قراءة في نتائج القطاعات الأردنية للنصف الأول من 2025

mainThumb

07-08-2025 02:02 PM

هل بدأ الاقتصاد الأردني بالتنفس مجددًا؟ تشير أرقام النصف الأول من 2025 إلى تحسن في الأداء المالي لعدد من القطاعات، حيث ارتفعت أرباح القطاع المالي بنسبة 12.5%، وقطاع الخدمات بنسبة 5.3%، والصناعة بنسبة 4.6%. لكن القصة، كما العادة، أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح. فما دلالات هذه الأرقام؟ وهل تعكس تحوّلًا حقيقيًا أم مجرّد انتعاشة مؤقتة؟

وبالنظر الى القطاع المالي، فقد حقق أرباح مرتفعة ولكن على حساب المواطن؟ ارتفعت أرباح البنوك التجارية الكبرى مثل بنك الإسكان والبنك العربي، مدفوعةً ببيئة سعر الفائدة المرتفعة والتحول المتسارع نحو الخدمات الرقمية. كما حققت شركات التأمين نتائج جيدة مستفيدة من نمو أقساط التأمين الصحي والسيارات. ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع في الأرباح لا يخلو من تبعات اجتماعية، إذ شكّل ارتفاع أسعار الفائدة عبئًا على المقترضين من الأفراد والشركات الصغيرة. أما قطاع العقارات، وهو جزء من القطاع المالي، فقد حقق أرباحًا جيدة بفعل الطلب المرتفع في بعض مناطق العاصمة، لكنه يبقى قطاعًا غير إنتاجي محدود الأثر على تشغيل العمالة.

أما القطاع الخدمي، فالخدمات تتعافى صحيح، ولكن أين الاستدامة؟ قطاع الخدمات سجّل نموًا ملحوظًا بنسبة 5.3%، مدفوعًا بتعافي قطاع السياحة الذي شهد ارتفاعًا في عدد الزوار العرب والأجانب، وعودة النشاط التدريجي في النقل والتعليم الخاص. كما استفادت شركات التكنولوجيا وخدمات الاتصالات من نمو الطلب على الخدمات الرقمية. لكن هذا النمو يظل مهددًا بتحديات متراكمة، منها ارتفاع الكلف التشغيلية، وضعف البنية التحتية، وتراجع ثقة المستهلك في بعض القطاعات الخدمية.

ونلاحظ ان قطاع الصناعة يصعد ببطء في بيئة صعبة رغم النمو البسيط بنسبة 4.6%، لا تزال الصناعة الأردنية تواجه عراقيل كبيرة، منها كلفة الطاقة المرتفعة وصعوبة التمويل. وقد حققت بعض الشركات الصناعية مثل مصانع الأدوية والأسمدة أرباحًا جيدة نتيجة التصدير، خصوصًا نحو السوق العراقية والسعودية، لكن غياب خطة شاملة لدعم الإنتاج الصناعي يحول دون تحقيق قفزة نوعية في القطاع.

إذا كانت الأرباح ترتفع، فلماذا لا يشعر المواطن بأي تحسن؟ هذا السؤال يعكس الفجوة بين المؤشرات المالية والواقع المعيشي. فبينما تعلن الشركات عن أرباحها الفصلية، لا يشعر المواطن الأردني بتحسن في الأجور أو انخفاض في الأسعار. بل إن جزءًا من هذه الأرباح قد يكون ناتجًا عن رفع الأسعار أو خفض النفقات التشغيلية، وليس بالضرورة توسعًا اقتصاديًا حقيقيًا.

هذه الأرقام تعزز الثقة رغم بعض التحفظات في بيئة الأعمال الأردنية، خاصة إذا ما قورنت ببعض دول الجوار مثل لبنان التي تعاني من ركود مالي، أو حتى مصر التي تواجه تحديات عملة وتضخم. ومع الاستقرار النسبي في السياسات النقدية، قد تشجع هذه الأرباح المستثمرين على التوسع، بشرط مرافقة ذلك بإصلاحات تنظيمية وتشريعية حقيقية.

الاقتصاد الأردني لا يزال يواجه تحديات هيكلية مزمنة مثل ارتفاع معدلات البطالة، وضيق الحيز المالي، والاعتماد الكبير على المنح والمساعدات الخارجية. وهذه الأرباح الفصلية، مهما بدت إيجابية، لا تلغي الحاجة إلى إصلاحات بنيوية تشمل بيئة الاستثمار، والتعليم، والعدالة في توزيع الفرص.

يبقى السؤال يلوح في الأفق
هل الطبقة الوسطى والمناطق الطرفية نالها نصيب؟ غالبًا ما تتركز هذه الأرباح في يد الشركات الكبرى والمراكز الحضرية، بينما تظل المناطق الطرفية والطبقة الوسطى على هامش المكاسب. المطلوب اليوم هو سياسات توجيهية لتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوزيع ثمار النمو بشكل أكثر عدالة.

يمكن القول إن الأرقام المعلنة مبشّرة لكنها ليست كافية. والدليل على ذلك هو التعديل الوزاري الذي حصل في نهاية النصف الأول من العام، والذي جاء كمؤشر واضح على أن الفريق الاقتصادي لم يكن قادرًا على تحريك عجلة الاقتصاد بالسرعة والاتجاه المطلوبين. فقد غادر عدد من الوزراء المعنيين بالقطاعات الاقتصادية، وجاءت أسماء جديدة تحمل وعودًا بإصلاحات أكثر جرأة وواقعية، خصوصًا في قطاعي الصناعة والخدمات. وهذا بحد ذاته يعكس إدراك الدولة أن المؤشرات المالية وحدها لا تصنع اقتصادًا قويًا، بل لا بد من قيادة تنفيذية تواكب التحديات وتترجم الأرقام إلى نتائج ملموسة.

في نهاية المطاف، الرهان الحقيقي ليس على الأرباح الفصلية، بل على بناء اقتصاد إنتاجي مستدام، قادر على توليد الفرص، وتحقيق العدالة في توزيع الثروات، وتقليل الاعتماد على الموارد الخارجية. فالأرباح يجب أن تكون وسيلة لبناء مستقبل اقتصادي أكثر توازنًا، لا مجرد أرقام تُعلن في نهاية كل ربع سنة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد