الأردن في مواجهة التهديدات

mainThumb

22-06-2025 01:35 AM

يشهد الشرق الأوسط موجة متصاعدة من التوترات بين إيران وإسرائيل، في سياق بات يتجاوز حدود الاشتباك التقليدي ليشمل أبعادًا أمنية واستراتيجية غير مسبوقة. فقد تصاعدت حدة المواجهة بين الطرفين خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة بتضارب الأهداف الجيوسياسية، والصراع على النفوذ الإقليمي، وتزايد الانخراط الإيراني في الساحات القلقة مثل سوريا ولبنان وغزة، في مقابل مساعٍ إسرائيلية حثيثة لكبح هذا النفوذ عبر أدوات متعددة، تتراوح بين العمليات العسكرية السرّية والعلنية، والهجمات السيبرانية، والاستهدافات الدقيقة للبنية التحتية العسكرية الإيرانية ومراكز نفوذها في المنطقة. وفي ظل هذا التصعيد، تتزايد المخاوف من انزلاق الصراع إلى مواجهات مفتوحة، لا سيما مع دخول أطراف إقليمية ودولية على خط التوتر، ما ينذر بتداعيات واسعة على الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها. ومن هنا، تبرز أهمية فهم طبيعة هذا التصعيد، وأدواته، ودوافعه، وانعكاساته على الأردن، في ظل تداخل ملفاته مع قضايا إقليمية أكثر تعقيدًا كبرنامج إيران النووي، وملف المقاومة، وأمن الخليج.

يبرز الأردن كدولة ذات موقع جيوسياسي بالغ الأهمية، إذ يقع على تقاطع محاور التوتر والنفوذ في المنطقة، ويجاور بؤر الصراع النشطة مثل سوريا والعراق وفلسطين. لا شكّ بأنّ هذا الموقع يمنحه أهمية استراتيجية ولكنه في الوقت ذاته يضاعف من حجم التهديدات التي يمكن أن تطاله، خاصة تلك التي تأتي في أشكال غير تقليدية يصعب التنبؤ بها أو التصدي لها بالوسائل الكلاسيكية.

تتطلب التهديدات غير التقليدية فهماً عميقًا لطبيعتها وأدواتها، فهي لا تصدر عن جيوش نظامية معلنة، بل من كيانات مرنة وعابرة للحدود، تعتمد التكنولوجيا والمعلومات و الأهم من ذلك على المفاجأة في تحقيق أهدافها. في سياق التصعيد الأخير الإيراني-الإسرائيلي، ظهرت هذه التهديدات بوضوح في شكل هجمات إلكترونية لاستهداف المنشآت المدنية والعسكرية، واستخدام الطائرات المسيّرة الدقيقة في ضربات بعيدة المدى، إضافة إلى توظيف جماعات مسلحة تعمل بالوكالة في ساحات متعددة. ومن هنا، فإن الأردن لا يستطيع أن يعزل نفسه عن هذه البيئة المتغيرة، إذ إن امتدادات هذه المواجهة قد تلامس أرضه وأمنه، سواء بصورة مباشرة أو عبر ارتدادات إقليمية قد تربك استقراره الداخلي.

يجد الأردن نفسه اليوم أمام طيف واسع من المخاطر، فالتكنولوجيا العسكرية الحديثة المستخدمة في هذا الصراع من شأنها أن تصل إلى عمق أراضيه سواء عن طريق القصد أو الخطأ، كما أن وجود جماعات موالية لمحاور خارجية لدول الصراع يمثل تهديدًا غير مباشر يمكن أن يتسلل عبر الحدود. لذلك، فإن ضعف الحصانة السيبرانية في الدول النامية يجعل من الأردن هدفًا محتملاً لهجمات إلكترونية تستهدف منشآته المدنية والاقتصادية. وما يزيد من ضبابيّة المشهد هو أن بعض التهديدات قد لا تُعلن على الفور، وإنما تُكتشف آثارها بعد وقوع الضرر، مما يضعف القدرة على الردع أو حتى تحديد مصدر التهديد بدقة.

في هذا السياق، يمكن للأردن أن يستفيد من الدروس المتراكمة في التصعيد الإيراني الإسرائيلي من أجل بناء منظومة أمن وطني أكثر قدرة على التعامل مع التهديدات غير التقليدية. ومن أبرز الدروس المستفادة والتي يجب على الدولة الأردنية العمل عليها وجعلها ضرورًة ملحّة للخروج من هذه الأزمة بأقل ضرٍر ممكن فعلى سبيل المثال لا بدّ من ضرورة تطوير قدرات الدفاع السيبراني، ليس فقط لحماية البنية التحتية الحكومية، بل أيضًا لضمان استمرارية الخدمات الحيوية كالكهرباء والمياه والاتصالات. كما أن التجارب الإقليمية تشير إلى أهمية تعزيز أنظمة الرصد الجوي لمواجهة الطائرات المسيّرة، والتي أصبحت أداة شائعة في الحروب الحديثة، نظرًا لقدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر. يضاف إلى ذلك الحاجة الملحّة لإعادة تقييم الأمن الداخلي لمواجهة أي اختراق محتمل من وكلاء أو جماعات مدعومة خارجيًا.

ومن خلال هذا الإدراك المتزايد لطبيعة التهديدات الجديدة، تظهر الحاجة إلى مراجعة شاملة للاستراتيجية الوطنية للأمن الوطني الأردني. ولا بدّ من توسيع هذه الاستراتيجية لتشمل عناصر التهديد غير التقليدية، وأن تعتمد على تحالفات إقليمية ودولية تضمن تبادل المعلومات الأمنية والتقنية بشكل فوري وفعّال. كما أن الاستثمار في بناء قدرات محلية في مجالات التكنولوجيا الأمنية، والدفاع الإلكتروني، وتطوير الصناعات المرتبطة بالطائرات بدون طيار، يجب أن تكون أولوية في المرحلة المقبلة. وفي المقابل، لا يمكن إغفال أهمية البُعد المجتمعي في التصدي لهذه التهديدات، من خلال رفع الوعي المجتمعي وتمكينه من التعامل مع حملات التضليل الإعلامي أو الطوارئ غير النمطية.

ختامًا، يمكن القول إن مستقبل الأمن الوطني الأردني يعتمد على مدى قدرته على التكيّف مع أنماط التهديد الجديدة العصريّة، واستيعاب طبيعة الصراعات المحيطة به. لذلك فإن الصراع الإيراني الإسرائيلي يقدّم نموذجًا واضحًا لتحوّل الحروب من الجيوش إلى التكنولوجيا، ومن الجبهات إلى الشبكات، ومن المواجهات المباشرة إلى الحروب الرمادية. وفي ضوء ذلك، لم يعد يكفي الأردن أن يحمي حدوده بالوسائل التقليدية وحسب، بل بات عليه أن يطوّر مفاهيمه وأدواته، ويصوغ أمنه الوطني على أسس متعددة الأبعاد، تجمع بين القوة الصلبة والناعمة، والجاهزية العسكرية والمرونة المدنية، في سبيل صون الاستقرار الوطني في منطقة مضطربة ومتغيرة باستمرار.

حفظ الله الأردن شعبًا وأرضًا وقيادةً وجعله واحًة للأمن والأمان، إنه سميٌع مجيبْ الدعاء



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد