هستيريا يهوشع بن نتنياهو

mainThumb

14-09-2025 03:36 PM

خلال الحفل الذي أقامته حكومة الاحتلال في مستوطنة معاليه أدوميم، شرق القدس المحتلة، للتوقيع على مراسم مشروع استيطاني واسع النطاق في المنطقة E1، كفيل بشطر أراضي الضفة الغربية وجعل فكرة الدولة الفلسطينية مستحيلة جغرافياً؛ أكد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أنّ هذه الأراضي محتلة بالفعل، ولكن الذي كان الرائد في احتلالها يهوشع بن نون، الشخصية التوراتية التي تُنسب إليه قيادة بني إسرائيل بعد وفاة موسى، والاستيلاء على مساحات واسعة من أرض كنعان، وتقسيمها لاحقاً بين مختلف الأسباط.
وليس جديداً أن يتلهف نتنياهو على اقتباس شخوص من التوراة لإسباغ تغطية دينية على سياساته المتطرفة العنصرية والفاشية عموماً، أو حروب الإبادة الجماعية والحصار والتجويع والتهجير والتطهير الإثني في قطاع غزّة خصوصاً. ولعلّ الأشهر في هذا الصدد حثّ الجنود الإسرائيليين الاقتداء بما فعله الكاهن/ المحارب إشعيا، في السفر التوراتي الذي يحمل اسمه، بالعماليق الذين دُمرّت مدنهم وسُحقت عظامهم، في تلميح إلى أنّ أهل غزّة والفلسطينيين عموماً هم عماليق العصر الراهن.
وإلى جانب الهرطقة المبتذلة في تأويل نصوص توراتية أو إعادة تجنيد شخوص يهودية من باطن أسفار العهد القديم، ثمة طراز فاضح من هستيريا السعي إلى المطابقة بين تلك الأقاصيص والأعداد والأمثال، وبين السردية الإسرائيلية الراهنة كما تروّج لها الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً وفاشية في تاريخ الكيان الصهيوني. ولقد بلغت الحال، مراراً في الواقع وعلى نحو واهي التمويه ومُفتضَح تماماً لجهة التضخيم الشعبوي، أن يستبطن نتنياهو شخصيته في تلك الإحالات؛ على نحو يوحي بأنه يهوشع بن نتنياهو، أو إشعيا بن صهيون، أو حتى… شمشون بن منوح!
لكنّ نتنياهو، الذي يطلق اليوم تصريحات هوجاء من طراز «سنفي بوعدنا بألا تكون هناك دولة فلسطينية، هذا المكان لنا»، و«سنحمي تراثنا وأرضنا وأمننا»، والجبهة الشرقية لدولة الاحتلال «ليست مستوطنة معاليه أدوميم بل غور الأردن»؛ هو نفسه الذي، في سنة 2009 أعلن الالتزام بإقامة دولة فلسطينية خلال محاضرة شهيرة في بار إيلان؛ وهو، في سنة 2020، وافق على شرط تأسيس الدولة ذاتها كجزء من «صفقة القرن» الشهيرة.
كذلك فإنّ الاستيطان على أراض في المنطقة E1 كان حلم سلطات إسرائيلية عديدة، في صفّ اليمين كما اليسار، طوال 35 سنة، تعاقب خلالها رؤساء حكومات أمثال إسحق شامير وإسحق رابين وأرييل شارون وإيهود باراك وإيهود أولمرت ونتنياهو نفسه؛ وظل النزوع الاستيطاني في 12,000 دونم من مساحة الـE1 أقرب إلى الاستيهام الهستيري، منه إلى خطط الاستيطان القابلة للتحقق على أرض الواقع.
وقد يتسلح نتنياهو بما أدركه ويدركه من تهاون ما يُسمى بـ«المجتمع الدولي» إزاء جرائم دولة الاحتلال، واستمرار تمتعها بالحصانة والإفلات من العقاب كلما داست على أيّ وكلّ شرعة إنسانية وقانون دولي؛ أو لعله يدرك أنّ استنكار كايا كالاس خطط الاستيطان الإسرائيلية هذه، بالنيابة عن دبلوماسية الاتحاد الأوروبي؛ لا يختلف من حيث الجوهر، أو لعله يتطابق من حيث مضمون الخلاصات والجدوى، مع مباركة الإدارة الأمريكية كما سيحملها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بنفسه!
وعجز حكومات إسرائيلية سابقة عن هذا المشروع الاستيطاني النوعي، أو إحجام بعضها عن قطع خطوات ملموسة في تنفيذه، ليس سوى علامة أولى على أنّ عواقبه الميدانية تتجاوز بكثير اعتراضات كالاس الخجولة أو تبريكات روبيو السافرة؛ لأنها خضعت في الماضي، ولسوف تخضع في المستقبل أيضاً، للمعادلات ذاتها بين قوّة احتلال لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، وقوّة مقاومة لم تكلّ منذ مطالع القرن الماضي وصنعت نماذج انتفاضات شعبية عارمة سوابقها قليلة في تواريخ المقاومات.
وبالتالي، من هنا حتى الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، فليستعرض يهوشع بن نتنياهو أفانين الهستيريا، كافة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد