الجزائر العاصمة من الأعلى
كما إن قيادة مركبة ليس أمرا هينا كذلك بحكم ندرة مواقف السيارات.
في الجزائر العاصمة فكرنا في كل شيء، لكننا لم نفكر في راحة من يسير على قدميه، لأن قضاء مشاغل فيها يترتب عليه السير، والسير كذلك مشقة لاسيما مع الحر، ولاسيما لأشخاص بلغوا أواسط العمر، أو بلغوا من الكبر عتيا. والحل الآخر المتعلق بركوب حافلة ليس خيارا مباحا في كل الأحوال، نظرا إلى الزحمة التي تشهدها الطرقات. وإذا أراد شخص أن ينأى بنفسه فلا مقصد له يريحه من ضوضاء المركبات وأشغال الأرصفة والطرقات، سوى أن يرتقي إلى ربوة على رأس المدينة، إلى المكان الذي تنتصب فيه كاتدرائية السيدة الافريقية. هذه الكاتدرائية التي شيدت في القرن التاسع عشر، وترتفع بأكثر من مئة متر على سطح البحر، تحتاج كذلك إلى قدمين من أجل الوصول إليها، من أجل تفادي زحمة الراكبين في الحافلات. وعندما نصل إليها سوف نقابل البحر والسماء، ونشعر بقرب من الله.
في ساحة الكاتدرائية سنصادف كذلك عائلات وأطفالا ملّوا من ضوضاء الحياة في الأسفل، فارتقوا إليها بحثا عن خلوة وعن أمن من نرفزة العابرين أو السائقين. في ساحة الكاتدرائية بوسع الإنسان أن يطل على الجزائر العاصمة، من غير أن يشعر بضغط الوقت، وقد ينسى الأشغال التي عليه تحملها، ويتعانق مع سكون المكان، ويشعر بأن الحياة قد عادت إلى عاصمة البلاد. في ساحة الكاتدرائية، يمكن أن نطل على عاصمة البلاد في سكونها، في صمتها، في انسحابها من فوضى العالم، ويمكن من ذلك المكان أن ننظر إلى الجزائر العاصمة، كأنها لوحة من أعمال باية محيي الدين، بألوانها وكأنها بنيت كي نتأملها، لا أن نتزاحم فيها، فكلما ابتعدنا من مركز المدينة واتجهنا إلى الأعلى خف الضجيج. تصير هذه المدينة من علٍ مثل رجل يستلقي في قيلولة، غير مبال بما يجري حوله، تصير مدينة غير مكترثة سوى بنفسها، ولا يهمها ما يُحكى عنها أو ما يُقال في الأخبار عن تزايد السكان فيها. لأن النظر إليها من علٍ يتيح صورة من الطبيعة، من تعانق بحر وسماء، ولا نرى بينهما ما يخدش النظر، لن نرى زحمة في سوق ولا في طريق، وكأن الذي شيد الكاتدرائية، لم يرد منها مكانا للعبادة فحسب، بل أراد من موقعها فرصة في إعادة اكتشاف عاصمة البلاد. وعندما نسير في الأسفل، بين الطرقات والأرصفة، فسوف نرصد البحر، ولكن على مضض، لن يتاح للمارة أن يتأملوا زرقته في هدوء، ولكن عند الارتقاء إلى الأعلى، إلى كاتدرائية السيدة الافريقية، يصير للبحر لون آخر، يزداد زرقة، ويزداد اللسان ذكرا لاسم الله. فتلك الكاتدرائية لا تفرق بين مسلم ومسيحي، بل إنها تستضيف في ساحتها من له دين ومن ليس له دين.
لا يصل إليها ضجيج، ونظن أن العاصمة محظوظة بمكان يحفظ لها خلوة، ويتيح لمن يرتقي إليها أن يسترد أنفاسه، وأن يتأمل المدينة في أحلى صورها.
أما إذا نزلنا إلى الأسفل، وأردنا مكانا يعصمنا من المشي ساعات، كما يعصمنا من نرفزة مارة وقلق سائقي المركبات، فليس هناك أفضل من شاطئ كتاني، جوار حي باب الوادي العتيق، في هذا الشاطئ سوف نصادف عائلات وأطفالا يتجولون في المكان، في ميادين مخصصة للعب، أو في مقاه مجاورة لها، وعلى طرف يحاذيها، سوف نصادف فئة من ساكني الجزائر العاصمة، وهي الفئة الأكثر اعتدادا بصمتها وبرغبتها في عيش أقل ضجيجا، نقصد منها فئة الصيادين. فكل يوم يلتئم الصيادون على شاطئ كتاني، يقذفون صناراتهم في الماء، في انتظار أن تقع أسماك في الطعم، وهذا الانتظار من شأنه أن يدوم ساعات من غير ملل. لأن الصيادين يقضون وقتهم في أحاديث لا تشبه أحاديث الناس الآخرين. لا يخوضون في شؤون السياسة، التي تثير زوبعة في الرأس، ولا تهمهم نتائج مباريات الكرة، التي تثير خلافات بين الناس، فهؤلاء الصيادون مشغولون بالوقت، وبقوت الأسماك من أجل اصطيادها، لا يهمهم من ابتاع سيارة أو باع بيتا، بل يملؤون أحاديثهم في تعداد أنواع الأسماك التي تسكن الماء، وفي التباهي بعدد الأسماك التي اصطادوها، والتي تنتهي في مقلاة، لأنهم يصطادون من أجل تسلية، لا من أجل بيع وشراء، يصطادون من أجل أن يتاح لهم سبب في الالتقاء وفي الحديث عن الجزائر العاصمة في زمنها الأجمل، بشكل يخفف من وطأة الحياة فيها في الزمن الحالي.
وفي هذا الزمن الحالي، من أجل الهروب من الوجه المتوحش من عاصمة البلاد، لا بد من مكانين آمنين، سواء بالارتقاء إلى الأعلى، والاسترخاء في ساحة الكاتدرائية، ثم النظر إلى الحياة من علٍ، أو بالنزول إلى شاطئ، حيث يصطف صيادون، وإلى جانبهم عشاق يتبادلون الكلام في همسٍ وينظرون إلى البحر حالمين بحياة أليفة صوب الشمال وخلف الأمواج.
كاتب جزائري
اسرائيل تقتل 5 فلسطينين بمًسيرات في غزة بعد جرح 5 جنود .. تطورات
ترامب : بوتين يريد إنهاء حرب أوكرانيا .. تفاصيل
الأردن والعراق في كأس العرب .. نتائج
إصابتان جراء تصادم مركبتين على الصحراوي
النفط يستقر بعد فشل محادثات أمريكا وروسيا بشأن أوكرانيا
ترامب يشن حملة على المهاجرين في نيو أورليانز
الجيش الإسرائيلي: هاجمنا بالتعاون مع الشاباك عنصرا في حماس
ما أفضل وقت لتناول فيتامين B 12
د. محمد محمد حسين .. والذكرى للإنسان عمرٌ ثان !
الأسنان تدعو منتسبيها لمناقشة تعديلات التقاعد والتعليم المستمر
الحكومة تدعو مئات المرشحين لحضور الامتحان التنافسي .. أسماء
تخصيص 10% من أراضي مدينة عمرة للقوات المسلحة الأردنية
بيت جن… مشهد جديد يكشف طبيعة الكيان المجرم
مدرسة الروابي للبنات هل خدش الحياء أم لمس الجرح
نجل رئيس سامسونغ يتخلى عن الجنسية الأميركية للخدمة العسكرية
فنان مصري ينفجر غضباً ويهدد بالاعتزال
وزارة الخارجية تعلن عن وظائف شاغرة
العقبة للتكنولوجيا تستضيف وفد هيئة الاعتماد وضمان الجودة خلال زيارة ميدانية
محمد منير يطرح الأغنية الرسمية لكأس العرب 2025
البلقاء التطبيقية تبحث التعاون الأكاديمي والتقني مع بيرسون العالمية
الأمن السيبراني يتحول لقطاع اقتصادي استراتيجي بالخليج
مجلس الوزراء يوافق على تسوية غرامات المبتعثين وفق شروط

