اسمه روزي

mainThumb

28-09-2025 12:58 PM

حطَّت الرواية على شاشتي وبدأت بتقليبها. تقليبُ كتاب عبر الشاشة فنٌّ. وأنا قارئة نهمة ولست ناقدةَ أدب. عنوان الرواية «ارتدادات الذاكرة». والتوقيع روزي حجي. اسم لا يخلو من جاذبية، يكفي للإيقاع بقارئ يبحث عن جديد. يزيد في الإغراء أنَّ الرواية من تشاد. البلد الذي لا أعرف شيئاً عن كتابه وكاتباته.

ثم حدث أن مصادفة سعيدة قادتني إلى مقهى زهرة البستان، في القاهرة. وهناك التقيت بروزي. شاب أسمر يقول إن اسمه الحقيقي محمد. حسناً، ليس أول من ينصب مثل هذا الفخ. سبقه الضابط الجزائري السابق محمد مولسهول الذي ينشر روايات رائجة باسم ياسمينة خضرا. قلت لروزي: «يبدو لي أنك حدوتة، ليست مصرية بل تشادية». يضحك الروائي الخجول ويستسلم لفضولي. عربيته قويمة ولغته الأم هي «الدرعا»، إحدى لغات إثنية «التبو». يجيد أيضاً الفرنسية والتركية، وبدأ يتعلم الإنجليزية.

مات والد محمد حجي وهو صغير. كان له شقيق وشقيقتان وأربعة غير أشقاء. يحكي بكثير من الحب عن والدته. اسمها بلغتهم حجادي جوكيروا، وفي الهوية خديجة موسى. نازعها الأعمام على الميراث فسافرت إلى السعودية وعملت هناك. تركته وهو ابن خمس سنوات في عهدة شقيقها الأصغر، خاله، الذي اهتم بتعليمه. اسم الخال روزي. وهو ما استعاره الكاتب المبتدئ توقيعاً أدبياً له. عادت الأم إلى العاصمة نجامينا واجتمع الشمل. تعمل في تجارة الذهب وتوصيه بالصلاة وبالزواج. خافت عليه أخواته من سحر الروايات واعتقدن أنه سيجنّ. لكن خديجة قالت للجميع: «دعوه يكتب ما دامت الكتابة تسعده».

نشر روزي روايتين: «زمن الملل» و«ارتدادات الذاكرة». نقرأ: «كنت صبياً غراً حين ساقوني بالقوة إلى أبشّة، مكبلاً بالخوف والأغلال، تحت شمس حارة وسماء زرقاء كصفحة البحر. كنا نسرع الخطى بينما كانوا على أحصنة وفي أيديهم سياط تنزل علينا إذا تلكأنا. بعد أيام من المشي لم أعد أشعر بباطن قدميّ. قالوا لنا: لقد تركتم دياركم خلفكم وأنتم منذ الآن عبيد». بين وصول الراوي صغيراً وبين فراره حصلت أشياء كثيرة. خرج برأس أشيب.

رواية روزي الجديدة «ثلاثية نجامينا» تنتظر ناشراً وقد وعدوه خيراً. كتب عن عيشة المرّ في بلد حكمه رئيس لثلاثين عاماً. مات وترك أبناءه يتنازعون السلطة. بركاي، هو الشخصية الرئيسة. شاب يفقد ساقه في الحرب الأهلية. يلتحق بأبيه العسكري السابق الذي هاجر إلى فرنسا بعد انقلاب فاشل. الاكتئاب زاد المهاجرين. والانتحار هاجسهم. يعرض الكاتب واقعاً أفريقياً صعباً وموتاً مجانيّاً وبلاد لا تخرج من حرب إلا لتدخل أخرى. شبان فقراء بلا عمل. تدغدغهم أحلام الهجرة. يزحفون عبر الصحراء الليبية ويركبون قوارب الموت. يبتلعهم البحر أو يصلون قارة مرفهة سرقت ثروات أرضهم.

يأمل روزي حجي أن تكون روايته حاضرة في معرض القاهرة المقبل للكتاب. أمسح رأسه بكفّي. كاهنة تستدعي معجزة صغيرة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد