عدوّك كنز لا تفرّط فيه
هل تساءلت يومًا من هو المعلِّم المفضَّل لديك؟ طوال مسيرة الحياة القصيرة – مهما طال الزمن بالمرء – يحاول الإنسان فهم ما يحدث حوله وما يحل به من عواقب لا دخل له بها، في أغلب الأحيان، أو حتى لم يحاول أن يصنعها. وفي خلال تلك الرحلة، تتأرجح حياة الإنسان بين الكثير من الفشل والقليل من النجاح، وكلاهما ذوا أهمية قصوى، وكذلك ضرر عظيم. ومن ثم، أيهما يُعدّ خير معلِّم.. النجاح أم الفشل؟
والإجابة عن هذا التساؤل قد تقبع في استعراض حياة الساموراي، الذي استطاع أن يبلغ أحد أرقى المناصب المادية والمعنوية، ثم وجد نفسه يفقد كل هذا، بلا سبب. ويقصد بهذا النوع من السَّاموراي ما يسمى بطائفة «الرونين» Ronin. وبدون أي تعقيد، فـ»الرونين» هو ذاك السَّاموراي الذي أصبح حرّ نفسه، ولا يعمل تحت إمرة أي سيِّد. والمعنى الحرفي لكلمة «رونين» هو «المشرَّد» أو «التائه» أو «المتجوِّل بلا هدف».
في اليابان، كان السَّاموراي هم طائفة الجيش الخاص الذي يتمتَّع بتدريب متميِّز على فنون الحرب والقتال واستخدام أدوات القتال بمهارة فائقة، وكانوا يخدمون الإمبراطور أو كبار السَّادة من أجل للحفاظ على أراضيهم وممتلكاتهم من أي مُغير دخيل. وفي نظير هذا، يُمنح السَّاموراي الأراضي والثروة، وتصبح لهم مكانة اجتماعية راقية، والسبب ليس تفوّقهم في القتال وفنون الحرب، بل لأنهم يصبحون مثالًا للشرف والسُّمو الأخلاقي الذي تزينه أرقى درجات العلم.
بيد أن على الجانب المناوئ يقبع «الرونين» الذي طرده سيِّده لأي سبب، أو قد يكون فقد سيِّده بسبب الموت، وهذا أمر لا ذنب له فيه. وبما أن «الشوجون» Shogun هو الحاكم الفعلي للبلاد والذي له القدرة على استصدار الأوامر، وكذلك توريث منصبه لذويه، ففي حقبة شوجونية «الإيدو» Edo period في اليابان، التي تعرف أيضًا باسم حقبة «توكوجاوا» Tokugawa Period والتي امتدَّت من 1603 إلى 1868 تقريبًا، ساد الهدوء والسلام في البلاد، وعم الاستقرار السياسي ونما الاقتصاد، وذلك بفضل القوانين الصارمة التي فرضها الشوجون، والتي كان الغرض منها حماية البلاد من التدخُّل الأجنبي الذي قد يدمر البلاد. وكي يحبط أي محاولة لفرض نفوذ مناوئ أو معارضة، عمل على مصادرة الإقطاعيات من أصحابها. وعلى هذا، السَّاموراي الذين تجرَّد أسيادهم من أراضيهم فقدوا أي سلطة. وبالتبعية، فقدوا ممتلكاتهم؛ وبالطبع، السَّاموراي من ضمن ممتلكاتهم.
وبينما كان لأي ساموراي، في السَّابق، الحق في التنقُّل بين الأسياد، أو الانتقال لخدمة سيد آخر بعد موت سيده أو قتله، ففي حقبة «توكوجاوا» مُنع السَّاموراي من هذا الحق، ولهذا زاد عدد الرونين في البلاد وتفرَّقت ميولهم؛ فهناك طائفة ممن آثر الاندماج في المجتمع والتنازل عن مكانته السَّامية واندمج في عالم المزارعين والحقول، وطائفة أخرى عندما لم تستطع توظيف نفسها بشرف، اختارت الانتحار، على غرار السَّاموراي بطريقة «الهاركيري» Harkiri وهي بجّ البطن بطعنها بالسيف؛ حيث إنهم كانوا يعتقدون أن الروح تتمركز في البطن.
وعلى النقيض، فهناك طائفة ثالثة اختارت ألَّا تتنازل عمَّا وصلت له من مكانة عالية داخل المجتمع، وآثرت أن تحافظ على هيبتها مهما كلَّفها الأمر. وتلك الطائفة انقسمت إلى الرونين، الذي اختار حياة الجريمة فانضم إلى العصابات، أو أصبح من الفتوات وقطَّاع الطرق. في حين أنه على الجانب الآخر، حاولت الطائفة الأخرى الحفاظ على مكانتها وشرفها قدر المُستطاع، وذلك بعملها حارساً خاصاً لدى كبار السَّادة، أو محارباً من المرتزقة. ومن الفئة الأخيرة تلك، لمعت أسماء محاربين كثيرة ونُسِجَت حولها الحكايات، بل أصبحوا مثالًا لرموز بارزة تم تأليف روايات عنها، وتناولت الأفلام الغربية حكاياتها، ومن أشهر هذه الأفلام الفيلم الأمريكي «السَّاموراي الأخير» The Last Samurai الذي يجسِّد قصة حياة «رونين» أصبح سيِّد نفسه، وفضل أن يثور بطريقته على سيِّده. ومن الجدير بالذكر أن أحداث الفيلم تدور في القرن التاسع عشر عندما قضى الإمبراطور «ميجي» على وجود كل من السَّاموراي والرونين.
ومن مشاهير الرونين الذين اختاروا لأنفسهم درب السَّاموراي المرتزق، أو الذي يعمل بشكل خاص بأسلوب قد يشبه التعاقد المؤقَّت، «الرونين-السَّاموراي» الشهير «مياموتو موساشي» Miamoto Musashi (1585-1645) الذي خاض أوَّل معركة له وهو في سن الثالثة عشرة فقط، ومنذ ذاك الحين اكتسب شهرة واسعة ونُعِت بـ «المحارب الذي لا يمكن هزيمته»؛ فقد خاض معارك عديدة، وفاز باثنين وستين نزالًا، وفاز فيهم جميعًا. ولقد اختار «موساشي» دربًا فريدًا؛ فهو ليس محاربًا فقط، ولكنه أيضًا مُخطط بارز لاستراتيجيات المعارك، وفنَّان وكاتب فلسفي لا يزال إرثه الفكري متداولًا؛ لما يتضمنه من حكمة فريدة تشابه الفكر الرُّواقي الغربي. وفي نهاية حياته، ألَّف كتاب «كتاب الحلقات الخمس» وهو كتاب فلسفي استراتيجي، وكتاب «درب الوحدة» ويشتمل على مجموعة من النصائح التي يجب أن يتحلَّى بها المرء الذي اختار طريق الصلابة، والتي لا تتأتَّى إلَّا عندما يسلك دربًا يرتضي فيه بأن يعيش وحيدًا متَّخذًا من الوحدة رفيقًا. وبعد وفاته، قام تلميذه بنشر كتبه بالرغم من معارضة تلاميذه الآخرين؛ وهذا من أجل أن يبقوا على تعاليمه سرّاً وكنزاً لا يتناقله إلَّا أتباعه المخلصون. وكما هو واضح، تلميذه اتخذ القرار الصائب؛ فلولا إصراره على نشر أعمال معلِّمه لما احتفى به وبفكره الاستراتيجي وفلسفته العالم بعد قرون عديدة متتالية من موته.
ولقد اكتسب أيضًا «مياموتو موساشي» اسم «قدِّيس السيف» أو «كِنْسِيه» Kensei، فهو مؤسس استراتيجية فريدة لفنون القتال بالسيف، وسمّاها «مدرسة استراتيجية توحيد الجنتين» التي استخدم فيها سيفه الفريد ذا الحدِّين الماضيين. ويعتمد فن القتال بالسيف هذا الذي أطلق عليه اسم «كنجتسو» Kenjutsu على التوازن والثبات وسرعة البديهة.
ولكل العوامل السَّالفة الذكر، فكَّر الكاتب الياباني «إيجي يوشيكاوا» Eiji Yoshikawa (1892-1962) أن يخلِّد ذكرى هذا المحارب الأيقوني بكتابة سيرة حياته من خلال رواية تاريخية واقعية الأحداث، لم يتدخَّل في عناصرها وأحداثها إلَّا بالقليل؛ كي يراعي فنِّيات كتابة الرواية. وركَّز الكاتب على علاقة «موساشي» بمعلِّمه الأوَّل الذي أصبح صديقًا له، والذي عندما احتدمت الغيرة في صدره بسبب تفوق تلميذه، أصبح الصديق هو العدو اللدود. ومع هذا كله، كان «موساشي» يدين بالفضل له في كل ترقّ أو شهرة يكتسبها؛ لأن عدوه كان حافزًا قويًا لكي يكتسب مهارات وخبرات أكثر؛ حتى يتلافى الوقوع في حبائل العدو.
وفيما يبدو أن كل من يتناول سيرة ذاك المحارب الفذّ يخلع عليه المحارب من نجاحه وشهرته ويكتب لاسمه الخلود لتناوله رمزًا يحتفي به الشعب الياباني؛ فلقد أصبح «يوشيكاوا» أحد كتَّاب اليابان البارزين بعد أن كتب رواية «موساشي» Musashi التي تتناول سيرة «قدِّيس السيف»، ومن بعدها اتخذ من كتابة الرواية التاريخية طريقًا ومنهاجًا. وتجدر الإشارة بأن رواية «موساشي» هي إحدى الروايات التي وقع في غرامها العالم الغربي فور قراءتها، بل يعتقد بعض القرَّاء أيضًا أن نظرتهم للحياة قد تغيَّرت بأكملها بعد قراءة الرواية.
وقبل أن تطرق الشهرة والثراء باب «إيجي يوشيكاوا»، عاش الكاتب طفولة لم تتميَّز إلَّا بالشقاء. فبعد أن خسر والده أصول تجارته وساءت أحواله المادية، لم يجد إلَّا أن يخرج ابنه اليافع من المدرسة، وألقاه في عالم العمل الشَّاق، وأصبح أحد عمَّال الميناء. لكنه تعرَّض لحادث مميت وهو في الثامنة عشرة من عمره، وعلى إثر ذلك ترك العمل في الميناء، وكذلك ترك موطنه في «يوكوهاما»، وانتقل للعيش في العاصمة «طوكيو»، وعمل هناك في ورشة لطلاء المعادن بالذهب.
وكانت تسلية «يوشيكاوا» في أوقات الفراغ قراءة الشعر الياباني (الهايكو) الكوميدي، وبسبب ذلك تشجع وكتب الشعر الكوميدي، وعمل على نشره في المجلَّات. ولمَّا لاحظ أن أعماله أصبح لها صدى لدى القارئ، تشجع على الاشتراك في مسابقة لكتابة الشعر الكوميدي، وكتب له الفوز. وتلك الواقعة شحذت عزمه، فترك العمل اليدوي وانتقل لامتهان الصحافة. وأخذ ينشر القصص والروايات بشكل متسلسل وأسلوب شيِّق، فأصبح اسمه متداولًا بين العائلات اليابانية. ومع نشره لرواية «موساشي» أيضًا بشكل متسلل، لفت إليه الأنظار، وارتقى منذ ذاك الحين إلى مصاف كبار الكتَّاب.
وغيّرت أيضًا تلك الرواية نظرة «إيجي يوشيكاوا» للحياة؛ فصاغ فيها أفضل العبارات التي نبعت من إيمانه العميق بما يتفوهه. فعلى لسان «موساشي» قال: «أساليب القتال لا تتواجد جميعًا في فن الحرب. من يفكر بذاك الأسلوب، ويكتفي بوجود طعام يأكله ومسكن يؤويه، ما هو إلا أحد المشرَّدين. فالطالب الجاد يهتم بتدريب عقله وتهذيب روحه أكثر من اهتمامه بتطوير مهارات القتال». ونفس ذاك الاهتمام هو الذي دفع «يوشيكاوا» للترقِّي فكريًا والارتقاء بمكانته الاجتماعية من مجرَّد عامل ميناء ضمن آلاف العاملين، إلى كاتب روائي حاذق شديد الثقافة وواسع الشهرة.
القتال لا يقتصر على ساحات الحرب فقط؛ فأشرس ساحة للقتال هي معترك الحياة. ومن ثمَّ، كان الفقر والتشرُّد هما العدو اللدود لـ «يوشيكاوا» الذي دفعه لطريق المجد والخلود.
تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي
إطلاق سلسلة من المبادرات والفعاليات المجتمعية
مجلس الأمن يرفض إرجاء إعادة فرض العقوبات على إيران
أمسيات فكر وإبداع في ثالث أيام معرض الكتاب
الوزير الأسبق جمعة يوضح: هؤلاء هم الفشلة
مباحثات أردنية يونانية قبرصية موسًعة
ندوة حول الذاكرة الوطنية ضمن فعاليات معرض الكتاب
وزير الشباب يتفقد مرافق شبابية في العقبة
استشهاد 58 فلسطينياً بغزة منذ الفجر
مدعوون للمقابلات الشخصية واستكمال التعيين في الحكومة .. أسماء
بعد ضبط القاتل .. بيان من عشيرة حمزة القادري
قياس ضغط الدم في الوقت الخطأ قد يربك التشخيص
إعلان نتائج القبول الموحد للجامعات الرسمية .. رابط
ترفيعات وانهاء خدمات في التربية - أسماء
واشنطن تقر دواءً لعلاج التوحد وسط تحذيرات من ترامب للنساء
توقيف قاتل الشاب القادري 15 يوماً
الاعتراف بدولة فلسطين: رمزية أم تغيير في قواعد اللعبة
تحديات جسيمة تنتظر رئيس جامعة اليرموك الجديد
من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية
18 باحثاً من اليرموك ضمن قائمة الأكثر تأثيراً عالمياً .. أسماء