اللغة .. هوية

mainThumb

24-08-2025 11:23 PM

يحتفل العالم العربي سنوياً بمناسبة ثقافية مميزة وعزيزة على قلب كل عربي ألا وهي ما يسمى يوم اللغة العربية، ولم أرغب حينها في الكتابة حول هذا الموضوع، لازدحام الساحة في تلك الفترة بالكثير من المقالات والاخبار الصحفية واللقاءت الاعلامية والندوات العلمية، إضافة إلى ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي عن أهمية اللغة العربية، حيث يتبارى المتحدثون والكتاب والمهتمين بالحديث عن اللغة العربية وأهميتها وبلاغتها وجمالها.
وكعادة تلك الاحتفالات في مثل هذه المناسبات باعتبارها صيحة وفزعة تقوم بها المؤسسات الثقافية المعنية باللغة العربية، ويتصدى لها كذلك ثلة من المهتمين باللغة والأداب وعلوم الدين باحتفالات تاخذ طابع الشكلية يلقون فيها الخطب الرنانة التي غالباً ما يكتبها أشخاص لديهم قدرة على الكتابة واستخدام الأدوات اللغوية بامتياز، بينما يقوم بإلقائها خطباء بارعون ومفوهين يجيدون لغة الخطابة ولكنها وللأسف فارغة المضمون. إضافة إلى ما قد يلوث سمعك حينما تجد بعض هؤلاء المتحدثين والخطباء لا يجيدون اللغة العربية فيرفعون المنصوب وينصبون المرفوع، وأيضاً تجد بعضهم يقوم باستخدام مفردات بعض اللغات الأجنبية خلال حديثهم وخطبهم عن اللغة العربية، لا بل ويحضى قائلها بالتصفيق وكاتبها بالرضا من ملقيها، لتجد في النهاية بأن تلك الاحتفالات لا تسمن ولا تغني من جوع سوى ما يتناوله الحاضرون من مأكولات ومشروبات أعدت لهذه المناسبة العظيمة، وفي الختام ينفض الاحتفال ويبقى كل شيئ على ذات الحال.
وما دفعني للكتابة أيضاً في هذا الموضوع لمحبتي للغة العربية، ولإيماني العميق بضرورة زيادةالاهتمام بلغتنا الجميلة باعتبارها وعاء الدين ولغة القرأن الكريم وما تتعرض له من محاولات التهميش. حيث أن اللغة والدين الإسلامي متلازمان ومكملان لبعضهما البعض ولا غنى لأحدهما عن الأخر، ولا يمكن لأحد أن يستطيع فهم الدين ولا ممارسة شعائره بدون إجادة اللغة العربية، حيث أن أحد الأركان المهمة في العبادات قراءة القران لذا يجب على كل مسلم أن يعرف العربية ولو بالقراءة فقط. وأنا على يقين بأن ما سأخطه قد كتب كثيرون أفضل منه من قبل علماء أجلاء في علوم اللغة واللسانيات وعلوم الدين. ولكنها تبقى محاولة من محب للغته وجمالها للمساهمة ولو بمقالة صغيرة تعزز ما جاء به الأخرون لتأكيد ما ذهب إليه الأخرون من أهمية اللغة العربية باعتبارها أساس الأمة والرابط الحضاري بين ماضيها وحاضرها والناقل الأمين لفكرها وتاريخها وحضارتها.
ومما زاد شغفي في الكتابة ما شاهدته في مشهد درامي حزين لسيدة تتكلم بحرقة على حال إبنها الذي عاد لمنزله يتحدث بالعربية مع والدته لغة أمه وأبيه، لتظهر امتعاضها من تلك المدرسة التي يتعلم بها ولدها لأن المدرس قال له عندما أحدثك بالعربية يجب أن ترد وتتكلم بالعربية. فهي على حد قولها ما لهذا أرسلت ولدها لهذه المدرسة، وتدفع مبالغ كبيرة ليتعلم أبنها بلغة أجنبية فكيف يعود لمنزله يتحدث بالعربية. ومن المؤكد بأن هذا المشهد يتكرر لدى عائلات وأمهات أخريات ترسل أبنائها إلى مدارس ليتعلم باللغات الأجنبية، وليس من المهم أن يتعلم العربية أو بالعربية، ومن المؤكد أيضاً بأن هذه الحالة أثارت سخط الكثيرين على ما وصلنا إليه من ترد حضاري وثقافي كأننا نريد أن ننسلخ من جلدنا. وهذا ما يؤكد ابتعادنا عن لغتنا الجميلة التي لا تضاهييها لغة أخرى إلا بنسبة انتشار اللغات الأخرى عنوة من خلال الإستعمار العسكري في بداية الأمر حتى وصلنا إلى الغزو الثقافي الذي يهدف إلى مسح هويتنا المتمثلة باللغة والدين.
في حين نرى بعض الشعوب جمعت نفسها من الشتات وأعادت إحياء لغتها وتصر على استخدامها وتعليمها للنشئ بل وتحاول تجذيرها ونشرها. ويسرد لنا التاريخ كيف قامت الدول المستعمرة بفرض لغتها على الشعوب المحتلة لإيمانها بأن اللغة حاضنة الهوية والدين وثقافة الأمة وحضارتها التي ما انفكت تقدم للعالم اسهامات حضارية جمة. وهذا يؤكد سيطرة المنتصر وقيام المهزوم باتباعه وتقليده في كل شيئ حتى تصبح لغته هي السائدة. بينما نجد بأن الأمة العربية تشعر بالعار من لغتها وتحاول استبدالها باللغات الأجنبية اعتقاداً منها بأن التحدث بلغة أجنبية نوعاً من التقدم والتحضر.
كما ويتباهى الكثيرين بأنهم يتحدثون بعض اللغات الأجنبية، وأنهم بالكاد يتحدثون العربية، لا بل وينظرون لمن لا يتحدث غير العربية ولا يرطن بلغات أخرى بل ويؤكد على استخدام اللغة العربية في مختلف مجالات حياته بأنه غير متحضر ويصفونه بالرجعي، وأن لا أحد اليوم يستخدمها وأنهم هم التقدميون والمتحضرون لأنهم يرطنون بلغة أو لغات أخرى، ويكأنما اللغة صفة تحضر لا وسيلة تواصل بين البشر.
ومن المعلوم بأن اللغة هي أداة تواصل بين الأفراد وأداة نقل تراث وحضارة الأمة يتم من خلالها نقل العلوم والمشاعر واكتساب المعارف وتنمية والإبداع. فهي العامل الأساسي في تشكيل هوية الأمة، وهي الحبل المتين الذي يربط بين أبناء الأمة عبر الزمن، وبها يسجل الأنسان فكره وعواطفه، ويحفظ أدبه وثقافته وعاداته وتقاليده وقيمه.
من هنا نجد بأن اللغة ليست كلاماً وحسب وإنما تلعب دوراً أساسي ومحوري في تحديد وتشكيل هوية الأمة وتميزها عن غيرها. ولغتنا العربية الجميلة من أقدم اللغات المحكية وأكثرها أنتشاراً بين شعوب العالم وتتميز بتاريخ عريق وثراء ثقافي هائل، وهي إحدى اللغات المعتمدة رسمياً في منظمة الأمم المتحدة، حيث يتحدث بها الملايين من أبنائها كلغة أم، ولغة ثانية لبعض الشعوب يتعلمونها لأغراض مختلفة.
وتمتاز بأنها لغة صوتية ذات موسيقى جميلة بها من علم البلاغة والبديع ما لا يوجد في غيرها من اللغات الأخرى، حيث يهتم علم البديع بتحسين الكلام من حيث اللفظ والمعنى يشمل في طياته بعض العناصر من السجع، الجناس، الطباق، المقابلة التورية، حسن التعليل، والمبالغة التي تطرب الأذان لسماعها. وقد عبر ذلك الشاعر أحمد شوقي بقوله
"إنّ الّذي ملأ اللّغات محاسنًا جعل الجمال وسرّه في الضّاد"
ومن عظمة اللغة العربية وتميزها عن اللغات الأخرى تؤكد المصادر ومعاجم اللغة بأن اللغة العربية غنية بالمفردات التي لا تضاهييها أي لغة أخرى، حيث تبلغ عدد كلمات اللغة العربية ومفرداتها حوالي ثلاثة عشر مليون كلمة دون تكرار مقارنة باللغة الإنجليزية التي تتكون من 600 ألف كلمة فقط، وهذا يوضح بأن عدد كلمات اللغة العربية يعادل 25 ضعفاً لعدد كلمات الإنجليزية. وناهيك عن اللغات الأخرى التي لا يوجد بها إلا عدد كلمات بسيط جداً مقارنة باللغة العربية باستثناء اللغة الألمانية التي يوجد بها حوالي 5.300.000 كلمة. وهذا يوضح مدى ثراء اللغة العربية وتفوقها على كل اللغات وقدرتها على استيعاب كل جديد من العلوم والمخترعات عكس ما يدعيه البعض، ويعيبون على اللغة العربية بأنها قاصرة عن استيعاب العلوم والمعارف والمخترعات الجديدة التي لم تكن موجودة في السابق، فنقول لهم ما قاله الشاعر حافظ إبراهيم
"وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ"
وبذلك فهي لغة حية متطورة لديها القدرة على التعبير وتجسيد المعاني والحالات والمواقف المتنوعة بأشكال وأدوات لغوية مختلفة. ولقد ظلم العرب لغتهم وقصر أبناءها في حقها رغم جمالها وقدرتها على التعبير واستيعابها لكل جديد كما جاء على لسان الشاعر حافظ إبراهيم
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
واللغة العربية ذات قدسية خاصة لدى العرب والمسلمين كونها لغة القرأن الكريم، ويعزز من مكانتها تكريم الخالق سبحانه وتعالى لهذه اللغة إذ قال في كتابه العزيز في مواقع عدة بأنه أنزل القرأن باللغة العربية بقوله "قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُون (28) الزمر، وتحدث المولى عز وجل مع نبيه ورسوله بلغة قومه ليجعلها معجزة له متحدياً هؤلاء القوم بأن يأتوا بمثل هذا الكلام البديع ولو بأية واحدة، حتى لو اجتمع الجن والأنس ليأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فلن يستطيعوا ذلك وهم أصحاب اللغة والبلاغة في الشعر والأدب.
فهي اللغة التي تحدث بها الله مع خلقه فأنزل بها الفرقان بقوله " تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا"(1) الفرقان، وقال "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ*"(2)يوسف، و"إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون" (3) الزخرف.
إن إخفاق المرء في التعبير عن نفسه وعما يدور في خلجات صدره بلغته العربية (لغته الأم) يعني إخفاقه في عملية التواصل مع الأخرين من أبناء جلدته، وعدم قدرته على توصيل أفكاره بالصورة التي يريدها. وبحكم الصراع الحضاري بين الحضارات والدول السابقة على مر العصور، فإن أول ما تسعى إليه الحضارات تدمير ثقافة الأمة، ولا يتسنى لها ذلك دون تدمير وطمس لغتها التي تمثل هوية الأمة والناقل الأساسي لحضارتها. وما أن تحطم تلك الهوية يصبح الفرد ملك للهوية الجديدة التي ستحل محل الهوية القديمة، ويصبح الفرد عرضة للاستعمار الثقافي وتبعاً له.
ومهما تعلم الأنسان من لغات أخرى وأصبح متمكناً منها فإنه لا يستطيع التعبير عن نفسه وأفكاره كما في لغته الأم، فإن عقله يتكلم العربية وليس اللغات الأخرى ولن يشعر بالراحة الكافية في الحديث والتعبير كما في لغته العربية لغته الأم. ومن واقع التعليم في المدارس والجامعات التي تدرس باللغات الأجنبية فإن الإحساس والشغف لا يمكن التعبير عنه الإ باللغة الأم وليس بلغة ثانية. كما أن الإنسان لن يستطيع فهم العلوم بشكل كامل، أو الإحساس بأي عمل أدبي بلغة أخرى مترجم إلى العربية كما هو مكتوب بلغته الأصلية. وكما قال يقول الإمام الشافعي " ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب ". وقال الحسن البصري - رحمه الله- في المبتدعة " أهلكتهم العجمة ".
ونحن على يقين بأن اللغة العربية لا تعاني من أزمة بل أهلها هم الذين يعانون من أزمه هوية، وأن الحفاظ علىيها ليس بيد أهلها بل حفظها المولى عز وجل بحفظ القرأن الكريم بقوله "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (9). ولقد أجاد الشعراء في حبهم للغة العربية ودفاعهم عنها بأبيات شعرية في غاية الجمال والروعة أرسلتها اللغة العربية كأنها تعاتب أبنائها كما جاء على لسان الشاعر حافظ إبراهيم بقوله
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ
وأن من أشد الابتلاءات التي بُليت بها الأمة العربية، هو افتخار بعض النخب العلمية التي عملت على تغريب اللغة العربية وسعت لإخراجها من حياتنا باعتبارها سببًا من أسباب التخلف. على عكس الشعوب الأخرى التي تعتز بلغتها ولا تتحدث إلا بها وشيدت مدارسها وجامعاتها وأصرت على تعليمها لتكون وسيلة توحيد عقل الأمة والحفاظ على هويتها، واهتمت بالترجمة للانفتاح على العلوم والمعارف الحديثة باللغات الأخرى حتى لا تسقط في براثن التغريب والحداثة المشوهة.
ويتطلب تعزيز الارتباط بين اللغة والهوية جهودًا متعددة ومتنوعة لتعزيز الوعي بأهمية اللغة في تشكيل الهوية والثقافة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير تعليم اللغة، وتوفير برامج تعليمية تركز على تعلم اللغة الأم، وتعزيز الهوية الثقافية، سواء في المدارس أو خارجها من خلال الفعاليات الثقافية المختلفة التي تؤكد على أهمية اللغة العربية التي تعزز الوعي بالتراث الثقافي واللغوي.
وإذا ما أردنا تقوية الهوية العربية بعد أن أصبح الأمر في وضع مزري لدى الطلاب والموظفين بسبب عدم اتقان لغتهم العربية ووجود حجم هائل من الأخطاء الإملائية وعدم قدرتهم على الكتابة بشكل سليم وتكوين الجمل البسيطة، لا بل أصبح دخول كلمات عامية وكلمات معربة في المراسلات والكتب الرسمية والتقارير لا هي كتبت باللغات الأجنبية ولا معناها باللغة العربية في الكتب الرسمية وأصبح أمر عادي لدى الغالبية لا يتحرجون منه.
ولكن للأسف نجد بأن كثيراً من المؤسسات التعليمية المدرسية والجامعية أحجمت عن التدريس باللغة العربية واستعاضت عنها باللغات الأجنبية. ويقع وزر ذلك على عاتق وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في الوطن العربي أن سمحت بذلك تحت مظلة حجج مختلفة واهية بأن اللغات الأجنبية وبالذات الانجليزية هي لغة العلم والعمل في الوقت الحاضر، وقد يكون في ذلك جزءاً من الصحة، ولكنه ليس مبرراً لإهمال اللغة الوطنية التي تشكل هوية الشعب العربي ومخزن علمه وأدبه، والأهم من ذلك أنها مستودع الدين الإسلامي.
وبدلاً من إهمال اللغة العربية لصالح اللغات الأخرى كان من الأجدى إغتنام فرص كثيرة للاهتمام باللغة العربية ونشرها، وذلك باخضاع الراغبين في العمل في بلادنا العربية شرط إجادة واتقان اللغة العربية لا اللغة الانجليزية كما هو حاصل الأن، إضافة لذلك فرصة تعليم اللغة العربية من خلال التحدث بها مع الزائرين والسائحين كما نفعل نحن عند الذهاب للبلاد الاجنبية للدراسة أو العمل أو الزيارة حيث يفرضوا علينا تعلم لغتهم كشرط أساسي للدراسة أو العمل.
وفي هذا المقام ومن باب الاهتمام باللغة العربية، فأنه من الأولى الاهتمام بتدريسها بشكل متميز للطلبة على مقاعد الدراسة منذ نعومة أظفارهم في المدارس والجامعات، والابتعاد عن التعليم باللغات الأجنبية، بل وحث الطلبة على تعلمها والاهتمام باختيار أفضل معلميها لتدريس اللغة العربية لأبنائها. وهذا لايعني بأننا ضد تعلم اللغات الأخرى انطلاقاً من مقولة من تعلم لغة قوم أمن مكرهم. لا بل على العكس تماماً، فإننا ندعم الطلبة والراغبين بتعلم اللغات الأخرى وإجادتها بعد تعلم العربية باعتبارها هوية المواطن العربي، بل وتعليمها لغير الناطقين بها ونشرها في أرجاء المعمورة.
ومن زاوية أخرى فقد استشرى الأمر سوءاً وتدهوراً عندما تجد مراسلات بين المؤسسات العربية باللغة الانجليزية وخاصة في بعض الدول العربية التي أصبحت الانجليزية هي لغة العمل الرسمية، وفي كثير من الأحيان تقرأ إعلانات باللغة الانجليزية صادرة عن مؤسسات رسمية وجامعات وشركات عربية تنشر في الصحف العربية لاستقطاب موظفين عرب من نفس الدولة. كما وتصدم عندما تشاهد الإعلانات في الشوراع المليئة بالأخطاء الإملائية ناهيك عن أخطاء القواعد النحوية، إضافة إلى اطلاق أسماء المحال التجارية والمؤسسات بأسماء أجنبية، والطامة الكبرى عندما يتم كتابة الإسم الاجنبي بحروف عربية.
وها نحن نطلق صرخة قوية للإهتمام أكثر باللغة العربية للحفاظ على هويتنا العربية، مطالبين المؤسسات الرسمية من وزارات وخاصة وزارة التربية والتعليم، وجامعات وبلديات وغيرها أن تحضر تسمية المؤسسات والمحال التجارية والمقاهي وغيرها بأسماء أجنبية، وضرورة اختيار أسماء عربية ذات دلالات.
وختاماً نقول بأن اللغة العربية ليست مجرد أداة تواصل، بل الوعاء الذي يحمل في طياته تاريخ الأمة وحضارتها وكنوزها المعرفية، وهي لغة خالدة وستبقى لغة حية بفصاحتها وبلاغتها وقدرتها على التعبير عن المعاني الدقيقة والصور الفنية البديعة، وبفضل الكريم والدين الاسلامي الذي يعتبر حافظاً لهذه اللغة المجيدة، وما دام هناك من أبنائها من يحافظ عليها ويدافع عنها فستبقى ركيزة أساسية في الاسهام ببناء الحضارة الإنسانية وحفظ التراث الفكري، وتشكيل الهوية الدينية والثقافية للأمة العربية والاسلامية. إن الحفاظ على اللغة العربية وتعزيز مكانتها ليس مجرد واجب ديني أو قومي، بل هو ضرورة حضارية للحفاظ على الهوية في مواجهة محاولات التغريب والذوبان وتضمن استمرارية التواصل مع الماضي، وفهم الحاضر، وبناء مستقبل مشرق.
وستبقى العربية لغتنا والاسلام ديننا معتزين بتاريخنا وحضارتنا



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد