حين نعود
ما كنت أتصور إمكانية طرح سؤال كهذا في الزمن الذي أحياه، كنت أرى الهدف آت والسؤال قابلاً للطرح في المستقبل البعيد، بعد مغادرة جيلي ولربما جيل أو اثنين بعدنا لهذه الدنيا، إلا أنه على ما يبدو، السؤال الحلم يمكن طرحه الآن، والإجابة الحلم أصبحت منظورة، يمكن تخيلها والحديث عنها.
بعد أن تعود فلسطين، ماذا سيكون مصير تل أبيب، يافا أصلاً، بمبانيها الضخمة القبيحة التي لا تنتمي لثقافة فلسطين ولجمال طبيعتها ولطبيعة أهلها؟ الآن يمكننا طرح هذا السؤال وتخيل إجابته، فما بعد القاع الوحشي المظلم الذي وصلت إليه غزة بمعية التكالب الحكومي العالمي والتخاذل الإنساني من اتجاه إلا الصعود للأعلى، وعلى قمة تلة الصعود الفلسطينية ستكون يافا بالانتظار، لتعود يافا الفلسطينية من جديد.
هناك الكثير من التشابكات والتعقيدات المتوقعة في مرحلة كهذه، ستكون المصاعب جمة لاستعادة أرض وثقافة وحياة، وستكون هناك مخلفات عدة، مادية ومعنوية وروحية، لا بد من التعامل الحذر معها. كيف سينظر العائدون لعرب 48 وهل سيكون من السهل إعادة تأهيل هذا المجتمع وضمه ودمجه لفلسطينيي المناطق التي بقيت ولو مجازاً تحت القيادة الفلسطينية؟ بلا شك، كل الفلسطينيين في الداخل والخارج، يعانون معاناة فادحة ويرومون الخلاص، إلا أن درجة المعاناة ونوعية الأحداث وكمية الآلام ومدى القدرة على المقاومة ومستوى الشعور بالترهيب الجسدي والنفسي بنسب متفاوتة وصيغ مختلفة بين كل فلسطينيي الداخل والخارج، كلها تشكل فجوات عميقة ستكون بحد ذاتها تحدياً كبيراً لهذا المجتمع ليرمم صدوعه ويبدأ بلضم أطرافه ليشكل النسيج المتكامل الذي كان.
سيكون هناك تخوين، وسيكون هناك تبادل اتهامات، وستكون هناك مقارنات، فتلك كلها مخلفات استعمارية سامة تحتاج إلى زمن طويل لتذوب في مياه الحرية الصافية، إلا أنني أستشعر أن التجربة الفلسطينية ستكون مختلفة، فهذا الشعب مختلف في كل شيء؛ في مقاومته، في تغرّبه، في شتاته، في مجتمعاته الصغيره التي كونها في الشتات، وحتى في تمسكه القوي، وتوارثه الحي المستمر لثقافته جيلاً بعد جيل رغم البعد والشتات والمعاناة والاندماج في مجتمعات أخرى مختلفة. أرى في الحقيقة أن التجربة الفلسطينية الترميمية ستكون مختلفة، أكثر سهولة وسلاسة وفرحاً، أقل تخويناً وتنافراً. أرى فرح الفلسطينيين بالعودة والتحرير جابّاً ما قبله وبعده، ماسحاً كل اتهام، منهياً كل مقارنة، زارعاً في القلوب والعقول درجة من التسامح والرضا يمكنها أن تغفر وتغسل آثام العالم كله.
وماذا عن يهود الداخل المناهضين للاستعمار والمجبرين على السكوت، هل سيسامحهم المنتصرون الفلسطينيون؟ هل سيتفهون اضطرارهم على السكوت؟ هل سيقدر العائدون رعب هؤلاء تجاه الميكنة الصهيونية المتوحشة التي ما شكلت في يوم دولة في الواقع، وإنما عصابة دموية حقيرة ترى في كل ما ومن عداها حشرات تستحق السحق، وهل سيتفهمون عدم قدرتهم على مقاومتها؟ وماذا عن «الإسرائيليين» الذين ولدوا أجيالاً على هذه الأرض ولم يعرفوا غيرها وطناً؟ ماذا عن هؤلاء الذين لم يختارون هذا الاحتلال وهذا المصير، وإنما أتوا للدنيا ليجدوا أنفسهم في خضمه، سواء الذين كبروا ليتشككوا في استحقاقهم لهذه الأرض أو الذين غسلت أدمغتهم وتمت برمجتهم ليؤمنوا أن هذه الأرض أرضهم؟ ماذا عن هؤلاء منهم الذين أحبوا الأرض بصدق ووجدوها موطناً لا يستطيعون مفارقته؟ هل يمكن ضمهم للدولة الفلسطينية؟ هل ستعاد صياغة هويتهم السياسية؟ والأهم، هل سيسامحهم المجتمع ويتقبلهم ليعيشوا فيه بسلام وأمان وشيء من المساواة، أم أنه سيلفظهم كارهاً وإن بلا ذنب مباشر منهم؟ هل سيلام الفلسطينيون على هذا الكره؟ هل سيكون هناك تعاطف مع المحتل الذي كان محتلاً بلا إرادة أو خيار منه؟
ثم ماذا عن الخونة والمتعاونين من العرب والفلسطينيين في الداخل؟ ماذا سيكون مصيرهم؟ هل سيقطعون إرباً في الشوارع؟ هل سيحاكمون ويعدمون؟ هل ستغفر لهم فرحة العودة وتمحو آثار خيانهم وخذلانهم لأرضهم وأهلهم؟ هل يمكننا جميعاً أن ننسى صور الإبادة الغزاوية ونتعالى على الآلام لنسامح الخونة والمتعاونين والمطبعين؟ ماذا عن سفارات الاحتلال حول العالم؟ ماذا عن هذه السفارات في الدول العربية؟ هل ستُحرق بالمحتلين داخلها؟ هل ستصبح مبانيها مزارات تذكر بواحدة من أبشع المجموعات المرتزقة الإبادية البشرية، أم هل ستمحوها البلدان المعنية من الوجود في محاولة لمسح تاريخ التطبيع معها وتغييب ذكراه من ذاكرة شعوبها؟ والسؤال الأهم، هل سيسامح بعضنا بعضاً على مواقفنا، بدءاً من المساندة المتخاذلة، مروراً بالسكوت، وصولاً إلى التطبيع الناعم، وانتهاء بالتطبيع الصريح المريع؟ لو أنني حية في ذلك اليوم لربما أحمل ضغينة ترافقني ما تبقى لي من سنوات أو أيام، وسأكره بصراحة ووضوح وعنف ليس فقط من طبع أو سكوت أو تخاذل، بل حتى من لم يقاطع، وسأعايرهم وأحقد عليهم وأتنمر عليهم بكل ما في من بدائية بشرية منطلقة بكامل سجيتها.
وماذا عن «تل أبيب» القبيحة، أي مصير سيكون لمبانيها؟ لربما يترك الفلسطينيون بعض هذه المباني متاحف تشهد على مرحلة من العنف والقتل والدمار والتخاذل والتكالب العالمي المصلحي لم يسبق للبشرية أن شهدت مثيلها. لربما نرى صوراً لرؤساء العالم المغمسة أياديهم في الدماء معلقة على الحيطان وبجانبها أكوام حصى يسمح للزائرين باستخدامها لرجمهم بها. لربما سنرى فيديوهات للشهداء الأطفال مقصوفين، مقطعين، مجوعين، مارين بعمليات جراحية بلا تخدير، مصطفين للحصول على مساعدات غذائية لتنقلب عليهم هذه المساعدات لتحرق أجسادهم الصغيرة أو ليدهسهم آخرون في التكالب عليها، لا بد أننا سنرى فيديوهات تجعلنا نسائل إنسانيتنا ونتساءل حول استحقاق جنسنا استكمال الحياة.
وماذا عن بقية مدينة تل أبيب القبيحة؟ لربما تزال العمارات والمباني، وتوضع مكانها مبان على الطراز الفلسطيني، وتعاد صياغة الشوارع وتقسيم المناطق وترتيب الأسواق، ثم يتم الانطلاق شرقاً منها لينظف المسجد الأقصى من كل أثر للمجرمين الأنجاس، وتفتح أبوابه وتمتلئ ساحاته بالمصلين والمحتفين والزائرين من مختلف أنحاء العالم، وستكون الأولوية للعرب والمسلمين رغم عدم استحقاقهم الحقيقي، ولكن سيغفر لهم انتماؤهم الأيديولوجي والإثني، وسيستنشقون هناك، في ساحة الأقصى، هواء الحرية، وسيرفعون رؤوسهم بعد أن ارتفع عنها ظل الصهاينة القميء ليروا شمس الكرامة المكتملة لأول مرة.
كي نحقق حلماً لا بد أن نتحدث عنه، أن نستدعيه بالكلمات وأن نحييه بالتوصيف الدقيق، أن نستجلبه وصفاً وشرحاً وتفصيلاً للحياة حتى يتحول إلى موضوع في وعينا، ومن ثم إلى صورة واضحة في مخيلتنا، وإلى حقيقة محققة في واقعنا. في كل الأسئلة التي طرحتها والخيالات التي شاركتها أنا ها هنا في هذا المقال متعة أحلام اليقظة الهنية، أحلام نراها قريبة وقابلة للتحقيق، هي تحتاج لدفعة أمل واستمرار جهد، صغيراً كان أم كبيراً، وأقل هذا الجهد هو أن نبقى نقاطع، نبقى نتكلم، ونبقى نحلم ونتحدث عن هذا الحلم.
عجلون تدعو لتعزيز الاستثمار السياحي
فيسبوك يعيد النكزات إلى الواجهة لجذب الجيل الجديد
ثريدز تنافس منصة أكس بميزة جديدة
طفل يثير الجدل بقدراته الذهنية في مصر
أنغام تعود إلى المسرح في حفل استثنائي
الأمن العام ينفذ يوما توعوياً بيئياً
المركز الوطني للبحوث يدعم الابتكار الزراعي
كيت ميدلتون تخطف الأنظار في أول ظهور رسمي .. صور
ختام مخيم جائزة الحسن للشباب للفتيات
مدارسنا في العالم العربي بين النظرية والتجريب
كتائب القسام تنشر فيديو لأسيرين إسرائيليين
دعوة لمواطنين بتسديد مستحقات مالية مترتبة عليهم
أول رد من البيت الأبيض على أنباء وفاة ترامب
ترقيات وتعيين مدراء جدد في التربية .. أسماء
مهم لمالكي العقارات بشأن اشتراط وضع سارية علم
الاحتلال يزعم اغتيال أبو عبيدة
تقدم مشروع الناقل الوطني وإنجازات جديدة بقطاع المياه
عطا الشمايلة … عفوية تقهر قسوة الحياة .. فيديو
ظهر بفيديوهات .. القبض على شخص استعرض بالسلاح والتشحيط
أسماء الدفعة الثانية من مرشحي بعثات دبلوم إعداد المعلمين .. رابط
ارتفاع أسعار الذهب والليرات في الأردن السبت
ضبط مصنع منزلي للمشروبات الكحولية بإربد
صور تثير التكهنات حول استشهاد محمد السنوار بغزة