جدلُ النصر والهزيمة غير المحسوم
في كلّ قواميس أو ثقافات الشعوب، تُرفض الهزيمة ولا تُقبل، ومَن يخوض المعارك شعاره النصر وموقفه الثابت، بجميع الأحوال، «سحقُ العدو» بغضِّ النظر عن النتائج، وعليه أن يخلق قناعةً لدى جمهوره بهذا النّصر المحقق.
في حالة قطاع غزة، تختلط المشاعر المتعاطفة مع الشّعب الفلسطيني، الذي تعرض الأبشع حرب إبادة عرفها القرن الحالي، ويعتنق أصحاب تلك المشاعر عقيدة النصر بغضّ النظر عن النتائج لاعتبارات سياسيةً أو ربما دينيّة. هذا الاعتقاد والاعتناق، مشروعٌ ومقبول؛ ذلك أنّ الكيان الصهيونيّ الغاصب هو قاعدة عسكرية لـ «الغرب الصليبي» زرعت في قلب العالم العربي لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية واقتصادية، ويتم مدها بأحدث التكنولوجيا العسكرية، بل إنّ دولاً متقدمة على رأسها أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، شاركت في الحرب ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر منذُ أكثر من 17 عاماً، ويعيش سكانه تحت وطأة الحروب بين الفينة والأخرى، والغارات الجوية المتكررة دون توقف طيلة تلك المدة.
نتائجُ هذه الحرب المدمرة، التي نفذها هذا الكيان ضد شعب لا يملك دبابة ولا طائرة، سوى أسلحة بسيطة تقليدية صنعوها بأيديهم، والتي استمرت من 7 أكتوبر 2023 إلى 19 يناير 2025 الجاري، وفشله في تحرير أسراه، إلا بصفقة هدنة، تشير إلى «صمودٍ أسطوريّ» للشعب الفلسطيني في مقارعة الاحتلال، وقدرة على إخفاء الأسرى طيلة هذه المدة في هذه البقعة الصغيرة والمكشوفة أمنياً وعسكرياً أمام أقوى القدرات العسكرية في العالم.
لم يجد الكيانُ الصهيوني، في هذه الحرب سوى المدنيين والمنشآت المدنية أهدافاً أمامه، فارتكب المجازر والمذابح ضد الأطفال والنساء على مدار 15 شهراً، ما خلف 157 ألف شهيد وجريح، و11 ألف مفقود يعتبروا في عداد الشّهداء، بدعمٍ غربي صريح ومكشوف، إذ لم تخجل وزيرة خارجية ألمانيا أخيراً من تبرير قتل المدنيين. هذا الكيان لا يعرف القيم الإنسانية، بل إنّه أشبع بدلاً عنها بثقافة الكراهية والقتل والتدمير المستمدة من معتقدات توراتية تعود إلى أربعة آلاف عامٍ، وهذه ثقافة متجذرة ومليئة بالحقد العميق؛ فلم تكن السّنوات وتغيّراتُ الزمن كفيلة بغسل قلوب سكان الكيان وقادته وتطهيرها، وإشباعها بالإنسانية والسلام واحترام الآخر.
بمعايير الربح والخسارة، خسر الفلسطينيون آلاف الأحبة والمباني والبينة التحتية التي قدرت إعادة إعمارها بأكثر من ثمانين مليار دولار وفق خبراء، إلا أنهم قابلوا ذلك، بالصمود والثبات، فأفشلوا مخطط التهجير وتفريغ القطاع من سكانه، وتحرير الأسرى بالقوة كما رفعوا ذلك "شعاراً" لعدوانهم على القطاع.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنّ أكثر من 69% من مباني القطاع دمرت أو سويت بالأرض، بما يقدر بـ 170 ألف مبنى يتضمن ما مجموعه 245123 شقة فردية، فيما قال مكتب الإغاثة الطارئة التابع للأمم المتحدة إنّ أكثر من 1.8 مليون شخص في قطاع غزة يحتاجون حالياً إلى مأوى طارئ، وتُظهِر البيانات الفلسطينية أنّ الحرب أدت إلى تدمير أكثر من 200 منشأة حكوميّة، و136 مدرسة وجامعة، و823 مسجداً وثلاثَ كنائس.
هذا فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أمّا الكيان الغاصب، فقد أعاد تشكيل العقل العربي من الأجيال الشابة الصاعدة، التي كادت أن تتعامل مع هذا «الكيان» كأي كيان سياسي في الإقليم، وذلك بإطلاعه على حقيقة وحشية «إسرائيل» وعدائها المتجذّر للعرب والمسلمين، الذي لم يستثني الأطفال والنساء من المذابح، فالوعي الشابُّ العربي وصل لقناعة مفادها أنّه مستهدف من هذه «الشرذمة البشعة» التي لن تتوان عن قتله بأبشع صورة، فالكيان الغاصب قضى على كلّ أحلام السّلام بين الشعوب، وأيقظ الوعي العربي إلى مئة عام مقبلة.
إضافة للوعي العربي، فالوعي العالمي الحر استيقظ هو الآخر على بشاعة جرائم هذا الكيان، الذي تشوهت صورته الأخلاقية أمام العالم أجمع، باستثناء حكومات داعميه والمتحالفين معه بهذه الجرائم البشعة. وفشل هذا الكيان، كما قلنا في تحرير أسراه بالقوة وتحقيق التهجير، واقتطاع الشمال وضمه لدولة الاحتلال وبناء المستوطنات.
لا يقاس النّصر، في حالة غزّة، بحجم الربح والخسارة، فهي حربُ تحرير يقودها أصحاب الأرض، وهي بكلّ تأكيد لن تكون الأخيرة ما دام الاحتلال جاثماً على أرض فلسطين، والكلفة بجميع الأحوال لن تكون سهلة، ولنا عبرة في حرب تحرير الجزائر من نير الاستعمار الفرنسي البشع الذي امتد 132 عاماً.
إنّ ما جرى في غزة يلخصه الكاتب الروائي الأميركي صاحبُ «الشيخ والبحر» و«وداعًا أيها السّلاح» آرنست هينجواي في جملته الشهيرة: «الإنسان قد يدمّر لكنّه لا يُهزم»، والتي اختزلت قصة «الشيخ والبحر». لذا؛ فإنّ ما جرى في غزة، جولة من جولات معارك التّحرير التي لن تنتهي إلا بتحقيق النّصر للحقِّ الفلسطينيّ نهايةَ المطاف، مهما طال الزمن .
إقرأ المزيد :
يزن النعيمات يعود إلى الملاعب بعد غياب شهرين
مهم للعاملين بسلطة إقليم البترا بشأن تأخير الدوام الأحد
الأردنية أولاً بمهارات SIPHA الإكلينيكية بين الجامعات العربية
بسبب الانجماد .. تأخير دوام العاملين بهذه الجامعة الأحد
العَلمَانية .. كلمة الجدل السائلة
هل انتهى زمن الإيديولوجيا والأحزاب العقائدية
جمعية عَون الثقافية الوطنية:سيبقى الأردن منيعاً بقيادة الملك
الترخيص المتنقل بلواء بني عبيد الأحد
فلسطين النيابية: إقرار قانون منع تهجير الفلسطينيين لن يستغرق طويلا
التحول من اتخاذ القرارات إلى صناعتها
الجامعة العربية تؤكد وقوفها إلى جانب الأردن ومصر بمسألة التهجير
قرار هام من الضمان الإجتماعي يخص المتقاعدين
الحكومة تكشف سعر القطايف في رمضان 2025
الأمن يضبط سائق المركبة الاستعراضية في الزرقاء
عروس تخلع زوجها بأول أسبوع زواج والسبب لا يخطر على بال
المناطق التي قد تشهد تساقطًا للثلوج .. أسماء
منخفض ثلجي شديد البرودة قادم للأردن .. تفاصيل
تنقلات وتشكيلات بين كبار موظفي وزارة التربية .. أسماء
الجيش يفتح باب التجنيد .. تفاصيل وشروط
كتاب لاتحاد كرة السلة بخصوص مباراة الأردن وإسرائيل
موظفون حكوميون إلى التقاعد .. أسماء
هل انحسر المنخفض الجوي عن المملكة .. تطورات الطقس