من يُنقذ التحديث السياسي .. الأحزاب أم شبر المي
لم أكن لأكتب حرفًا لولا أن سلسلة مقالات ظهرت مؤخرًا، بدا أصحابها وكأنهم يضعون على أكتافهم عباءة الحرص على الوطن، بينما يفتحون الباب – من حيث لا يشعرون وربما لا يريدون – لوصفة سياسية تشبه “طبخة بلا ماء”: نارٌ مشتعلة، رائحة صعود، ثم ديمقراطية محترقة في قاع القدر! مقالات بديعة في الصياغة، تحاول أن تُظهر العقلانية، لكنها تنتهي إلى دعوات لا تمتّ لواقع السياسة الأردنية بصلة، ولا تشبه مشروع التحديث الذي يقوده جلالة الملك على قاعدة توسيع المشاركة، لا تقليصها… وتمكين التعدد، لا “كنس” الساحة ممن فيها.
الإسلام – شاء من شاء وأبى من أبى – ليس ملصقًا روحانيًا نُعلّقه على جدار المجتمع طلبًا للبركة. الإسلام كان وما زال منظومة فكرية وتشريعية واقتصادية وإدارية حكمت مدنًا ودولًا وامبراطوريات، من المدينة إلى قرطبة إلى إسطنبول، مرورًا بكل اللحظات التي شكّلت وعينا السياسي. الحديث اليوم عن “فصل الدين عن السياسة” في مجتمع هويته الدستورية إسلامية، ويستمد تشريعاته من الشريعة، أقرب ما يكون إلى محاولة تركيب “USB-C” على جهاز عمره 1400 سنة… ثم التذمّر لأنه لا يعمل. العلمانية التي يروج لها البعض ليست تنظيمًا حديثًا للعلاقة بين الدين والدولة، بل محاولة مبتسرة لإقصاء الدين تمامًا من المجال العام. وهذا ليس فقط ضد الدستور… بل ضد المنطق وضد المزاج العام وضد طبيعة المجتمع الأردني.
أما الحديث عن حلّ حزب جبهة العمل الإسلامي باعتباره “نقاشًا هادئًا” فهو يشبه تمامًا من يقترح قصّ جناح أكبر الطيور… ثم يتعجّب لماذا خلت السماء! أي تحديث سياسي يبدأ بالتخلّص من الحزب الأكثر تنظيمًا والأعرض قاعدة والأقوى تمثيلًا؟ كيف نُقيم تعددية ونحن نُطفئ أكبر أضوائها؟ ومن هو الحزب السحري الذي سيحلّ مكانه؟ هل سيأتي بشحنة سريعة من “علي إكسبرس”؟ أم سنعلن عن “مسابقة وطنية لتأسيس حزب بديل”؟
التجربة السياسية – كل التجربة! – تقول إن الفراغ لا يبقى فراغًا، بل يدخل منه كل ما هو غير منضبط وغير مسؤول. وحلّ حزب دون بديل جدي يعني ببساطة: احتقان شعبي، تراجع مشاركة، فقدان ثقة، وعودة الحياة السياسية إلى نقطة الصفر… وكأن التحديث كان مجرد يافطة لا أكثر.
وحزب جبهة العمل الإسلامي ليس “يافطة على رصيف”. هو تنظيم ممتد اجتماعيًا، له قاعدة انتخابية ثابتة، يحضر في البرلمان، والنقابات، والبلديات، وله نواب – بشهادة استطلاعات الرأي – هم الأكثر انضباطًا وجرأة وتمثيلًا للشارع. ومع ذلك، يظهر بين حين وآخر من يشكو من ضعف الحياة الحزبية… ثم يقترح حلّ الحزب الأبرز! يشبه تمامًا من يصرخ: “البيت مظلم!”… ثم يطفئ المصباح.
وفي خضم هذه الضوضاء، ينسى البعض أن النقاش حول حلّ الحزب ليس “جس نبض للنظام”، ولا “طيش على شبر مي”، بل نقاش سياسي طبيعي في أي دولة تدّعي الديمقراطية. الدول القوية لا تخشى الاختلاف، ولا تهتز من مقالة، ولا تعتبر الحوار تهديدًا. بل ترى فيه دليل صحة، لا دليل أزمة.
ولمن يصوّر الأمر وكأننا على أبواب “معركة كونية”، أذكّر بما يعرفه كل أردني: الهاشميون لم يحكموا يومًا بالمزاج ولا بالانفعال. من الأمير المؤسس عبدالله الأول، إلى الملك طلال صاحب الدستور، إلى الحسين الباني، إلى الملك عبدالله الثاني المعزز، كانت القرارات تُبنى على المصلحة الوطنية العليا، لا على تغريدة عابرة، ولا على شائعة صالون. الأردن ليس دولة تُدار من وراء المحيط، ولا برلمانها لعبة مزاج من استيقظ غاضبًا في عمّان أو واشنطن. الأردن أكبر من كل هذا… ومؤسساته أرسخ من أن تُهزّها تحليلات موسمية.
وللتذكير فقط: لست عضوًا في أي حزب، لا إسلاميًا ولا علمانيًا، وربما لن أنتسب لأي حزب مستقبلًا، لكن هذا لا يمنعني من القول إن حلّ حزب مُرخص، شرعي، صوّت له نصف مليون أردني، ليس إصلاحًا… بل قفزة في المجهول. السياسة ليست مزاجًا يوميًا، بل بناء مؤسسي طويل النفس. والدولة التي تريد تحديثًا حقيقيًا لا تبدأ بهدم أول أعمدة التعددية.
وفي النهاية، ورغم كل ما سبق، يبقى الاختلاف في الرأي سنة سياسية حميدة. أرجو أن يُقرأ هذا المقال بروح الجدّ، وأن يكون بدايةً لحوار وطني صريح حول ملف حساس لا يُدار بالصراخ ولا بالهمس. فالخلاف لا يفسد للود قضية… والحوار هو ديمقراطيتنا الحقيقية، وهو أرقى أشكال احترام الوطن.
وأخيرًا… قبل أن نغادر المسرح، اسمحوا لي أن أطمئن الجميع: لا الحزب سيبتلع الدولة، ولا النقاش سيُسقط السماء، ولا الديمقراطية ستنقرض إذا ظهر حزب قوي. ما ينقرض فعلًا هو المنطق حين يخرج علينا بعض “خبراء الطوارئ السياسية” ليقترحوا حلّ الحزب الأكبر… ثم ينامون ليلًا مطمئنين أنهم أنقذوا التحديث من “غول” المشاركة الشعبية. أحيانًا أشعر أن بعض المحللين يقرأون السياسة بالمقلوب… وربما يحتاجون فقط إلى قلب الشاشة، أو قلب الفكرة، أو قلب الفنجان. المهم… أن نكفّ عن إدارة الحياة السياسية بعقلية “شبر المي”. فالبلد أكبر من الصالونات، والتحديث أعمق من التغريدات، والأردن… ولله الحمد… لا يتأثر بتعليقات الظهيرة ولا بهواجس آخر الليل.
ويا ليت بعض من يخشون التعددية يخففون من رعبهم قليلاً؛ فالحياة السياسية ليست فيلم رعب، والأحزاب ليست كائنات فضائية، وجبهة العمل الإسلامي ليست ثقبًا أسود يبتلع الكون. اطمئنوا… فالسماء ما تزال فوقنا، والأرض ما تزال تحتنا، والديمقراطية – رغم كل شيء – ما تزال في محاولة إنعاش… لكنها بالتأكيد لا تحتاج إلى “إطفاء جهاز التنفس” باسم الإصلاح.
الأردنيّة تحتضن أوّل مؤتمر إقليميّ حول الطّاقة الخضراء
من يُنقذ التحديث السياسي .. الأحزاب أم شبر المي
مجموعة النشامى: تعادل الكويت ومصر بكأس العرب
الزراعة تنفي وقف استيراد الدواجن المجمدة
اليرموك تفتح باب التقدم لمنحة ماجستير في الإعلام
العيسوي يعزي عشيرتي الفايز والزين
تأهل 7 فرق لنهائيات هاكاثون الحلول الرقمية لذوي الإعاقة
العزام: مطار مدينة عمّان جاهز لاستقبال الرحلات
مدعوون لاستكمال إجراءات التعيين .. أسماء
الحكومة تدعو مئات المرشحين لحضور الامتحان التنافسي .. أسماء
الأردن يستورد زيت زيتون لسد النقص المحلي
شغل الأردنيين .. معلومات عن الروبوت الذي شارك بمداهمات الرمثا
بيت جن… مشهد جديد يكشف طبيعة الكيان المجرم
تخصيص 10% من أراضي مدينة عمرة للقوات المسلحة الأردنية
بيان تفصيلي حول عملية المداهمة في الرمثا .. قتلى واصابات
نجل رئيس سامسونغ يتخلى عن الجنسية الأميركية للخدمة العسكرية
العقبة للتكنولوجيا تستضيف وفد هيئة الاعتماد وضمان الجودة خلال زيارة ميدانية
البلقاء التطبيقية تبحث التعاون الأكاديمي والتقني مع بيرسون العالمية
فنان مصري ينفجر غضباً ويهدد بالاعتزال
الأمن السيبراني يتحول لقطاع اقتصادي استراتيجي بالخليج
