اليابان مجتمع صنعته المثيولوجيا
ماذا تعرف عن اليابان؟ سؤال بسيط، لكن الإجابة عليه صعوبتها تتطلَّب الخوض في تاريخ اليابان. فما يبدو للعيان من المجتمع الياباني هو المانجا والتقدُّم التكنولوجي والدِّقة والأدب الجمّ، وكذلك الحضارة ذات الطقوس والعمارة والملابس المميَّزة، والطعام المنمَّق المزركش، الذي يشابه قطع الحلوى. لكن معرفة كل هذا لا يفسِّر سبب وصول الشعب الياباني إلى ذلك المزيج المدهش والفريد من الصفات التي تبهر كل من يقترب من تلك الحضارة، ولكنها في الوقت نفسه تصيبه بالدهشة؛ لأن خصوصيتها ومزاج ذاك الشعب قد يبدو شديد الغموض، لدرجة قد تجعل من يحاول أن يدرسه يقع في براثن الحيرة، جرَّاء سلوك شعب وصل إلى أعلى قمم التقدُّم المذهل لدرجة الإيمان، وفي الوقت نفسه تسيطر عليه مشاعر وآراء ونمط حياة عتيق، حتى لو بدا في بعض الأحيان أنه خرج عن ذاك السياق، وتماهى مع النمط الغربي، لكن يلاحظ وجود أسس تقليدية تستقر في نفوس الجميع.
ولفهم طبيعة ذاك الشعب المعقَّدة يجب ملاحظة أمرين، أولهما الطبيعة الجغرافية المميَّزة التي جعلت من اليابان أرخبيلا شبه منفصل الجزر، وكان من الصعب اتصال سكانها ببعضهم بعضا في الماضي السحيق؛ بسبب أنه يفصل كل جزيرة عن الأخرى مسطحات مائية وصعوبة في السفر. وأمَّا السبب الثاني، فهو الجانب الديني الروحاني؛ فاليابان على عكس دول الشرق الأوسط، وبالتأكيد الغرب، لا تعلم شيئا عن الديانات الإبراهيمية الثلاثة، لكن الجانب الروحاني فيها بارز لدرجة أنه بمثابة أساس القيم والمُثُل اليابانية الفريدة التي يتغنَّى بها العالم.
من الجدير بالذكر أن المجتمع الياباني من الشعوب شديدة المحافظة من الناحية الثقافية؛ فهو شعب يسعى دوما لتوكيد هويته الوطنية. يكفي القول إن اليابان لم تأخذ بعين الاعتبار الانفتاح على الغرب بشكل حقيقي، وكذلك تبنِّي قيم غربية، إلَّا بعد الحرب العالمية الثانية مع وصول الحلفاء لأراضيها. واليابان ما زالت، لغزا حضاريا وثقافيا وعلميا متميِّزا لا يمكن فهمه إلَّا بسبر أغوار تاريخ اليابان والديانة اليابانية، وكذلك مجموع الأساطير والحكايات الفلكولورية التي يؤكِّد عليها الشعب الياباني ويجاهد في الاحتفاظ بها، بل تصديرها للعالم من خلال أفلام الكارتون والمانجا وكذلك اللوحات الفريدة التي تخطف الأبصار؛ لما يتمازج فيها الأشخاص مع المناظر الطبيعية الخلابة، وفي كثير من الأحيان تظهر فيها كائنات خرافية. والمذهل، أن كل ذلك ينبع من فلسفة خاصة يتوارثونها عبر الأجيال.
وتلك الفلسفة الخاصة مصدرها الحكايات الشعبية الأسطورية، التي لا تعد دليلا على عصور من الظلام والوثنية، كما هو الحال بالنسبة لأساطير الحضارة الإسكندنافية، أو اليونانية. فعلى النقيض، تعد الميثولوجيا (الأساطير) اليابانية بمثابة مؤلَّف الغرض منه ترسيخ وتعليم قيم وعادات حميدة، وغرس نموذج أخلاقي صارم تمتزج فيه العادات والتقاليد، مع التشديد على الربط بين علاقة البشر بالجانب الديني الروحاني. وعلى نقيض شعوب العالم المختلفة، فالجانب الديني متعدد المصادر وتسيطر عليه المبادئ الكونفوشوسية والبوذية وديانة الشينتو؛ لكن الديانة الطاغية في مبادئها هي «الشينتو» Shinto، وهي تلك القائمة على أساطير وحكايات شعبية يتم تعليمها للصغار في المدارس منذ المراحل الأولى من العمر، مع اختيار الأساطير التي تتناسب وكل فئة عمرية؛ لاختلاف السرد والتعاليم. وديانة «الشينتو» Shinto قائمة على مزج النواميس الأخلاقية عظيمة الأثر التي تمتاز بها الديانة البوذية، مع الممارسات الكونفوشوسية التي تراعي التقاليد.
وصياغة ديانة «الشينتو» بهذا الشكل ترجع إلى التعاليم والحكايات الموجودة في عملين أدبيين ظهرا في العصور الغابرة، وهما: «كوﭼيكي» Kojiki و»نيهونجي» Nihongi؛ مع الأخذ في الاعتبار أن هذين العملين يسردان تاريخ اليابان منذ العصور السحيقة، وفي الوقت نفسه ينقلان العادات والتقاليد القديمة. ولكي تتوارث الأجيال العادات والأخلاق اليابانية الأصيلة، يتم الحفاظ على ديانة الشينتو وتعاليمها. وتجدر الإشارة إلى أن اليابان لا تفرض دينا رسميا لها، لكن على الرغم من تعدد الديانات، يظل «الشينتو» هو الجانب المسيطر، حتى بالنسبة لمن لا يؤمن بأي من الديانات. ففي المناسبات العائلية من زواج أو إنجاب أو حتى جنازة ـ على سبيل المثال ـ يذهب صاحب المناسبة لمعابد الشينتو، وكذلك يتم اصطحاب المواليد لهناك، فتلك عادة راسخة في اللاوعي تُمارس تلقائيا ولا يعتزم أي فرد الحياد عنها.
وديانة «الشينتو» تقوم على طقوس تختلط فيها التعاليم الأخلاقية مع الأسس السياسية وتقاليد الحياة العائلية والهيكل الأخلاقي، الذي يجب الحفاظ عليه، والأسس التي تقوم عليها هي الحفاظ على التقاليد والعائلة، وحب الطبيعة، والنظافة الشخصية، وأخيرا الـ»ماتسوري» Matsuri، ويقصد بها تقديس الطقوس والاحتفالات. ويجب ملاحظة أنه يوجد في اليابان العديد من الاحتفالات الجماعية، وجميعها يعود إلى طقوس الشينتو التي تهتم بالمحافظة على الطبيعة والاعتناء بالأسرة، ويكفي القول إنه بفضل تعاليم الشينتو ازدهرت رياضة الدفاع عن النفس، التي تنبثق بالأساس من أساليب الساموراي في الدفاع عن نفسه وعن الآخرين؛ فبسبب «الشينتو» ظهرت قديما فرق الساموراي.
ومصطلح «شينتو» Shinto هو دمج لكلمتين باللغة الصينية؛ فكلمة «شين» تعني «روح» أو «إله» والتي تعني باللغة اليابانية «كامي» Kami. وأمَّا كلمة «تو» فهي أصلها «دو» Dao وتعني «طريق» والتي أيضا تشير إلى الديانة «الضاوية» Daoism مما يفسِّر إلى حد كبير أساس تعاليم «الشينتو» وتؤكِّد أنها ممارسة لخلق منهاج حياة يعنى بالفرد والمجتمع. وطبقا لتعاليم تلك الديانة التي تسرد تاريخ اليابان بأسلوب أسطوري، فإن ميثولوجيا خلق الكون متشابكة. ففي بداية الخليقة، كانت الفوضى تعم العالم بسبب تداخل وتدافع الأجسام بها، إلى أن بدأت مرحلة التقسيم الذاتي؛ وفيها ذهبت الأجسام الخفيفة إلى أعلى ومنها تم تكوين السماء، بينما هبطت الثقيلة منها صوب ذاك المحيط المملوء بالغرين (أي الطميْ)، وبفضل ذلك نشأت الأرض. وفي ما بعد، تكوَّن في المسافة الواقعة بين الأرض والسماء ثلاثة كائنات مقدَّسة، وتدعى «الكامي» Kami. وبتعاقب الأجيال، فجأة ظهر في الجيل السَّابع رجل وامرأة، كانت مهمتهما منح الأرض شكلا مميّزا. وبعد الانتهاء من تشكيل الأرض، قررا الاستقرار وكذلك الإنجاب.
وينبثق الميل إلى تحقيق رخاء تكنولوجي وتقدُّم علمي مذهل من أسس تلك الأسطورة، التي يلد فيها الأبوان ولداً على شكل كرة من اللحم خالية من العظام، لكن بعد أن عمدوا إلى إلقائه في المحيط، ينمو الطفل ويصير له هيكل عظمي، وكيان جسماني قوي ومكتمل في أبهى صورة، ويتطوَّر إلى أن يصبح روحا قوية، أو «كامي». وبمرور الأيام، يقوم الأبوان بتوجيه جهودهما لتشكيل جغرافيا المكان، وهكذا تم بناء اليابان في الشكل الجغرافي الأرخبيلي الحالي. ثم، يتم ميلاد العديد من الأطفال الآخرين، ومعهم تعدد أنواع الكامي؛ فهناك أحدهم الخاص بالجبال، وآخر يعتني بالحشائش، وآخر يهتم بالرياح، إلى ما شابه ذلك.
ولا يعرف أحد حتى الآن كيف ولماذا نشأت ديانة الشينتو، أو حتى من قام بتأسيسها، لكنه تم اكتشاف أن أشكال العمارة المميزة السائدة في اليابان وتقديس الطبيعة والإيمان بوجود الأرواح، «الكامي»، ظهرت تقريبا في الفترة ما بين 300 ق.م. إلى 300 ميلادية، أي في الحقبة التي تدعي «يايوي» Yayoi. ويلاحظ، أن إمبراطور اليابان قديما كانت تخلع عليه صفات سماوية مقدسة، ويشار له على أساس أنه «كامي».
الميثولوجيا اليابانية التي منها انبثقت ديانة الشينتو عملت على ترسيخ أسلوب براغماتي لممارسة طقوس الحياة، ووضع نواميس أخلاقية لتتوارثها الأجيال، وكأن عملية التوارث تلك واتِّباع التعاليم هو أحد أركان العبادة التي يجب عدم التخلِّي عنها، حتى لو كان الفرد لا يتبع تعاليم أي دين. وتؤكِّد الميثولوجيا اليابانية على فكرة النشوء على شكل قد يكون مشوَّها، لكن التقدُّم والتطور يعمل على وضع المخلوقات أو الطبيعة أو أي شيء في أبهى صورة وأقواها، ومن هنا نشأت فكرة تقديس العلوم والتطوُّر التكنولوجي واستخدام العقل البشري للوصول إلى الكمال.
الميثولوجيا اليابانية ديانة وتاريخ وناموس أخلاقي صارم، تتوارثه الأجيال للحفاظ على الهوية الوطنية التي تعدّ من المقدسات. فالأرواح أو الآلهة، حتى إن لم يكن لها مكان في عقل الإنسان الياباني الحديث الموجود في عصرنا الحالي، الذي يتميَّز بالتقدم التكنولوجي الشديد، لكن أصداءها تتردد في الحفاظ على التقدم والتكنولوجي وممارسة طقوس الاحتفالات وارتداء الملابس التقليدية المميزة وتقديس الطبيعة والحفاظ على الشكل المعماري المميز لحضارة اليابان. مما يعني أن الطريق الوحيد لفهم كوكب اليابان الغامض ينبع من فهم الجانب المثيولوجي ومدى اختلاطه بالديانات اليابانية.
سهل الحموري مديراً للخدمات الطبية الملكية
زيارة وفد عسكري ألماني لقيادة الحرس الملكي الخاص
شراكات تدريبية واسعة في قطاع السياحة بالشمال
نادي صيفي شامل للأطفال ذوي الإعاقة في الزرقاء
تعزيز التعاون في النقل البري بين الأردن وفلسطين
نقابة الصحفيين تقدم منح دراسية كاملة
تطوير مبادرات النقل ضمن رؤية التحديث الاقتصادي
الطيران الحربي الإسرائيلي يقصف أحياء درعا – شاهد الفيديو
وليد المصري يبحث تطوير الأداء البلدي
حملة رش وقائية لحماية زيتون بصيرا من الآفات
الأردن يدين مشروع "E1" الاستيطاني
محافظ الطفيلة يتفقد خدمات لواء الحسا
فرقتان إسرائيليتان تتوجهان إلى الجولان .. آخر التطورات
استدعاء 350 مالك شاليه بجرش لهذا السبب
ترفيع وانهاء خدمات معلمين واداريين في التربية .. أسماء
تحذيرات رسمية للمواطنين عند شراء الذهب محلياً
مدعوون للامتحان التنافسي في التربية .. أسماء
فصل الكهرباء عن هذه المناطق الاثنين .. أسماء
ما حقيقة فرض عمولات على تحويلات كليك للافراد
أردني يفوز بجائزة مليون دولار أميركي بدبي
إجراءات جديدة عقب انهيار عمارة سكنية في إربد
الأردنيون على موعد مع أجواء لاهبة .. تفاصيل الطقس
الأردن يسلّم مفاتيح تشفير جواز السفر الإلكتروني للإيكاو
موعد إنحسار الكتلة الحارة على المملكة
أسباب البقع الحمراء المصحوبة بالحكة على الجلد
فوائد القسط الهندي للصحة العامة