الاستثمار الأجنبي في الأردن

mainThumb

26-05-2025 02:18 AM

يُعد الاستثمار الأجنبي المباشر أحد أبرز المؤشرات على مدى حيوية الاقتصاد الوطني وجاذبيته للمستثمرين العالميين، وفي الحالة الأردنية، تعكس بيانات العقد الأخير صورة متباينة: موجات من الصعود والهبوط، تكشف في مجملها عن بيئة استثمارية لا تزال في طور التشكُّل، وتتأرجح بين فرص كامنة وتحديات بنيوية عميقة.

تشير بيانات البنك المركزي الأردني المنشورة على موقع "Trading economics" إلى أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ 311.7 مليون دينار أردني في الربع الرابع من عام 2024، مقتربًا من المتوسط التاريخي (325.1 مليون دينار) المسجل بين عامي 2009 و2024. ورغم أن هذا الرقم يُعد إيجابيًا نسبيًا، إلا أن مقارنته بذروة 2009 التي سجلت أكثر من 1.7 مليار دينار تكشف عن فجوة كبيرة، وتدل على فقدان الأردن لجاذبيته الاستثمارية التي كان يتمتع بها في سنوات ما قبل الأزمات الإقليمية.

الأخطر في هذه السلسلة الزمنية هو تسجيل أدنى مستويات الاستثمار في الربع الأول من عام 2021، عند 72.2 مليون دينار فقط، هذا التراجع الحاد يمكن تفسيره بتأثيرات جائحة كوفيد-19، ولكنه يكشف أيضًا عن هشاشة البيئة الاستثمارية في مواجهة الصدمات. فالاستثمار ليس مجرد رقم مالي، بل يعكس ثقة، واستقرارًا، ومؤسسات قوية قادرة على التفاعل مع المتغيرات.

في المقابل، يطرح التعافي النسبي في 2024 احتمالًا بأن هناك إصلاحات أو عوامل جديدة بدأت تؤتي ثمارها، فقد تكون التعديلات الأخيرة على قانون الاستثمار، وتوسيع صلاحيات النافذة الاستثمارية الموحدة، وتحسين أداء المناطق التنموية، عوامل جذبت رؤوس أموال جديدة، كما لا يمكن إغفال أثر المشاريع الإقليمية الكبرى – كمشروع المدينة الاقتصادية الأردنية العراقية، أو الربط الكهربائي الثلاثي مع مصر – في إعادة تموضع الأردن على خريطة المستثمرين.

مع ذلك، يبقى السؤال الجوهري: هل هذا التحسن الظرفي يعكس تحوّلًا استراتيجيًا أم أنه مجرد موجة مؤقتة؟ الحقيقة أن جذب الاستثمار ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لدعم النمو، وخلق فرص العمل، ونقل التكنولوجيا، وتحقيق التنمية المتوازنة، ولذلك، يجب أن تتركز الجهود على نوعية الاستثمار، ومدى ارتباطه باحتياجات الاقتصاد المحلي، لا فقط على حجمه.

في هذا السياق، تبدو الحاجة ملحّة لتطوير خارطة استثمارية ذكية توجّه رأس المال نحو القطاعات الإنتاجية كالصناعة، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة، بدلاً من الاعتماد على الاستثمارات في العقار والخدمات التقليدية، كما أن تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص المحلي، وتحفيز رأس المال الوطني على الدخول في مشاريع مشتركة مع المستثمر الأجنبي، سيسهم في تعميق الأثر الاقتصادي وتقليل هشاشة الاعتماد على الخارج.

وعلاوة على ذلك، فإن التنافسية الاستثمارية الأردنية لن تتحقق فقط عبر الحوافز الضريبية أو التشريعات، بل أيضًا عبر بنية تحتية رقمية متطورة، وقضاء تجاري نزيه وسريع، وشفافية في منح التراخيص وتيسير الأعمال، فالمستثمر المعاصر يبحث عن بيئة مستقرة ومتوقعة، أكثر من سعيه وراء امتيازات مؤقتة.

خلاصة القول، الأردن يمتلك المقومات الأساسية ليكون مركزًا إقليميًا لجذب الاستثمار، بما لديه من موقع جغرافي استراتيجي، وموارد بشرية متعلمة، وعلاقات دولية قوية، لكن هذا الطموح يتطلب إرادة إصلاحية جريئة، ورؤية اقتصادية متماسكة، تحول فرص اليوم إلى منجزات الغد، فالاستثمار ليس مجرد تدفق مالي، بل ثقة تُبنى وتُصان، ومناخ يُدار بحكمة واستباق.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد