القيم الاجتماعية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي
وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد مجرد أداة ثانوية في حياتنا اليومية، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من الطريقة التي نتعلم بها، ونتواصل، ونبني علاقاتنا، ونتحرك جماعيًا. ومن هنا، يصبح من المهم للقارئ الأردني، سواء كان أبًا أو أمًا، أو معلمًا، أو ناشطًا في المجتمع المدني، أو صانع قرار، أن يدرك كيف تؤثر هذه الوسائل في القيم الاجتماعية مثل الاحترام، والتعاطف، والمسؤولية المدنية، والخصوصية، وتماسك الأسرة. الأبحاث والدراسات الأكاديمية، تقدم صورة متوازنة: لا يمكن القول إن لوسائل التواصل الاجتماعي تأثيرًا سلبيًا مطلقًا أو إيجابيًا مطلقًا، بل إن تأثيرها يتحدد من خلال طبيعة الاستخدام، والفئة العمرية، والخلفية الاجتماعية، والسياق المؤسسي.
من أبرز القيم التي تناولتها الدراسات قيمة التعاطف. فقد أظهرت أبحاث أن التعرض لمحتوى يحمل رسائل إنسانية ويبرز السلوكيات الإيجابية يمكن أن يعزز من روح التعاون والمساندة، خصوصًا بين المراهقين والشباب. في المقابل، فإن الانغماس في محتوى سطحي أو تنافسي قد يؤدي إلى تراجع القدرة على التعاطف ويغذي النزعة الفردية. وبذلك، يصبح نوع المحتوى وطبيعة التفاعل معه عنصرًا حاسمًا في تشكيل قيم الأفراد.
أما في الجانب المدني والسياسي، فقد غيرت وسائل التواصل الاجتماعي من طبيعة المشاركة العامة، إذ ساعدت على خفض الحواجز أمام التعبير عن الرأي والحشد حول القضايا المختلفة. لكن الدراسات تُظهر أيضًا أن هذه المنصات قد تصبح مصدرًا للانقسام والاستقطاب ونشر المعلومات المضللة، مما يقوض الثقة المتبادلة ويضعف القيم الأساسية للحوار المدني. ومن هنا تأتي أهمية تعزيز التربية الإعلامية الرقمية وربطها بالمسؤولية الاجتماعية، بدلًا من الاكتفاء بمقاربة رقابية أو عقابية.
القيم الأسرية تمثل بُعدًا خاصًا في السياق الأردني والعربي عمومًا. فقد وجدت بعض الابحاث العلمية أن الأجيال الشابة غالبًا ما تتبنى أنماطًا جديدة من التعبير عبر المنصات الرقمية قد تُنظر إليها على أنها متعارضة مع توقعات الأجيال الأكبر فيما يخص الخصوصية والاحترام والأدوار الأسرية. لكن في المقابل، هناك أسر نجحت في تحويل هذه الوسائل إلى أدوات لتعزيز التواصل، سواء عبر التوثيق المشترك للقصص العائلية أو التنسيق في الحياة اليومية. وهذا يوضح أن المسألة ليست في التكنولوجيا نفسها، بل في كيفية إدارتها ضمن إطار من الحوار والتفاهم الأسري.
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل دور تصميم المنصات في توجيه السلوك. فالخوارزميات غالبًا ما تعطي الأولوية للمحتوى المثير أو المستفز لأنه يجذب التفاعل، مما قد يؤدي إلى تراجع قيم الاحترام والنقاش الرصين. ومع ذلك، تشير بعض الأبحاث إلى أن التعديلات التصميمية البسيطة، مثل تحفيز المستخدم على قراءة المقال قبل مشاركته، تسهم في تقليل انتشار الأخبار المضللة وتعزز من التفكير النقدي. وهذا يفتح الباب أمام الدعوة إلى مزيد من الشفافية من جانب الشركات المالكة للمنصات.
القيم الاجتماعية كذلك تتأثر بالفوارق الاقتصادية والتعليمية. فالفئات الأكثر حظًا في الوصول إلى الإنترنت والمحتوى التعليمي غالبًا ما تجني فوائد أكبر من التفاعل عبر الشبكة، بينما تواجه الفئات الأقل حظًا تحديات إضافية مثل نقص الوعي الرقمي أو التعرض للمضايقات الإلكترونية. لذا، توصي الأبحاث بضرورة الاستثمار في مبادرات تضمن العدالة الرقمية، وتطوير محتوى محلي باللغة العربية يتماشى مع القيم الثقافية والاجتماعية في الأردن.
في ضوء ما سبق، يمكن استخلاص عدة توصيات عملية تدعمها الدراسات الأكاديمية: أولًا، الاستثمار في التربية الإعلامية الرقمية على جميع المستويات العمرية لتعزيز التفكير النقدي والوعي بأثر المشاركة الرقمية. ثانيًا، تشجيع الأسر على صياغة قواعد مشتركة لاستخدام المنصات وتحويلها إلى مساحة لبناء القيم بدلًا من مصدر للصراع. ثالثًا، دعم إنتاج محتوى اجتماعي إيجابي بالتعاون مع المؤسسات الثقافية والتعليمية يعكس قيم المجتمع. رابعًا، الدفع باتجاه مساءلة المنصات عن ممارساتها الخوارزمية وضمان توفير أدوات تحمي المستخدم من التضليل. وأخيرًا، تعزيز العدالة في الوصول إلى التكنولوجيا والتركيز على المحتوى المحلي الذي يعكس الهوية الأردنية.
الخطأ الشائع هو التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي إما باعتبارها تهديدًا أخلاقيًا شاملًا أو كمنقذ للمجتمع من مشكلاته. لكن الحقيقة، كما تشير الأبحاث، أكثر تعقيدًا. فهذه الأدوات تحمل في طياتها فرصًا ومخاطر في آن واحد، وما يحدد اتجاه تأثيرها هو السياسات العامة، ومستوى الوعي المجتمعي، وقدرة الأفراد على الاستخدام الواعي والمتوازن. ومن هنا، فإن المسؤولية تقع على عاتق مؤسسات التعليم والإعلام والمجتمع المدني وصانعي القرار للعمل معًا على تعزيز الاستخدام الذي يحافظ على القيم الاجتماعية ويطورها بما يتناسب مع تحديات العصر الرقمي.
إن الأردن اليوم أمام فرصة تاريخية: بدلًا من الاكتفاء بدور المستهلك للتكنولوجيا، يمكن أن يكون نموذجًا إقليميًا في تسخير التكنولوجيا لخدمة القيم الاجتماعية، من خلال الاستثمار في التعليم، والمبادرات الشبابية، والسياسات الذكية التي توازن بين حرية التعبير وحماية المصلحة العامة. هذه الرؤية ليست رفاهية فكرية، بل هي شرط أساسي للحفاظ على النسيج الاجتماعي ومواكبة متطلبات المستقبل.
ghawanmehameen@gmail.com
مبابي كان يحلم بالجنسية البرتغالية بسبب رونالدو
أبل توقف آيفون 16 برو وتخفض أسعار آيفون 16 و16 بلس
ترامب لنتنياهو: استهداف حماس في قطر لم يكن قرارًا حكيمًا
واشنطن تقر مساعدات أمنية للبنان بقيمة 14.2 مليون دولار
ضحايا مدنيون في قصف قسد على ريف حلب الشرقي
6 أشخاص يجب عليهم تجنب تناول الأناناس
الشرع أول رئيس سوري يخاطب الأمم المتحدة منذ 1967
رنا جبران تبكي من أثر شخصية سهام
هل تحول سفاحو القطط إلى ظاهرة في المدن الأردنية .. تفاصيل
قطر ترد على نتنياهو وتستنكر تهديداته لمكاتب حماس
القيم الاجتماعية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي
بريطانيا تحث إسرائيل على تغيير نهجها بشأن غزة
أطباء الأردن… بصمات إنسانية تبقى في وجدان الناس
هل ستشهد المملكة أول منخفض جوي قريباً .. توضيح
مشروع تمليك أراضٍ للمعلمين بخصومات حكومية كبيرة .. رابط
الصفدي يشارك باجتماع مجلس جامعة الدول العربية الخميس
الأردن يؤكد دعمه للسلطة الفلسطينية ورؤية عباس الإصلاحية
انعقاد امتحان المفاضلة لطلبة التوجيهي العربي اليوم
مقتل شاب مصري في ليبيا يثير غضبًا واسعًا
المُحليات الصناعية تُسرّع شيخوخة الدماغ
وظائف شاغرة وامتحانات تنافسية .. أسماء
نتائج فرز طلبات وظائف التعليم التقني BTEC .. رابط
المولد النبوي: ذكرى تتجدد لتصنع الأمل
أسعار الذهب والليرات الذهبية في الأردن الأحد
توضيح بشأن أنباء إلغاء عطلة السبت في المدارس