سلاح النفط والسادات

mainThumb

27-04-2025 01:09 AM

برز دور الرئيس المصري الراحل أنور السادات بشكل ملحوظ خلال مرحلة حاسمة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. فقد اتخذ السادات قرارًا استراتيجيًا تمثل في دعوة الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بقيادة الملك فيصل، إلى استخدام النفط كسلاح للضغط على الدول الداعمة لإسرائيل، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

جاءت هذه الدعوة في أعقاب الانتصارات التي حققتها الجيوش العربية في حرب أكتوبر، حين تمكن العرب من استعادة جزء من أراضيهم المحتلة، مما عزز ثقتهم بضرورة التحرك الموحد ضد الدعم الغربي لإسرائيل. شعر السادات بأن العمل العسكري وحده لا يكفي، فاقترح فرض حظر نفطي على الدول المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي، في خطوة جريئة لم تكن تخلو من المخاطر.

واجهت هذه المبادرة ردود فعل متباينة داخل العالم العربي. بعض الدول رأت فيها فرصة ذهبية لتعزيز وحدة الموقف العربي، فيما خشي آخرون من تداعيات اقتصادية كارثية قد تنجم عن هذه الخطوة. رغم ذلك، أبدى الملك فيصل دعماً قوياً لمبادرة السادات، وسارعت المملكة العربية السعودية إلى تطبيق الحظر النفطي، مما أربك الأسواق العالمية وأظهر لأول مرة مدى تأثير العرب الاقتصادي على الساحة الدولية.

ورغم الحظر، لم تغير الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مواقفهم الداعمة لإسرائيل. استمرت السياسات المنحازة، مما زاد من تعقيد القضية الفلسطينية ودفع بالصراع إلى مزيد من الجمود والتأزم.

تحرك السادات كشف عن الحدود التي يمكن أن تبلغها الأنظمة العربية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والدعم الغربي له. أظهرت المرحلة أن الاستقلال الحقيقي بحاجة إلى تفكير استراتيجي وشجاعة جماعية تتجاوز الخطوات الفردية، خصوصًا مع تعقيدات العلاقات الدولية المتزايدة.

لا يمكن أن تمحى من الذاكرة البطولات التي سطرها السادات خلال حرب أكتوبر 1973. فقد رفض الذل والهوان، وأثبت أمام العالم أن القائد المصري قادر على قلب موازين القوى، رغم وقوف السرطان الأمريكي والدول الغربية خلف الكيان الصهيوني.

ورغم هذه التضحيات، لم نر محكمة دولية تقدم مسؤولين أمريكيين أو غربيين للمحاكمة بسبب اعتداءاتهم المتكررة على الفلسطينيين أو على مصر وجنوب لبنان. بينما قامت الدنيا ولم تقعد عندما لجأ العرب إلى استخدام ورقة النفط للضغط السياسي، معتبرين ذلك جريمة لا تُغتفر.

اليوم، وسط حالة الفوضى والفساد التي تجتاح العالم، يبدو واضحًا أن العرب ما زالوا يدفعون ثمن تفرقهم وثقتهم الزائدة بخصومهم. الولايات المتحدة وحلفاؤها لم يتوقفوا عن دعم إسرائيل، بل زادوا من تغلغلهم وسيطرتهم على القرار العربي، ما أضعف مكانة الحكومات العربية وجعل قادتها أضحوكة في أعين أعدائهم.
المشهد يزداد قتامة مع استمرار الحروب والفساد العالمي. لا وجود لمحاكمات دولية عادلة تطال القادة الصهاينة أو الغربيين رغم ارتكابهم الجرائم ضد الإنسانية، خصوصًا في فلسطين وسوريا ولبنان.

يتساءل المراقبون: هل بات السلام مع العدو الصهيوني مجرد ورقة يُلوّح بها لاستنزاف العرب؟ وأين هو الصف العربي الذي كان يجب أن يحمي الأرض والدين والهوية؟!

الرئيس السادات كان يفهم جيدًا طبيعة هذا الصراع، لذلك تصدى بشجاعة لكل الضغوط، فخافته أمريكا لأنه كان يمتلك مشروعًا وطنيًا عربيًا يتجاوز حدود بلده، ويهدد خططهم الاستعمارية.

أما اليوم، في ظل هذا المشهد، فإن استمرار العرب في تصديق شعارات السلام المضلل يهدد بقاءهم وهويتهم. فالحكام الذين يعولون على الوعود الأمريكية والإسرائيلية قد يجدون أنفسهم وقودًا لحروب جديدة ستأتي على الأخضر واليابس.

تجربة البوسنة وسربرنيتسا، حين تواطأت قوات حفظ السلام مع القوات الصربية وتركوا المسلمين لمذبحة بشعة، يجب أن تكون درسًا للعرب، كي لا يكرروا خطأ إلقاء السلاح والوثوق بالوعود الزائفة.

إن الخطر الحقيقي يكمن في غياب الوحدة والكرامة، وفي التهاون أمام مخططات تهدف إلى السيطرة الكاملة على مقدرات الأمة. التاريخ يعيد نفسه أمام أعيننا، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: متى يستيقظ العرب من غفلتهم؟ ومتى يدركون أن مصيرهم لن يحدده إلا قوتهم وإرادتهم الجماعية؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

إلغاء وتعليق رحلات إلى الأردن والمنطقة .. تفاصيل

رئيس قبرص: إيران طلبت منا نقل "بعض الرسائل" إلى إسرائيل

جائزة الحسن للشباب تختتم معسكرا ميدانيا لشابات من الشمال والوسط

تسريب معلومات 40 طيارا إسرائيليا شاركوا في الهجوم على إيران

مصر للطيران تلغي رحلاتها إلى بيروت وعمّان وبغداد وأربيل

إيران تشيع قادتها يوم الثلاثاء المقبل

جيش الاحتلال الإسرائيلي يوجه إنذارًا عاجلا إلى سكان إيران

الإدارية النيابية توصي بإلغاء الشروط التقديرية وتعزيز الكفاءة

الناجي الوحيد من كارثة الطائرة الهندية يروي تفاصيل نجاته المعجزة

بورصة عمان تغلق تداولاتها على انخفاض

حداد رسمي في طمرة بعد مقتل أربع نساء من عائلة عربية واحدة

مركز الأزمات: مراكز الإيواء ضمن الخطط الوطنية

نتنياهو يتفقد موقع سقوط صواريخ إيرانية وسط تصعيد خطير

الفتنة وغاياتها، وتصحيح المفاهيم ضرورة وواجب

الشيكـات بعـد حزيـران 2025، ومنهجيـة تقييـم الأثـر التنظيمـي أو التشريعـي