وسائل الاتصال والحرية والمسؤولية
ترتبط الحرية الفردية في المجتمعات الحديثة بشكل وثيق بمدى قدرة الإنسان على الوصول إلى وسائل الاتصال، وهي فكرة محورية في علم الاجتماع وعلم الاتصال. فالنظرية الاجتماعية ترى أن الاتصال ليس مجرد أداة تقنية أو وسيلة للتسلية، بل هو شرط أساسي لممارسة الحرية الفردية والجماعية. هذا الطرح يمكن تتبعه منذ دراسات رواد مثل يورغن هابرماس في مفهومه عن المجال العام، ومارشال ماكلوهان في نظريته حول "القرية الكونية"، وصولًا إلى الدراسات الحديثة التي تركز على العلاقة بين الوصول إلى المعلومات وتمكين الأفراد.
في الماضي، كان التحكم بوسائل الاتصال حكرًا على السلطة السياسية والاقتصادية، الأمر الذي جعل حرية الأفراد محدودة في التعبير والتأثير. لكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، تغيرت المعادلة بشكل جذري، حيث أصبح بإمكان الأفراد أن يعبروا عن آرائهم، وينتجوا محتوى، ويتبادلوا المعلومات على نطاق واسع. ومع ذلك، فإن هذه الحرية الجديدة تحمل في طياتها مخاطر كبرى إذا لم تقترن بالوعي والمسؤولية.
في السياق العربي، والأردني على وجه الخصوص، نرى بوضوح كيف أصبحت المنصات الرقمية مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"تيك توك" جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية. الشباب في الأردن يستخدمون هذه الوسائل للتعبير عن قضاياهم الاقتصادية والاجتماعية. هذا يعكس الجانب الإيجابي للنظرية، حيث تحولت وسائل الاتصال إلى منابر لإيصال أصواتهم، وإلى وسيلة لخلق حوار عام حول قضايا المجتمع.
لكن في المقابل، نشهد أيضًا ظواهر سلبية مثل انتشار الشائعات، وتشويه السمعة، ونشر السلبية والفوضى. هنا تتجلى المفارقة: فوسائل الاتصال التي كان يُفترض أن تكون أداة للتحرر، قد تتحول إلى أداة للفوضى إذا غابت المسؤولية. على سبيل المثال، بعض الأحداث شهدت تضخيماً على وسائل التواصل أدى إلى خلق حالة من القلق الاجتماعي، رغم أن الواقع كان مختلفًا تمامًا. وفي حالات أخرى، استخدمت هذه الوسائل للهجوم الشخصي أو العائلي، مما يعكس ضعفًا في الثقافة الاتصالية لدى بعض المستخدمين.
إن الحاجة اليوم ليست فقط لإتاحة الوصول إلى وسائل الاتصال، فهذا أصبح أمرًا واقعًا، بل إلى ترسيخ وعي جديد يقوم على الاستخدام المسؤول والإيجابي. النظريات الحديثة مثل نظرية الاستخدامات والإشباعات تذكرنا أن الأفراد يستخدمون وسائل الإعلام لتلبية حاجاتهم، لكن هذه الحاجات يمكن أن تكون بنّاءة أو هدامة. وعليه، فإن توجيه المجتمع نحو الاستخدام البنّاء يتطلب جهودًا على مستويات عدة:
أولاً، على المستوى الأسري، ينبغي أن يكون هناك وعي في التربية الرقمية، بحيث يتعلم الأبناء منذ الصغر أن الحرية على الإنترنت ليست مطلقة، بل مقيدة بالمسؤولية والقيم الأخلاقية.
ثانيًا، على المستوى التعليمي، لا بد أن تدرج المناهج في المدارس والجامعات دروسًا حول الثقافة الرقمية وأخلاقيات الاتصال، لتأهيل جيل يعرف كيف يستخدم حريته في خدمة ذاته ومجتمعه.
ثالثًا، على المستوى الإعلامي والمؤسسي، يجب أن تنخرط وسائل الإعلام الوطنية والمؤسسات الرسمية في بناء خطاب توعوي يعزز المسؤولية، بدل أن تكتفي بردود الفعل على الأزمات. الإعلام يمكن أن يساهم في تكوين "مجال عام" صحي، كما تحدث هابرماس، حيث يكون النقاش عقلانيًا وبنّاءً.
وأخيرًا، على المستوى الفردي، المطلوب من كل شخص أن يدرك أن مشاركته في المنصات ليست فعلًا خاصًا فحسب، بل له أثر اجتماعي. الحرية هنا يجب أن تترافق مع الوعي بأن أي كلمة أو صورة أو فيديو يتم نشره قد يؤثر في الآخرين، إيجابًا أو سلبًا.
إن العلاقة بين وسائل الاتصال والحرية في المجتمع الأردني اليوم تعكس هذه الثنائية: الفرص والتحديات. فمن جهة، تتيح هذه الوسائل إمكانات غير مسبوقة للتعبير والتأثير والمساءلة المجتمعية، لكنها من جهة أخرى قد تهدد السلم الاجتماعي إذا استُخدمت بطريقة عشوائية أو هدامة. المطلوب إذن هو تحقيق التوازن بين الحرية والمسؤولية، وهو توازن لا تصنعه القوانين وحدها، بل يصنعه الوعي الاجتماعي والثقافة الاتصالية.
وفي الختام، يمكن القول إن وسائل الاتصال الحديثة ليست مجرد أدوات تقنية، بل هي فضاءات اجتماعية وأخلاقية. من خلالها يُختبر مدى نضج الأفراد والمجتمعات، وقدرتهم على ممارسة الحرية بشكل مسؤول. إن أردنا لمجتمعنا الأردني أن يستفيد من هذه الفرصة التاريخية، فلا بد أن نربي أنفسنا وأبناءنا على أن الحرية ليست حقًا فحسب، بل هي أيضًا واجب ومسؤولية.
ghawanmehameen@gmail.com
قاضية أميركية تلغي قرار ترامب تجميد تمويلات لهارفرد
سميرة توفيق تتعرض لوعكة صحية مُفاجئة
غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
ما هكذا تورد الابل يا وزير العمل
تشكيلات أكاديمية في البلقاء التطبيقية .. أسماء
ارتفاع مؤشر نازداك الأميركي الأربعاء
ملاحظات حول آلية اختيار رؤساء الجامعات
سلامي: المرحلة المقبلة ستتضمن تنوعا بالمدارس الكروية
وسائل الاتصال والحرية والمسؤولية
رمضان يحل بأبرد فترات العام .. فهل سنشهد تساقط الثلوج
فاعليات تحتفل بالمولد النبوي الشريف
انفجار عبوة ناسفة في سيارة بدمشق
دعوة لمواطنين بتسديد مستحقات مالية مترتبة عليهم
أول رد من البيت الأبيض على أنباء وفاة ترامب
ترقيات وتعيين مدراء جدد في التربية .. أسماء
ادعاءات باطلة من لندن في قضية إربيحات
مهم لمالكي العقارات بشأن اشتراط وضع سارية علم
الاحتلال يزعم اغتيال أبو عبيدة
وظائف شاغرة ومدعوون لإجراء المقابلات الشخصية .. أسماء
تقدم مشروع الناقل الوطني وإنجازات جديدة بقطاع المياه
عطا الشمايلة … عفوية تقهر قسوة الحياة .. فيديو
تفاصيل جديدة في جريمة مقتل النائب الأسبق أبو سويلم ونجله
ظهر بفيديوهات .. القبض على شخص استعرض بالسلاح والتشحيط
أسماء الدفعة الثانية من مرشحي بعثات دبلوم إعداد المعلمين .. رابط
مناقشة أول رسالة ماجستير في الصيدلة بالجامعة الهاشمية