هل هي آمنة

mainThumb

22-07-2025 10:41 AM

يدهشنا التطوّر التكنولوجي يوماً بعد يوم بما يقدّمه من ابتكارات وتقدّم علمي وتكنولوجي واقتصادي وطبي... حتى بتنا نفكر: هل نحن حقاً نعيش في عالم خيالي أم في عالم حقيقي؟!

كان البشر في العصور القديمة يلجأون للمقايضة، وهي طريقة للتبادل يتمّ من خلالها تبادل السلع والخدمات مباشرة بسلع وخدمات أخرى، فكانت الماشية والحبوب والممتلكات والمعادن مثل الذهب والفضة من الأشكال لمثل هذا النوع من النقود. ثم انتقلت النقود من سلعية إلى عملات معدنية، ويرجَّح أن الليديّين، وهم شعب قديم سكنوا منطقة «ليديا» في غرب الأناضول (تركيا حالياً) ووُلدت في عام 1200ق.م، تكلموا اللغة الهندو - أوروبية، وهم معروفون بتجارتهم واختراعهم للعملة المعدنية – كانوا من أوائل من استخدم العملات المعدنية المسكوكة، حيث تم توحيدها من حيث الوزن والنقاء؛ ما أعطى الثقة بهذه العملة. عندما اسُتحدثت النقود الورقية، أصبحت بمثابة تطوّر ثوري آخر في تاريخ تطوّر المال، وظهرت العملات الورقية في البداية في الصين خلال عهد أسرة «تانغ» (618 - 907م)، فكانت بمثابة حلّ للمشقة التي واجهها الأفراد في حمل ونقل العملات المعدنية الثقيلة، وكانت مستنداً يقدّم وعداً لحامله عند طلب مبلغ محدّد من النقود المعدنية. بينما تطوّر هذا المفهوم في العصور الوسطى مع الخدمات المصرفية، وبدأ الصاغة في إصدار إيصالات يتم تداولها كشكل من أشكال المال؛ ما أرسى لممارسة الخدمات المصرفية الحديثة. وفي عام 1797، أصدرت إنجلترا العملة الورقية الأولى في العالم، وكانت من فئتَي الجنيه والجنيهين.

شهد تطوّر المال لحظة محورية مع اعتماد معيار الذهب في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. أما في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين، فشهدا التحول الرقمي للنقود، حيث أصبحت الخدمات المصرفية والمعاملات الإلكترونية أكثر شيوعاً أدّت إلى ظهور العملات المشفّرة، مثل عملة البتكوين. فما هي البتكوين؟

البتكوين هي العملة المشفّرة الأولى المعتمدة على نطاق واسع في العالم؛ بفضلها يستطيع الشخص استلام وإرسال أموال رقمية من وإلى أشخاص آخرين بشكل آمن ومباشر عبر الإنترنت. ويتمّ تخزين سجلات ملكية العملات الفردية في دفتر رقمي أو سلسلة كتل «Block Chain»، وهي قاعدة بيانات محوسبة تستخدم آلية إجماع، وأكثرها شيوعاً إثبات العمل وإثبات الحصة، لتأمين سجلات المعاملات والتحكم في إنشاء عملات إضافية والتحقق من ملكية البيانات.

وللبتكوين قيمة حقيقية، حيث إنها تُصنع من الطاقة في عملية تعدين في الحواسيب، وتعدين البتكوين الواحدة من الطاقة يكلّف شهرياً ما يوازي 30 أو 40 ألف دولار شهرياً تقريباً.

تقول الأسطورة إن «ساتوشي ناكاموتو» بدأ العمل على مبدأ البتكوين في عام 2007 في اليابان. ويُقال إن ناكاموتو هو اسم مستعار لأكثر من شخص واحد. في أغسطس (آب) من عام 2008 تمّ تسجيل موقع bitcoin.org، وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2008 صدر ما يُسمّى «الورقة البيضاء»، وتمّ إطلاق النسخة الأولى في الأول من يناير (كانون الثاني) 2009. وفي عام 2009 تمت الصفقة الأولى لعملة البتكوين بين ساتوشي ناكاموتو وهال فيني والمبلغ دولار واحد، وتم نشر أول سعر تداول بين هذه العملة والدولار وكان بتكوين يبلغ 0.001 دولار.

كان فقدان الثقة في أموال الحكومات ينذر في معظم الأحيان بالانهيار الاقتصادي منذ الإمبراطوريات القديمة إلى زيمبابوي في عهد روبرت موغابي؛ لذا لجأ الأفراد عبر التاريخ إلى بدائل للنظام المالي المدعوم من الدولة التي شملت طرقاً أكثر استقراراً مثل الذهب والفضة، والآن أصبح الملاذ الآمن لكثير من الأشخاص في العالم هو العملات المركزية. والسؤال المطروح هنا: كيف تتعامل الحكومات مع التحديات الأمنية والاقتصادية التي تفرضها العملات اللامركزية؟!

هناك حذر شديد لدى الحكومات بشأن العملات المشفّرة في وقت تلعب فيه العملات التقليدية دوراً مهماً في اقتصاد أيّ بلد، حيث إن العملات التي تصدرها الحكومات هي عملة تقليدية مدعومة بالثقة الكاملة والائتمان من الحكومة. لذا؛ تفرض الحكومات عادة ضوابط من أجل منع خروج العملة الصعبة لأن هذا قد يتسبّب في تخفيض عملتها. لكن الأمر مع البتكوين والعملات الرقمية مختلف تماماً.

والشيء بالشيء يُذكر، فمن أشهر الأدلّة على ذلك، حين وقعت إحدى العمليات الأكثر شهرة لهروب رأس المال باستخدام البتكوين في الصين، حيث يسمح البنك المركزي في الصين للمواطنين شراء ما يصل إلى 50 ألف دولار من العملات الأجنبية. إلا أن تقريراً صدر عن شركة تحليل بيانات «البلوك تشين» أظهر أن أكثر من 50 مليار دولار انتقلت من محافظ البتكوين إلى محافظ دول أخرى خلال عام 2020، أي أن المواطنين الصينيين حوّلوا العملة المحلية إلى البتكوين ونقلوها خارج البلاد من أجل الالتفاف على القوانين المحلية. وهكذا أصبحت البتكوين الملاذ المفضّل لدى الكثير من المجرمين والمحتالين ومبيّضي الأموال وغيرهم. فالتساؤل الذي يطرح نفسه: هل ستظلّ العملات المركزية متحرّرة من القيود الحكومية، أم ستخضع في النهاية للأنظمة والقوانين؟!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد