صوماليلاند على البحر الأحمر

صوماليلاند على البحر الأحمر

31-12-2025 01:05 AM

إنذار مبكر لمشروع تفكيك يهدد الأمن العربي
لم يعد ما يجري في القرن الأفريقي حدثًا عابرًا أو تفصيلًا جغرافيًا يمكن تجاهله، بل بات مؤشرًا خطيرًا على تحولات استراتيجية تمسّ صميم الأمن القومي العربي. إن الاعتراف الإسرائيلي بما يسمى «أرض الصومال» في نهاية ديسمبر 2025 لا يمكن فصله عن سياق أوسع يسعى إلى إعادة تشكيل الإقليم عبر تفكيك الدول الهشة وتحويل مناطقها الساحلية إلى منصات نفوذ لقوى خارجية. فالصومال، الذي عانى طويلًا من الانقسام والضعف، يُدفع اليوم خطوة إضافية نحو التفكك، بما يهدد وحدة أراضيه ويفتح الباب أمام سيناريوهات لا تقف عند حدوده.
لقد عملت «أرض الصومال» ككيان بحكم الأمر الواقع منذ عام 1991، إلا أن الخطورة الحقيقية لا تكمن في هذا الواقع القائم، بل في محاولة نقله إلى شرعية دولية بدعم قوى معروفة بعدائها للعروبة والإسلام، وسعيها الدؤوب للتموضع على البحر الأحمر. هذا المسار لا يستهدف الصومال وحده، بل يضرب فكرة الدولة الوطنية في أفريقيا والعالم العربي، ويحوّل الانفصال إلى أداة سياسية تُستخدم متى ما توافرت الظروف.
ولا يمكن قراءة هذه التطورات بمعزل عن شبكة تحالفات إقليمية خفية وعلنية، حيث يبرز دور بعض الأطراف الإقليمية التي تقدم نفسها شريكًا لاسرائيل و للغرب، و تمارس على الأرض سياسات تسهّل تمرير هذا المشروع، عبر الاستثمار في الموانئ، أو بناء علاقات أمنية واقتصادية مع كيانات انفصالية، أو توفير غطاء سياسي غير مباشر لتحركات تهدد وحدة الدول العربية. هذا الدور، وإن لم يُعلن صراحة، يترك آثارًا عميقة على توازنات الإقليم ويُسهم في تعقيد المشهد بدل احتوائه.
إن خطورة قيام كيان معادٍ للعروبة والإسلام على ضفاف البحر الأحمر لا تتوقف عند حدود الصومال، بل تمتد لتطال الأمن البحري والتجاري لدول المنطقة كافة. فالبحر الأحمر ليس مجرد ممر ملاحي، بل شريان استراتيجي يربط الشرق بالغرب، وأي اختراق فيه يعني تهديدًا مباشرًا لأمن الملاحة، ورفع كلفة حماية المصالح العربية، وتعريض الدول المشاطئة لمخاطر سياسية واقتصادية وأمنية متراكمة.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الأخطار المحتملة على المملكة العربية السعودية، التي تمثل عمقًا استراتيجيًا للبحر الأحمر وباب المندب. فوجود كيان ذي توجهات معادية، مرتبط بأجندات خارجية، في الجوار الجغرافي القريب، يخلق بيئة غير مستقرة ويزيد من احتمالات الضغط الأمني والسياسي، سواء عبر تهديد طرق التجارة والطاقة، أو عبر إدخال عناصر صراع جديدة إلى محيط حيوي بالغ الحساسية.
المقلق في المشهد الراهن ليس فقط جرأة الأطراف الدافعة بهذا الاتجاه، بل حالة الاستكانة أو التردد التي تبديها قوى غربية وإسلامية، تكتفي ببيانات لفظية تؤكد دعم وحدة الصومال دون أن تترجم ذلك إلى سياسات ردع حقيقية. هذا التراخي يمنح المشروع الانفصالي فرصة للتحول من استثناء إلى قاعدة، ومن حالة خاصة إلى نموذج قابل للتكرار في أكثر من ساحة.
إن السماح بقيام كيان معادٍ على البحر الأحمر اليوم، تحت ذرائع الواقعية السياسية أو إدارة الأزمات، يعني عمليًا فتح الباب أمام إعادة رسم خرائط المنطقة وفق مصالح قوى لا ترى في العالم العربي سوى ساحات نفوذ وممرات استراتيجية. والتجارب القريبة تثبت أن تجاهل البدايات الصغيرة غالبًا ما يقود إلى كوارث كبرى يصعب احتواؤها لاحقًا.

إن مشروع تفكيك وتفتيت الدول العربية بات اليوم خطرًا مباشرًا لا يهدد الصومال وحده، بل يطال العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا، وربما دولًا أخرى لا نريد أن نكأ جراحها بعد. من هنا، فإن المطلوب موقف عربي إسلامي حاسم، يتجاوز البيانات إلى الفعل، ويضع حدًا لهذا المسار قبل فوات الأوان، لأن ثمن الصمت اليوم سيكون أمنًا مهددًا وغدًا أكثر اضطرابًا للجميع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد