ربط التعليم بالوظائف: الإرشاد المهني في الأردن

mainThumb

03-09-2025 12:10 AM

في السنوات الأخيرة، أصبح واضحاً أن التعليم العالي وحده لم يعد كافياً لتجهيز الطلبة لمتطلبات سوق العمل المعاصر، سواء داخل الأردن أو على المستوى العالمي. فبينما تبذل الجامعات جهداً كبيراً في تزويد الطلبة بالمعرفة الأكاديمية، إلا أن هناك فجوة واضحة بين هذه المعرفة النظرية وبين متطلبات الواقع المهني الذي يواجهه الخريجون عند دخولهم سوق العمل. هذه الفجوة لا يمكن ردمها إلا من خلال مبادرات إرشادية مهنية، يقودها خبراء متخصصون في مجالاتهم، يمكنهم أن يكونوا بمثابة بوصلة للطلبة في توجيه مساراتهم المستقبلية.
إن وجود مرشد مهني متخصص لكل طالب، بناءً على مجال دراسته وتخصصه، هو استثمار استراتيجي في مستقبل الطلبة. فالمرشد لا يقتصر دوره على تقديم النصيحة، بل يساهم في مساعدة الطالب على وضع خطة مهنية واضحة، وفهم الاتجاهات الحديثة في مجاله، والتعرف على الشهادات المهنية المتخصصة التي تضيف قيمة حقيقية إلى ملفه الوظيفي. هذه المعلومات غالباً ما تكون غائبة عن أذهان الطلبة، خاصة في المراحل الأولى من تعليمهم الجامعي، ما يؤدي إلى دخولهم سوق العمل دون أدوات كافية لمواجهة المنافسة المحلية والعالمية.
إضافة إلى ذلك، فإن توفير منصة مؤسسية تربط الطلبة بخبراء ورواد أعمال متميزين متطوعين من مختلف المجالات يمكن أن يشكل نقلة نوعية في منظومة التعليم العالي الأردنية. فمثل هذه المنصة يمكن أن تكون بوابة للطلبة للاطلاع على تجارب واقعية، والتفاعل مع قصص نجاح ملهمة، والحصول على نصائح عملية من أشخاص حققوا إنجازات مشهودة، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. الجامعات في الأردن تستطيع أن تلعب دوراً محورياً في تأسيس هذه المنصات الرقمية، بحيث تقدم جلسات إرشاد عبر الإنترنت على نحو دوري، تكون متاحة للطلبة كافة.
هذه الجلسات لا ينبغي أن تكون محاضرات تقليدية، بل يجب أن تتميز بالتفاعل المباشر عبر جلسات أسئلة وأجوبة، تسمح للطلبة بطرح استفساراتهم ومناقشة تحدياتهم الخاصة مع الخبراء. على سبيل المثال، يمكن أن تعقد الجامعات جلسات نصف شهرية مع مرشدين بارزين، يقدمون خلالها خلاصة تجاربهم المهنية، ويتحدثون عن الشهادات العالمية والمهارات المهنية التي ساعدتهم في تعزيز مكانتهم، أو يوضحون كيفية اقتناص فرص العمل في مؤسسات مرموقة، سواء داخل الأردن أو خارجه.
غير أن نجاح هذه المبادرة يعتمد بشكل أساسي على حسن اختيار المرشدين. إذ ينبغي أن يكونوا قدوة حقيقية للطلبة، يتمتعون بسجل مهني مميز، ويملكون شهادات واعتمادات دولية تعكس قوة إنجازاتهم. فالإرشاد الناجح لا يقوم على المعرفة النظرية وحدها، بل على التجربة العميقة التي يمكن أن تلهم الطلبة وتفتح أمامهم آفاقاً جديدة. وجود مرشدين على هذا المستوى يضمن أن الطالب لن يتلقى مجرد نصائح عامة، بل سيحصل على رؤية واقعية تساعده على بناء مسار وظيفي واعد.
إن الحاجة إلى الإرشاد المهني في الأردن باتت أكثر إلحاحاً في ظل تزايد معدلات البطالة بين الشباب. فالطالب الذي يتخرج دون معرفة كافية بمتطلبات سوق العمل، ودون إدراك لأهمية الشهادات المهنية والتدريب المستمر، يجد نفسه في مواجهة عقبات كبيرة تحول دون تحقيق طموحاته. أما الطالب الذي يحظى بتوجيه مبكر من مرشد مهني متخصص، فإنه يدخل سوق العمل بخطة واضحة ورؤية مستقبلية تمكنه من المنافسة على المستويين المحلي والدولي.
وعليه، فإن الجامعات الأردنية مدعوة اليوم لإطلاق مبادرات عملية تجعل الإرشاد المهني جزءاً أصيلاً من تجربتها التعليمية. فكما أن القاعات الدراسية توفر المعرفة الأكاديمية، فإن منصات الإرشاد يجب أن توفر المعرفة المهنية. الجمع بين هذين النوعين من المعرفة هو السبيل الأمثل لإعداد جيل قادر على بناء مستقبله بوعي وثقة.
إن الاستثمار في الإرشاد المهني ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية. فبناء جسور بين التعليم والعمل يضمن أن يبقى الأردن على تواصل مع الاتجاهات العالمية، ويتيح لشبابه فرصاً أوسع للانخراط في الاقتصاد العالمي. ومن هنا، فإن تبني هذا النهج يمثل خطوة استراتيجية نحو تعزيز تنافسية الأردن، وضمان مستقبل مشرق لأجياله القادمة.

ghawanmehameen@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد