حفظة السلام يحمون الأمل

mainThumb

28-05-2025 12:20 AM

"السلام ليس غياب الحرب، بل حضور العدالة."
بهذه العبارة نبدأ كلمتنا اليوم في مناسبة غالية على قلوب المدافعين عن حقوق الإنسان وسيادة القانون، وهي اليوم الدولي لحفظة السلام، الذي يوافق التاسع والعشرين من أيار من كل عام.
إنه يوم لا نكتفي فيه بإحياء الذكرى، بل نُجدّد فيه الالتزام المشترك بمبادئ السلام الدائم والمبني على أسس القانون والعدالة الدولية.
في هذا اليوم، تتجه أنظار العالم إلى أولئك الأبطال الذين يرتدون القبعات الزرقاء، ويقفون في خطوط النار لا لزرع الرعب، بل لزرع الأمل.
إنهم لا يحملون السلاح للهجوم، بل للدفاع عن الأبرياء، وليكونوا جدارًا واقيًا بين المدنيين وخطر الانزلاق إلى فوضى الحروب.
هم ليسوا مجرد عناصر عسكرية، بل هم ممثلون لقيم القانون الدولي، وسفراء للضمير الإنساني، يحمون الأبرياء، ويقفون سدًا منيعًا في وجه الفوضى والانتهاكات.
فكل مهمة ينفذونها تتجاوز بعدها الأمني لتصبح عملًا إنسانيًا وأخلاقيًا في خدمة كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية.
كمحامٍ، أجد في دور حفظة السلام ترجمة حيّة لما ننادي به في ساحات العدالة: صون الكرامة الإنسانية، حماية الحق في الحياة، وإرساء أسس المحاسبة والإنصاف.
فالقانون الذي ندافع عنه في المحاكم، يجد من يدافع عنه على الأرض، وسط ساحات النزاع، بكل شجاعة وتفانٍ.
هم أذرع القانون عندما يعجز الحرف، وهم رسل العدالة حين تُغلق المحاكم ويعلو صوت البنادق.
حين يصمت صوت الحق في المؤسّسات، يبقى حفظة السلام شهودًا على الجرائم، وضامنين – ما استطاعوا – لألّا يطغى الظلم على صوت الضحايا.
إن حضورهم في مناطق النزاع لا يُقاس بعدد الجنود أو المعدات، بل يُقاس بتأثيرهم على الأرض: حماية الأطفال من التجنيد القسري، منع الاعتداءات ضد المدنيين، دعم الانتخابات الحرة، ومرافقة المجتمعات في رحلتها من الألم إلى الأمل.
فتأثيرهم يتعدى ما هو ظاهر، ليصل إلى إحياء مجتمعات بأكملها، واستعادة الثقة المفقودة بين المواطن والدولة، وبين الإنسان والإنسان.
فكم من وطنٍ كان على شفا الانهيار لولا تدخلهم، وكم من ضحية كُتب لها النجاة بفضل تضحياتهم.
إن قصصهم في أنحاء العالم من الكونغو إلى هايتي، ومن لبنان إلى مالي، تروي فصولًا من البطولة الإنسانية التي قلّ أن تجد مثيلًا لها.
غير أن هذا اليوم ليس للاحتفال فقط، بل هو أيضًا يوم للتأمل والمساءلة. فمن الواجب أن ننظر في ما تم تحقيقه، وفي ما لا يزال ينتظر تدخلًا أقوى وأعمق، خصوصًا في ظل الصراعات المتصاعدة والنزاعات المعقّدة.
فمقابل كل خطوة شجاعة اتخذها حفظة السلام، يقف العالم أمام مسؤولية مستمرة: تعزيز الدعم لتلك المهام، وضمان تمويلها، وضمان عدم إفلات مجرمي الحرب من العقاب. إذ إن النجاح لا يقف فقط على الأرض، بل على قدرة المجتمع الدولي في محاسبة من ارتكبوا الجرائم بحق البشرية، دون استثناء.
فبدون محاسبة، لا يتحقق السلام، وبدون احترام القانون، لا يستقيم ميزان العدالة. فإفلات المجرمين من العقاب هو دعوة غير مباشرة لتكرار الجرائم، وانتهاك جديد لحقوق الضحايا الذين ينتظرون العدالة.
إن مهمة حفظ السلام لا تكتمل إلا بتعاون الجميع: منظمات دولية، حكومات، مجتمعات مدنية، وإعلام مسؤول يسلّط الضوء على قصص التضحية والنجاح، ويُدين الانتهاكات أياً كان مصدرها. فالسلام مشروع جماعي، لا يمكن إنجازه إلا بتضافر جهود كل من يؤمن بقدسية الحياة وكرامة الإنسان.
وفي الختام،
نصيحتي لكل صانع قرار، ولكل صاحب ضمير، أن يتذكّر أن السلم لا يُفرض بالقوة، بل يُبنى بالعدالة، وأن الاستثمار في السلام هو الاستثمار الأصدق في مستقبل الإنسانية. دعونا لا ننتظر انتهاء الحرب كي نبدأ العمل للسلام، بل لنصنع السلام كي لا تبدأ الحرب.
وتبقى كلمتنا: "إن من يحمل السلام على كتفيه، يستحق أن نحمل قضيته في قلوبنا."
فلنكن حراسًا معنويين للسلام كما هم حراس ميدانيون له، فالعالم يحتاج إلى من يُطفئ نار الكراهية، لا من يُشعلها.

 


*الأمين العام لاتحاد المحامين العرب(سابقاً)
*المنسّق العام لشبكة الأمان للسلم الأهليّ



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد