حلول واقعية لحماية الضمان الاجتماعي من العجز الاكتواري

mainThumb

01-08-2025 12:01 AM

في ظل التحديات المالية المتزايدة التي تواجه مؤسسة الضمان الاجتماعي، تبرز الحاجة الماسّة إلى معالجة الأثر المالي الخطير الذي نجم عن تخفيض نسبة الاشتراكات التي تتحملها الحكومة عن المؤمّن عليهم العسكريين من 21.5% إلى 17%، بحسب ما ورد في القانون المعدّل رقم (11) لسنة 2023. هذا التعديل، وإن كان يهدف لتخفيف العبء على الموازنة العامة، إلا أنه يصطدم بفرضيات الدراسة الاكتوارية الثامنة التي أكدت ضرورة رفع هذه النسبة تدريجيًا وصولًا إلى 20% بدءًا من عام 2021 للحفاظ على التوازن المالي.

تشير التقديرات إلى احتمال تسجيل عجز سنوي يتراوح بين 150 إلى 200 مليون دينار في صندوق القطاع العام لدى الضمان، ابتداءً من عام 2030، إذا استمر العمل بالتعديل دون اتخاذ إجراءات موازنة، وهو ما حذّر منه الخبراء مرارًا. فالمؤسسة ليست مجرد أداة حماية اجتماعية، بل هي دعامة لاستقرار الدولة الاقتصادي، وأي اختلال في مركزها المالي ستكون كلفته فادحة على الاقتصاد الكلي وعلى مئات الآلاف من الأسر الأردنية.

إن إصلاح المسار لا يعني العودة الكاملة إلى الاشتراكات السابقة، بل بناء آلية ديناميكية مرنة، تتضمن مراجعة نسبة الاشتراكات كل ثلاث سنوات استنادًا إلى تقارير اكتوارية مستقلة، بدلًا من تثبيت النسبة الجديدة (17%) إلى أجل غير مسمّى. هذا الإجراء يضمن التفاعل مع التغيرات الديمغرافية والمالية والاقتصادية، دون اتخاذ قرارات جامدة قد تضر بالمؤسسة على المدى البعيد.

كما يمكن اللجوء إلى نموذج الدفع المرحلي المؤجل، بحيث يُعاد تسديد الفارق في الاشتراكات (4.5%) بين النسبة السابقة والجديدة من قبل الحكومة على مدى زمني أطول، ضمن مخصصات واضحة في الموازنة العامة. هذا الخيار لا يُثقل كاهل الخزينة فورًا، لكنه يحمي المؤسسة من الاستنزاف التدريجي لاحتياطاتها.

ومن الضروري إعادة تقييم بعض التوسعات التأمينية التي أقرها القانون، خصوصًا وقف الاشتراك للمؤمّن عليهم العسكريين ممن تنتهي خدمتهم قبل سن الخامسة والأربعين، إذ يُحدث هذا القرار فجوة تمويلية في الفترة الفاصلة بين نهاية الخدمة وبلوغ السن المذكور. ويمكن تدارك ذلك باعتماد آلية "الاشتراك الجزئي" أو فرض مساهمة رمزية على هذه الفئة، حتى لا تظل هذه السنوات بلا تمويل ولا تغطية.

في هذا السياق، يمكن استحداث صندوق استثماري عسكري خاص ضمن مظلة الضمان، يُموّل من مساهمات الحكومة ويُدار وفق استراتيجية استثمارية متوازنة متوسطة المخاطر، بما يوفّر عائدًا ثابتًا يدعم الصندوق دون المساس بالاشتراكات الحالية. ويمكن لهذا الصندوق أن يُمول تدريجيًا من الفوائض أو من مخصصات دفاعية محددة ضمن قانون الموازنة.

وقد أثبتت التجارب الدولية أن التعديلات غير المتوازنة تؤدي إلى اختلالات دائمة. فعلى سبيل المثال، لجأت تونس عام 2016 إلى تخفيض مساهمة الدولة في صندوق التقاعد العسكري، مما أدى إلى تسارع العجز خلال خمس سنوات، واضطرت لاحقًا لإعادة رفع النسبة تدريجيًا من 12% إلى 20%. التجربة الأردنية يجب ألا تكرر هذا الخطأ.

ولعل أخطر ما في الوضع الحالي هو التناقض بين خفض الاشتراكات وتوسيع المزايا في الوقت نفسه، ما يفرض ضغطًا هيكليًا على الصندوق. ومن هنا، فإن تطبيق مبدأ كلفة الفرصة البديلة يصبح حتميًا: فكل دينار لا يُحصّل كاشتراك، هو دينار مفقود من العائدات الاستثمارية المركّبة التي كان يمكن أن تدعم احتياطيات المؤسسة.

توصيتنا الأساسية هي إنشاء لجنة وطنية تضم ممثلين عن الحكومة، والضمان، والبرلمان، والخبراء الاكتواريين، لإعادة تقييم أثر التعديل الأخير، وتقديم خطة عمل واضحة قابلة للتنفيذ خلال 6 أشهر. كما ندعو إلى تشكيل صندوق استقرار اكتواري، يُستخدم في معالجة الفجوات المؤقتة مستقبلاً.

إن مؤسسة الضمان ليست صرّافًا لحلول سياسية مؤقتة، بل صمام أمان للأجيال. إما أن نعيد التوازن اليوم، أو نواجه انهيارًا هيكليًا غدًا حين لا يُجدي الندم. الإصلاح المالي ضرورة، لكن الإصلاح المدروس المسؤول هو وحده القادر على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد