولا أزال أستعيدها اليوم في ذاكرتي، وعلى قلمي، وتتردد على لساني. فحين نتفرد بقراءة كل بيت على حدة، نغوص في أعماق معانيه التي تعكس واقعنا وتلامس معيشتنا. تتمحور أبيات القصيدة حول حزن الشاعر على ضياع العمر ومروره السريع دون أن يمنحه فسحة للتمتع به. ومع هطول الأمطار الغزيرة التي أكرمنا الله بها، عاودتني ذكرياتها بحزن الشاعر ذاته، إذ شعرت بفقدان فرصة استغلال هذه النعمة، وكيف قد تذهب سدى إذا لم تستثمر. فتتقاطع هنا معاني الشعر وواقع الحياة، وحسنا بالزمن ومروره.الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا بفضل رحمته هطلت الأمطار التي أحيت الأرض وأنعشت تربتها وأسعدت سكانها. ورغم فرحتنا بهذا الغيث المبارك، إلا أن الأمطار الغزيرة، رغم قصر مدتها، جاءت بوفرة زادت على المتوقع. ومع ذلك، برز ما يثير الاستغراب، وهو ضعف بعض البنى التحتية، الذي كان واضحا للجميع. كيف لا تتحمل هذه البنى حجم الضغط، رغم ما يُقال دوما عن ضرورة الصيانة الدورية والاستباقية؟
وقد طرحت عدة تساؤلات في ذهني: لماذا تتخذ إجراءات الطوارئ الاستباقية مسبقا، فتشعرنا بالطمأنينة، لكن عند حدوث هطول غير مسبوق، تظهر سلبيات البنى التحتية وعيوب الصيانة الدورية؟ هل هو قصور إداري أم خلل في التخطيط الجيولوجي؟
ونعود لنسأل أنفسنا: ما دور الجيولوجيا؟ ولماذا، على كثرة الهيئات المعنية، لا توجد هيئة المساحة الجيولوجية كما هو الحال في الدول الأخرى، مع العلم أن وطننا يمثل متحفا جيولوجيا حيا بتشكيلاته الفريدة؟ ولماذا لا يتم ربط الجيولوجيا بالوزارات المعنية وبأي جهة تعمل في هذا الشأن، لضمان تكامل المعلومات والتخطيط السليم وحماية البنى التحتية؟
ويكمل الشاعر قوله:
التوى به رجا قلب يوني ويل قلب تعلق والتوى به
في شبابه حبس نشواه عني ما تهيا لذيذه في شبابه
ذا صوابه عقب ما هو طعني لو نسيته يذكرني صوابه
من هقابه يخيب كل ظني واعذاب الخفوق اللي هقابه
في هذه الأبيات، يعبّر الشاعر عن حزن العمر السريع الذي حرمه ملذات الحياة في شبابه، وها هي تأتيه بعد فوات الأوان فتخيب كل توقعاته وآماله. وهذا حزن العمر لا يقتصر على الشعر، بل ينعكس في حياتنا العملية أيضا؛ ففي بداية موسم الأمطار، كان من المفترض استغلال الفرص لتحسين الحصاد المائي، وصيانة السدود، وإدارة الموارد بما يعزز الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني. لكن للأسف، على الرغم من كثرة الحديث عن الفقر المائي وخطط الاستغلال، تبقى الأقوال مجرد كلام، وتخيب الآمال دون أي فعل ملموس. ومع بداية الموسم المطري الحالي، أعلنت وزارة المياه والري الأردنية امتلاء أربعة سدود على الأقل بكامل طاقتها التخزينية نتيجة الهطولات المطرية الأخيرة، ومنها: سد الموجب، سد وادي الكرك، سد اللجون، وسدّ شيظم. كما تم فتح بوابات بعض السدود لتفريغ الفائض من المياه الناتج عن الفيضان، لتجري في الأودية وتذهب سدى أو تصل إلى البحر دون استثمار بعيد المدى.
ومع رؤية كميات المياه الفائضة على الشوارع والممرات والأودية، أصبح التعامل مع الهطول يخضع للخوف من فيضانات السدود، بدلا من أن نخشى ضياع المياه. وهنا يجب أن نضع النقاط على الحروف: أين الخطط الاستراتيجية لإدارة الموارد المائية؟ هل يعقل أن يكون الأردن، المصنف ضمن أكثر الدول شحا في المياه، عرضة للخطر الحقيقي نتيجة إدارة غير منظمة؟
الحلول والاستراتيجيات والمشاريع واضحة وسهلة، وقد تم تطبيقها في العديد من الدول حول العالم. نأمل من الجهات المعنية تنفيذها بشكل فعّال، وما تم تنفيذه سابقا أن يُدار بحكمة لضمان تحقيق الاستدامة البيئية، بما يعود بالنفع على الوطن والمواطن.
ويواصل الشاعر قوله:
رد بابه زماني وامتحني يوم ثور عجاجه رد بابه
يا ربابه على المسحوب وني من قصيدي بكى قوس الربابه
ذا صوابه عقب ما هو طعني لو نسيته يذكرني صوابه
يصف الشاعر في هذه الأبيات عمره الضائع، وكيف أغلق الزمن أبواب السعادة في وجهه، معبرا عن حزنه بصوت الربابة.
وينعكس هذا الوصف على حياتنا اليوم؛ فالشتاء امتحننا بعد طول جفاف، ثم فرحنا بالغيث، ليظهر ضعف إدارة الموارد وسوء التنسيق في العمل، حيث كل يغني على ليلاه.
ونبقى نتساءل: هل تركيب الكاميرات وحده حل لمشاكل البلد؟
أخيرا، نحمد الله ونستغفره، فقد أنعم علينا بالغيث برحمته وفضله، فهو مصدر الخير الذي يشمل الجميع في الوطن.
فالعمل الجيد ليس مجرد تصرف إنساني، بل هو نهج عملي تبذل فيه جهود مستمرة لحماية حياة الناس. وأصبح من الضروري التمييز بين حماية حياة الإنسان وإيجاد حلول مستدامة، إذ لا يمكن لأي حل أن يعوض الحياة نفسها.
أما الوطن، فهو ليس مجرد مكان أو مساحة أرض تنفذ عليها مشاريع وخطط مستدامة، بل هو تاريخنا وسند المستقبل لكل أبنائه. حفظه واجب علينا، والعمل من أجل رفعة شأنه شرف لا يقدر بثمن، وحبنا له واجب ووفاء لا ينتهي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد