كُنّا عائلة…واليوم صرنا مناسبة

mainThumb

06-08-2025 05:08 PM

كنا نلتقي بلا موعد، نشتاق فنأتي، نطرق الأبواب ولا ننتظر دعوة، لأن الأبواب لم تكن تُغلق، والقلوب لم تعرف مسافات.
كانت الوجوه مألوفة كأنها مرآة الروح، وكان الضحك متشابكًا كأيدينا، لا يعرف زيفًا، ولا يصدأ مهما مرّ عليه الزمن.
كنا نجلس متقاربين، لا يفصلنا شيء سوى ضحكةٍ علت من أحدنا، أو دمعةٍ مسحتها كفّ أخت، أو نظرة أبوّة حانية تُشعرنا بالأمان وإن ضجّت الدنيا من حولنا.
كانت العائلة وطنًا، لا يُهددنا فيه غياب، ولا يُصيبنا فيه فراغ، كأننا خُلقنا لنظلّ معًا.
لكن…
ها نحن اليوم، لا نلتقي إلا إذا طرق العيدُ أبوابنا، أو إذا جمعتنا مأدبةٌ ثقيلة بالمجاملة.
صرنا نُؤدي اللقاء كما تُؤدى الصلاة بلا خشوع؛ نقول الكلمات، نبتسم، نُسلّم، ثم نرحل…
نعود إلى عوالمنا الصغيرة، وكأنّ شيئًا لم يكن.
أصبح البيت الكبير موحشًا، والسفرة التي كانت تئنّ من كثرة الأيادي، باتت تشكو من غياب الأرواح.
ضحكاتنا باتت باهتة، وأحاديثنا سطحية، والقلوب بيننا… غريبة.
صرنا نعدّ اللقاءات، لا نعيشها.
نُجامل فيها أكثر مما نبوح، ونُراقب الساعة أكثر مما نُطيل البقاء.
نُقبّل الوجوه، وننسى أن نُصافح القلوب.
كأنّ العائلة التي كانت جذرنا، صارت شجرةً بلا ظل.
كأنّ دفء الأمس انطفأ في صقيع الماديات، وكأنّ القربى لم تعد قربى، بل ذكرى.
فيا وجع القلب…
كيف انفرط هذا العقد.
كيف هانت علينا تلك الأوقات التي كنا فيها “نحن”، لا “أنا وأنت”
كيف صرنا ننتظر مناسبة لنلتقي، بعدما كنّا نختلق الأسباب كي لا نفترق .
العائلة… لم تكن مجرد روابط دم.
كانت دفقة حياة.
واليوم، أصبحت طقسًا نمارسه، لا دفئًا نعيشه.
فهل ما زال فينا قلبٌ يشتاق؟
أم أن الشوق أيضًا صار مناسبة…



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد