لا تفاخروا ببسطات الحسبة

لا تفاخروا ببسطات الحسبة

09-12-2025 05:47 PM

في خضم الحديث المتكرر عن "الإنجازات" في ملف التوظيف ومكافحة البطالة، يبدو أن الفريق الاقتصادي الحكومي قد وجد معادلة سهلة للحساب: مضاعفة عدد البسطات في الحسبة يساوي إنجازاً في توليد الوظائف , هذه المعادلة لا تنطلي على الشباب الأردني المتعلم، ولا على العقل الاقتصادي الذي يميز بين اقتصاد الإنتاج واقتصاد البقاء.


قضية البطالة -التحدي الأكبر لأمننا الوطني واستقرارنا الاجتماعي – تحولت إلى أرقام جافة تُعلن في المؤتمرات الصحفية, فكلما زاد عدد العاملين في القطاع غير المنظم الذين تم تسجيلهم، أو زادت فرص العمل المؤقتة والهامشية، اعتبر ذلك انتصاراً في معركة التوظيف.


أي نوع من الوظائف هذه التي نتباهى بها؟! الشباب الأردني الذي حمل شهادة جامعية لسنوات، واستثمرت أسرته ودولته في تعليمه، لا يطمح لأن يكون "رئيس قسم" في بسطات الحسبة , يطمح لأن يعمل في مجال تخصصه، ليضيف قيمة حقيقية لاقتصاد بلده، ويبني مستقبلاً كريماً.


المأساة أن الفريق الاقتصادي يعلم جيداً أن مشكلتنا ليست في غياب الأيدي العاملة، بل في غياب الوظائف الملائمة للعقول المؤهلة, بينما نتحدث عن الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، تأتي الحلول المطروحة وكأنها تعود بنا إلى اقتصاد القرن الماضي.


السؤال الذي يحتاج لإجابة صريحة: أين هي الاستثمارات في القطاعات المنتجة التي تحتاج إلى مهندسين ومبرمجين وفنيين متخصصين وباحثين؟! أين هي الحوافز الحقيقية للصناعات التصديرية؟! أين هي مشاريع البنية التحتية المعرفية التي توظف العقول الأردنية المبدعة؟!


الفرق بين "الوظائف الحقيقية" و"البسطات المحسوبة" هو الفرق بين اقتصاد البقاء واقتصاد البناء , الأول يساعد الإنسان على العيش يوماً بيوم، أما الثاني فيبني دولة ومستقبلاً, فالوظيفة الحقيقية هي التي تخلق قيمة مضافة، تدخل في سلسلة إنتاجية، تدفع ضريبة دخل وتأمينات اجتماعية، تطور مهارات صاحبها، وتساهم في الناتج المحلي الإجمالي.



لا يمكن إنكار أن تسجيل العاملين في القطاع غير المنظم له فوائد من حيث الحماية الاجتماعية والتأمين الصحي , لكن المشكلة تكمن في توظيف هذا الإجراء إحصائياً وكأنه حل جذري لأزمة بطالة الخريجين.


الأكثر إيلاماً أن يُقدم هذا على أنه "إنجاز" اقتصادي، بينما القطاعات الإنتاجية الحقيقية تترنح، والمستثمرون يترددون، والعقول الأردنية المهاجرة تبحث عن فرصها خارج الحدود.


المطلوب ليس المزيد من "البسطات" في الإحصائيات، بل المزيد من المصانع والشركات الناشئة والمراكز البحثية والمشاريع الريادية على أرض الواقع , المطلوب خطة اقتصادية واضحة تركز على جذب استثمارات نوعية في قطاعات التكنولوجيا والصناعات المتقدمة، ودعم الابتكار وريادة الأعمال بمنظومة متكاملة، مع تبسيط بيئة الأعمال لجعل الأردن وجهة جاذبة للاستثمار المنتج.


الأردن يواجه تحدي وجودياً في قضية التوظيف , لا يمكن للفريق الاقتصادي أن يكتفي بتلميع الأرقام بينما جيل كامل من الشباب المتعلم يفقد الأمل في مستقبله داخل وطنه.


مضاعفة عدد "البسطات" في الحسبة قد ترفع من نسبة التوظيف في التقارير، لكنها في الحقيقة تخفي انخفاضاً خطيراً في جودة الاقتصاد وقدرته على البناء الحقيقي.


حان الوقت لنتوقف عن حساب "البسطات" كإنجاز، ونهتم أكثر بعدد المهندسين والأطباء والمبرمجين والفنيين والمعلمين وغيرهم الذين وجدوا فرصتهم الحقيقية في وطنهم , هذا هو المقياس الحقيقي لنجاح أي فريق اقتصادي، وهذا هو الطريق الوحيد لبناء مستقبل يحفظ كرامة أبنائنا ويحقق طموحاتهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد