في غزة .. كبر الناس فجأةً

mainThumb

12-03-2024 02:40 AM

لقد كبرَ الأطفالُ في غزّة دفعةً واحدة؛ مئةٌ وسبعةٌ وخمسونَ يومًا أكثرُ من «ألفِ سنةٍ مما تعدّون». يصرخُ طفلٌ لم يتجاوز العاشرة عبر (الكاميرات)، التي تنقل معاناتهم مباشرةً إلينا نحنُ الذين أصبحنا نتجنّبُ حتّى «المشاهدة» ، أنّه من (تل الزّعتر)، وأنّه يبحثُ لأخوته الصّغار الذينَ يصيحونَ جوعًا عن أيّ طعام. أيُّ مسؤولية يحملها هذا الطّفل.. الذي أصبحَ أبًا مرّة واحدة، وأيّ حياةٍ هي التي حرمته أنْ يكونَ اليوم يغنّي «رمضان جانا»، وهو يلوّح بما يشبه الألعابَ الناريّة، بعيدًا عن صوت الطائراتِ ورائحة الموتِ، وألم الجوعِ، أيُّ حياة هي التي تحرمُهُ وهو طفلٌ أن يكونَ طفلًا. لقد كبر الناس فجأة ومرّة واحدةً في غزّة، وأصبحوا (حقل تجارب)، فيما العالُمُ يبذُلُ جهده في (البحثِ عن شيءٍ موجود)، وفي (إحياءِ شيءٍ ميت)، فالسّماء مجازُ القتل، أمّا البحرُ فيظلُّ كما كانَ دومًا، محلّ شكٍ وريبةٍ وتوجّس، وتظلُّ غزة تستذكرُ بيروتَ: فجرًا.. ظهرًا.. عصرًا.. ليلًا
«بيروتُ ليلًا
آهِ يا أفقًا تبدَّى
من حذاءِ مقاتلٍ
لا تنغلقْ
لا تنغَلِقْ أَبدًا
لئلاّ...
أتعرفُ مَنْ أَنا حتى تموت نيابةً عنِّي؟»
كثيرًا ما أتحدّثُ عن الاعتياد كحالة مرتَبطةٍ بالوُجود والألم الإنسانيّ، كتعبيرٍ لغويّ فَصيح عَن صُراخ الأمّهات والجدّات: «قلبي انطفى»، كتكرار الأيام وتعاقبها بنفس الطّريقة، والأسلوب، وتكرار الوُجوه، وكلّ ما يتعلّق بالإنسان «الأقرب إلى الوحش مِنه إلى الإله»، ويبدو أنّه اعتادَ جدًا وتمامًا مشاهد القتل التي تجري في قطاعِ غزّة. ولم أكن أتخيل أنْ يعتاد، وأنْ نعتاد، وأنْ أعتاد.
تبدو غريبةً فكرة المواصلة وفي قمّة الخذلان. ويحقُّ للغزين السؤال: كيفَ تواصِلون؟. وأسأل نفسي جدًا. كيفَ لم نتوقف تمامًا. كيفَ لا نملك «رفاهية» أنْ نتوقّف!، كيفَ نستطيعُ النظرَ في عينِ دمهم مباشرة، ثمّ «نكمل». أسألُ نفسي. لأرفع العتب عنها بأقلِّ القليل. ولا شيءِ يرفعُ العتب. وأعيدُ أستذكرُ خليل حاوي، وأستذكرُ أنّ كلّ هذا الكلام لا يملأ معدةً فارغة، وأتمنى.. لو تنشقّ هذه الأرضُ وتبلعنا.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد