رواية الخبز الحافي .. رؤية نقدية
أهدى لي صديق رواية الخبز الحافي للكاتب محمد شكري وهو مغربي الجنسية، وهي سيرة ذاتية روائية تتحدث عن الفترة ما بين 1935 – 1956 خلال الاستعمار الفرنسي والاسباني للمغرب في تلك الفترة.
حقيقة لم أكن أعرف الرواية ولا المؤلف ولم أسمع عنهما من قبل، وفوجئت بأن الرواية تم ترجمتها إلى عدة لغات قبل أن تطرح إلى القارئ العربي. وأيضاً لم يكن لدي قبل قراءة الرواية صورة واضحة عن حياة الشعب المغربي خلال فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب، وكذلك الاحتلال الاسباني في منطقة طنجة وتطوان محل الرواية المحاذية لمدينتي سبتة ومليلة التي كانت ولا زالت محتلة من قبل إسبانيا.
ومنذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها قراءة الرواية شدني جداً الأسلوب الشيق في سرد الأحداث وما يتعرض له خلال حياته مذ كان طفلاً صغيراً فقيراً مشرداً يتنقل بين الآزقة والطرقات هائم على وجهه ويعود لمكان سكنه مكرهاً.
والرواية عبارة عن سيرة ذاتية للكاتب منذ كان طفلاً بعمر ست سنوات، وهو من أسرة مغربية فقيرة جداً من مدينة تطوان في شمال المغرب تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتعيش تلك الأسرة حياة بؤس شديد وفقر مدقع حتى لا تكاد تجد رغيف خبز تأكله. وتسكن في مكان لا يصلح حتى للحيونات، ويصور الكاتب سيرته الذاتية للحياة التي عاشها بكل القهر والحرمان وعنف الصراع الجسدي والظلم الذي تعرض له من والده، وكيف عاش مشردًا دون رعاية وعناية سوى أمه التي كانت تعمل لتأمين لقمة العيش للأسرة خاصة وأن الزوج لا يعمل وقد سجن فترة من الزمن. ويصف الكاتب كيف تنقل الطفل مع أسرته إلى طنجة هرباً من حياة القهر والحرمان بحثاً عن حياة أفضل، ثم إلى وهران عند خالته لعل الأسرة تجد حياة أفضل، ثم يعود مرة أخرى إلى طنجة وتطوان.
ونظراً لما عاناه ذلك الطفل من قسوة الحياة رغم صغر سنه من ظلم أبيه وضربه له ولأمه وأخوه الصغير فقد حمل مشاعر كره شديد لأبيه السكير الذي لا يعمل شيأ سوى التسكع وشرب الخمر والجلوس على المقاهي، وازداد كرهه له عندما شاهده يلوي رأس أخيه الصغير ويقتله ويموت، كما كان يقوم بضربه وضرب أمه وينعتها بأقبح الأوصاف لمجرد أنه يعود مخموراً كأنه ينتقم من ضنك الحياة في هذه المرأة وهذا الطفل، ثم يغلق الباب ليقوم بمضاجعتها على مسمع منه وهي مستمتعة بذلك.
ومن شدة الفقر والجوع فقد كان يبحث في الزبالة لعله يجد شيئاً يأكله، وكان يعرف مستوى البيوت من النفايات التي يخرجها أصحاب المنزل. وفي أحد الأيام ومن شدة الجوع فقد وجد دجاجة نافقة في الزبالة وفرح بها وأخذها عائداً لمنزله لعله يأكل اللحم، وحاول ذبحها ولكنها تفاجأ بعد نزول الدم منها كما كان يرى الدم يسيل من الخاروف عند ذبحه. وعندما رأته أمه وسألته من أين أحضر الدجاجة وعرفت بأنها نافقة أخذتها ورمتها وقالت له (الأنسان لا يأكل الجيفة) وهذا كان درس لذلك الطفل. كما وكانت الأم تعلم ولدها بأنه يجب أن لا يسرق، وذلك عندما أخبرها بأنه أخذ بعض عيدان الريحان من على بعض القبور ليضعها على قبر أخيه، فما كان من الأم إلا أن قامت بتأنييه وأنه لا يجوز ذلك باعتباره سرقة ويجب أن لا يقوم بذلك، وهي سوف تشتري بعض الريحان وتضعها على القبر، وهذه بعض الرسائل الايجابية في الرواية.
ويصف الكاتب مرور الأيام والسنين على بطل الرواية حتى أصبح شاباً يافعاً وظهور ملامح الرجولة وتعلم التدخين وشرب الخمر ومرافقة النساء ومعاشرتهن من خلال رفاقه وتأثيرهم على سلوكه، ليبين للقارئ تأثير الغرائز (البقاء، الجوع، والشهوة والتناسل، والخوف، ) ودورها في حياة الانسان وسلوكه.
وخلال القراءة ينقلك المؤلف بتسلسل الأحداث التي يصور بها نمط الحياة التي كان يعيشها، ويجعلك تحلق في عالم لم تراه من قبل، ولكنه ترك لكل قارئ أن يضع الصورة الدرامية التي يرسمها في خياله ويضع البطل في صورة المظلوم أو الحياة المؤلمة التي يعيشها أو ذلك الفتى المتسول السارق الذي يحتسي الخمر ويلاحق فتيات الليل.، كما ويصور لك الأحداث والأماكن التي تدور بها أحداث القصة لترسم سيناريو كأنك تعيشها بحق.
وتصور الرواية حياة الفئات الفقيرة والمهمشة مجسداً بها حياة الناس البائسة وطبيعة أعمالهم في الحرف وخدمة الأخرين. ويصور الكاتب حياة بطل الرواية في التشرد وانتقاله من مكان إلى أخر ليعيش حياة التشرد بشرب الخمر والنوم في الشوراع والأزقة أو في بيوت الدعارة أو في أماكن أقامة المشردين، وقيامه بالسرقة ليؤمن لنفسه المال ليعتاش منه ويصرفه على ملذاته، ثم يعمل بالتهريب مع أصدقاءه للحصول على مال أكثر شأنه في ذلك شأن هؤلاء الناس الذي يعيش بينهم ويمارسون أعمال منافية للأخلاق والأداب العامة، ولكنها الفرصة الوحيدة المتاحة أمامهم للحصول على المال لتأمين لقمة العيش. وتتخيل وأنت تقرأ بأن هذه الفئة من المجتمع ذات أخلاق منحطة تمارس الرذيلة الدعارة واللواط وشرب الخمر وتدخين الكيف (الحشيش) بشكل عادي ودون رادع ولا أخلاق. ولكن في الوقت ذاته تجد بعض الإشارات والعبارات التي تعبر عن التدين ولكن ظلم المستعمر وقسوة الحياة وقلة فرص العمل والضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الشعب المغربي في تلك الفترة أجبرت بعض هؤلاء الناس إلى ارتكاب السرقة للحصول على المال. وفي الوقت ذاته يصور الكاتب بعض لحظات الرجولة وقيامه ببعض السلوكيات والتصرفات الإيجابية التي تؤكد بأن الخير باق في الأنسان مهما ضاقت به الحياة وقست عليه الظروف.
وعلى الرغم من جمال الرواية وروعتها، إلا أنها كما نصحني صديقي بأنك من الصعب أن تحتفظ بها وتضعها في مكتبك بشكل مباشر خوفاً من أن تقع بأيدي أطفالك ومن هم في سن المراهقة خوفاً من قراءتها لما بها من وصف لحالات غير مناسبة للأطفال والأعمار الصغيرة والمراهقين، ولما فيها من ذكر لبعض الأمور التي يخجل حتى الوالدين ذكرها لأبنائهم لوجود بعض الألفاظ الخارجة عن الأداب العامة والذوق الرفيع، وكذلك وجود شتائم للدين غير مناسبة لمجتمعنا يضطر القارئ لقراءتها وهي تخالف الدين.
يصور الكاتب حياة الليل التي عاشها بطل الرواية، وعدد النساء التي مرت في حياته وكانت أغلبها من العاهرات والعاملات في بيوت الدعارة، إلا أنه كان يحن في ذكرياته إلى الفتيات التي عاملنه باحسان. ومن الثغرات التي تجدها وأنت تقرأ الرواية هو الانتقال أحياناً من حالة إلى أخرى دون وجود ربط مباشر بينها، كما هو الحال في الدراما التلفزيونية والسينمائية التي تنقلك من مشهد إلى أخر يعالج موضوع أو فترة زمنية أو مكانية أخرى.
ويصور الكاتب حياة الشغف وعناد بطل القصة مع الحياة وإصراره على العيش برغم ما تعرض له من أخطار وأهوال ورغبته في الحياة وصراعه معها. كما ويؤكد بأن حلم الأنسان لا يتوقف عند ضنك الحياة بل قد تكون دافعاً له لتغيير حياته وهو ما حصل عندما أصر على تعلم الكتابة والقراءة والحساب، وبعد ذلك كتب هذه الرواية وروايات أخرى، وتغيرت حاله وتبدلت أحواله إلى أفضل مما عاشه في صغره.
والرواية تجسد حالة الفقر والبؤس والحرمان نتيجة الأستعمار للبلاد، وقيام المستعمر بفرض قوته وسطوته وسيطرته بوحشية على المغاربة وقتلهم وسجنهم وتشريدهم، وكيف أن المحتل لا يأبه بحال البلاد ولا مواطنيها وإنما استعبادهم ونهب خيرات الأوطان وتغيير ثقافتهم وفرض لغته وثقافته على البلد المحتل.
وتجسد الرواية بأن حالة الفقر تؤدي بالإنسان إلى ضعف التعليم واضمحلاله الثقافي وضرب كل القيم السامية عرض الحائط في أغلب الأحيان، والاهتمام فقط بالبحث عن سبل العيش والعمل بأي شيئ لتأمين متطلبات الحياة.
ومن الرسائل الايجابية في الرواية أنه يتحدث عن المعاملة الحسنة التي تلقاها من بعض الناس ومن جيرانه الذين عاملوه باحسان رغم أنه كان يسرق الاجاص من شجرتهم وكيف عاملتة المرأة وابنتها بحنان وكيف غسلت له وجهه واطعمته حيث رسخت تلك المعاملة الحسنة في ذاكرته وظل يذكرها طيلة حياته.
وعلى الرغم من عدم تعلم المؤلف ولم يذهب للمدرسة ولم يكن يعرف القراءة والكتابة في بداية حياته ولم يذهب للدراسة في المدراس، إلا أنه أصر على التعلم لاحقاً وأنتج رواية سطرت حياته بشكل درامي جميل ممتع يروي بها قصة حياته مجسداً فيها الأحداث التي مر بها طيلة حياته بخيرها وشرها، ولكن أكثر أيام حياته كانت حزينة كئيبة بائسة وصعبة، والرواية سيرة ذاتية وملحمية تؤرخ فترة زمنية من حياة بلده على لسان شخصية عاشت في تلك المرحلة وتجسد الأحداث كيف يصارع فيها البطل مصاعب الحياة ينتصر تارة وتغلبه تارة أخرى.
والخلاصة، تؤكد الرواية بأن الإنسان أبن بيئته، وأن الاستعمار يهدد حياة الناس وأمنهم ويسرق قوتهم وحريتهم ويهدد مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. والتفاصيل الحياتية المذكورة تعكس البيئة التي عاش بها بطل الرواية والشخصيات المذكورة في الرواية تبين بيئتهم، وفي الوقت ذاته هناك شخصيات ظهرت في الرواية من بيئات مختلفة ولها عاداتها وأخلاقها وقيمها المختلفة عن بيئة الكاتب. فالفقر والبؤس في الحياة ومصاحبة أصدقاء السوء المشردين غالباً ما ينعكس سلباً على حياة الناس وينتج إنساناً يمتلئ قلبه بالالأم والحقد على المجتمع ويدفع به إلى إرتكاب الجرائم والمعاصي. وعلى النقيض من ذلك فإن رغد العيش يولد إحسانا وحباً للناس والرغبة في مساعدتهم.
انحسار الموجة الحارة عن المملكة الجمعة .. تفاصيل
انطلاق فعاليات مهرجان الحصاد الحادي عشر في إربد
اختتام معسكر الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني في معان
فصائل فلسطينية تحذر من مخططات إعادة احتلال وتهجير في غزة
الأمم المتحدة تشير إلى تهجير قرى فلسطينية بسبب هجمات المستوطنين
الهبّاش: السلام مستحيل بوجود الحكومة الإسرائيلية الحالية
ميلودي الأردن تغطي فعالية الأسواق الحرة بالنافورة مول
المجلس النرويجي: غزة تشهد انتهاكات غير مسبوقة تاريخياً
بن غفير يقتحم زنزانة البرغوثي ويهدده بالقتل .. فيديو
الذكاء الاصطناعي وصناعة القرار الاقتصادي: شراكة المستقبل
الأردن… سيادة لا تُمس وكرامة لا تُساوم
رواية الخبز الحافي .. رؤية نقدية
تكريم الطلبة الأردنيين الفائزين في الأولمبياد الدولي للعلوم والتكنولوجيا
الضمان يوضح آلية زيادة الإعالة التقاعدية
دير علا تسجل أعلى درجة حرارة بالمملكة الاثنين .. كم بلغت
الجيش يفتح باب التجنيد للذكور .. تفاصيل
ما هو الحد الأدنى لمعدل القبول في الجامعات الرسمية
تعيين 450 معلمًا ومعلمة في مسار التعليم التقني المهني BTEC
وزارة التربية تؤكد مواعيد الدوام المدرسي .. تفاصيل
توضيح سبب تضاعُف قيمة فواتير الكهرباء خلال الفترة الحالية
بيان من المحامية أسماء ابنه النائب صالح العرموطي
ما هي الحدود الدنيا لمعدلات التنافس لمرحلة البكالوريوس
القبض على مسبب انقطاع الكهرباء يوم التوجيهي
حقيقة صرخة جيسيكا الأخيرة: حوت الأوركا لم يرحمها
عطل فني يتسبب بوقف ضخ المياه عن هذه المناطق
مدعوون للإمتحان التنافسي .. أسماء