قِراءةٌ نَقديَّةٌ في التَّعديلاتِ الوِزاريَّةِ في الأُردن

mainThumb

06-08-2025 10:32 AM

أَصبَحَتِ التَّعديلاتُ الوِزاريَّةُ المُتكرِّرةُ في الأُردنِ ظاهرةً سياسيَّةً لافتةً، إلّا أَنَّها غالبًا ما تَفتقِرُ إلى البُعدِ الإِصلاحيِّ الجادِّ، إِذ لا تَأتي في سِياقِ مُراجعةٍ شاملةٍ للسِّياساتِ، ولا تَتَرافقُ مع تَقييمٍ مُعلَنٍ للأداءِ. وقد أفضى ذلكَ إلى انطِباعٍ عامٍّ لدى المواطنينَ بأنَّ التعديلاتِ تُستَخدَمُ أحيانًا لإعادةِ توزيعِ المواقعِ الإداريةِ، دونَ مَساسٍ فِعليٍّ بجُذورِ الإشكالاتِ الإداريةِ أو الخِدميَّةِ.

المسألةُ الجوهريَّةُ لا تَتعلَّقُ بمَن يَدخُلُ أو يُغادِرُ التَّشكيلَ الوِزاريَّ، بل في غِيابِ مُكاشفةٍ حقيقيَّةٍ حولَ مَعاييرِ الاختيارِ وأهدافِ التعديلِ، الأَمرُ الذي يُسهمُ في اتِّساعِ الفجوةِ بينَ المواطنِ والمُؤسَّساتِ التنفيذيَّةِ.

ما الَّذي يَتَرَقَّبُهُ المواطنُ منَ التعديلِ الوِزاريِّ؟

أوَّلًا: الكفاءةُ مِعيارًا لا التَّوازناتِ

يَرى المواطنُ أَنَّ المرحلةَ تَتطلَّبُ اختيارَ أصحابِ الكفاءةِ والخِبرةِ، بعيدًا عن أَيِّ اعتباراتٍ لا تَتَّصِلُ بالجَدارةِ. فالتَّجديدُ الحقيقيُّ يكونُ عبرَ استقطابِ طاقاتٍ جديدةٍ قادرةٍ على الإِنجازِ، لا عبرَ إعادةِ تدويرِ الأَسماءِ دونَ تغييرٍ في النَّتائجِ.

ثانيًا: الشَّفافيةُ في أَسبابِ التعديلِ

من حَقِّ الرأيِ العامِّ أن يَطَّلِعَ على مُبرِّراتِ التعديلِ، وأَن يَعرفَ الأُسُسَ التي تَمَّ اعتمادُها في التغييرِ الوِزاريِّ. فالصَّمتُ الرَّسميُّ بشأنِ هذهِ القَراراتِ لم يَعُد يَنسجمُ مع مُتطلَّباتِ العصرِ القائمِ على الشفافيَّةِ والمُساءلةِ.

ثالثًا: بَرامجُ عَملٍ واضحةٌ

من الضَّروريِّ أن يُقدِّمَ كلُّ وزيرٍ رؤيةً عمليَّةً مدروسةً، تتضمَّنُ أَولويَّاتٍ مُحدَّدةً، وأُطرًا زمنيَّةً قابلةً للقياسِ والتَّقييمِ. فالإدارةُ العامَّةُ لا تُدارُ برَدَّاتِ الفعلِ أو بسياساتٍ يَوميَّةٍ مُتقطِّعةٍ.

رابعًا: رَبطُ المناصبِ بالإنجازِ

يَنبغي أن يَرتبطَ التقدُّمُ الوظيفيُّ والسُّلَّمُ الإداريُّ بسِجلِّ الأداءِ، بحيث تُراعى كفاءةُ المُرشَّحِ وخِبراتُهُ السَّابقةُ، تَجنُّبًا لأيِّ انطباعٍ بأنَّ المناصبَ تُمنَحُ دونَ تقييمٍ واقعيٍّ للقُدرةِ على تَولِّي المسؤوليَّةِ العامَّةِ.
ومَن سبَقَ أَن أَخفقَ، لا يَعودُ؛ لذا لا يُقدَّمُ للوزارةِ مَن تَعثَّرَ في إدارةِ مُؤسَّسةٍ عامَّةٍ، ليُكافأَ بقيادةٍ على مُستوى الوطنِ.

خامسًا: رُؤيةٌ وطنيَّةٌ لا ظرفيَّةٌ

التعديلُ الوِزاريُّ لا يُفترَضُ أن يَكونَ رَدَّ فعلٍ لأَزماتٍ أو تَطوُّراتٍ طارئةٍ، بل جُزءًا من خُطَّةٍ إِصلاحيَّةٍ مُتكاملةٍ، تَهدفُ إلى تَعزيزِ الحوكمةِ وتحسينِ جودةِ الخدماتِ العامَّةِ.

سادسًا: تَحصينُ القَرارِ من التَّأثيراتِ غيرِ المهنيَّةِ

إِنَّ حُسنَ اختيارِ المسؤولِ العامِّ يَنبغي أن يَستندَ إلى اعتباراتٍ مهنيَّةٍ وموضوعيَّةٍ، بعيدًا عن أَيِّ ضُغوطٍ قد تُؤثِّرُ على جَوهَرِ القرارِ، لضَمانِ كفاءةِ الأداءِ وحِياديَّةِ الإدارةِ العامَّةِ.

خِلاصةُ القَولِ.

التعديلُ الذي لا يُحدِثُ فَرقًا مَلموسًا في الأداءِ والسِّياساتِ العامَّةِ، لا يُعدُّ إِصلاحًا حقيقيًّا، بل مُجرَّدَ تغييرٍ شَكليٍّ لا يُلبِّي تَطلُّعاتِ المواطنِ.

المطلوبُ رُؤيةٌ حُكوميَّةٌ واعيةٌ، تَضعُ الكفاءةَ على رأسِ الأولويَّاتِ، وتَنتقِلُ من مرحلةِ الوعودِ إلى مرحلةِ النَّتائجِ، بما يُعيدُ الثقةَ إلى المُؤسَّساتِ، ويُعزِّزُ الانتماءَ للدَّولةِ.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد