الشهرة والمعرفة
من الأشياء التي قد تسبب ضيقا للمبدعين في مجال الآداب والفنون، خاصة الذين يملكون غرورا ما، وثقة أكبر من المعتاد في أنفسهم، وأنهم معروفون في الدنيا كلها، أن يصادفهم شخص لا يعرفهم، أو لم يتعرف عليهم، أو أساسا لم يسمع بهم من قبل، ويتعامل معهم بوصفهم أشخاصا مجهولين، وقد يسأل أحدهم كاتبا أو فنانا لامعا عن اسمه، ومهنته، فيسبب له صدمة، ربما تغير من مفهومه للشهرة.
وبالرغم من وجود وسائل معرفة كثيرة في هذا الزمان، ووسائل بلا حدود يمكن أن ينتشر بها المبدع، تظل مسألة عدم معرفته موجودة لدى البعض، إما أنهم غير مهتمين أصلا بمحاولة معرفة شيء، أو لم يصادفهم اسمه ووجهه في ما يتصفحونه من صفحات في المواقع الخاصة، ووسائل التواصل الاجتماعي، وحتى في مجموعات الواتسآب التي تنشر حتى الهمس، ومقادير إعداد الوجبات عند ربات البيوت، والكثير من الفوضى، التي كنا نعتبرها حتى عهد قريب، غير قابلة للنشر والتداول.
أذكر أنني جلست في إحدى المرات، بجانب كاتب عربي لامع، في مطار عربي، كنت في بداياتي، وكثير الاطلاع، وأحاول بشتى السبل أن لا يفوتني شيء في المشهد الثقافي العربي. كنت أقتني الكتب وأقرأ المقالات وأشتري مجلات مثل «الطليعة» و«الأقلام» و«إبداع»، ولدي اشتراك في صحيفة «أخبار الأدب» المصرية التي كان يرأس تحريرها جمال الغيطاني، ذلك الرجل البسيط المبدع، الذي ساعدني وساعد غيري مؤكد، أيام البدايات. كنت شاردا والرجل بجانبي بدا لي يحاول لفت نظري إلى نفسه، وتمعنت فيه، بدا لي مألوفا لكني لم أتعرف إليه. فجأة قال لي:
أنت من السودان؟
قلت: نعم.
سألني: لمن تقرأ من الكتاب؟
كان مدخلا غير مألوف، ما لم يكن مدخلا ثانويا، بالتأكيد ستعقبه دهاليز عميقة بعد ذلك، هكذا فكرت، وتوقعت أن يكون الرجل معروفا، ولم أتعرف إليه. كان يرتدي البدلة ورباط العنق، وبجانبه حقيبة سوداء صغيرة، من تلك التي تحوي الأوراق، وكانت تنتشر في تلك الأيام، قبل ظهور حقائب الكومبيوتر المحمول، الأكبر حجما. فكرت برهة، ثم قلت:
للأسف لا أقرأ إلا نادرا.
الرجل وبرغم خيبة الأمل، أصر على طرح شهرته. قال:
أنت تجلس بجانب كاتب كبير، ولا بد أن تقرأ لتعرفه.
ثم مد يده، التقط حقيبته، فتحها وأخرج منها كتابا، كان مجموعة قصصية صدرت حديثا له، فتح الصفحة الأولى، وقعها من دون أن يسألني عن اسمي، مدها لي، وحمل حقيبته وغادر، وكنت متأكدا أنه في قمة الاستياء.
ذلك الموقف، كان محرجا لي فعلا، وقد ظلمت نفسي، وأنا قارئ مجتهد كما أعتقد، وحتى بعد استلام الكتاب وإلقاء نظرة على اسم المؤلف، لم أتعرف إليه، وبعد سنوات من ذلك، التقيت بالرجل المشهور فعلا، كثيرا، حكيت له ذلك الموقف، وقال بأنه لا يذكر شيئا من ذلك.
أنا أواجه مواقف مثل هذه، لكنها لا تهمني كثيرا، وأعتبرها طرائف، تمر بالحياة وتزيدها بهجة، وعادي جدا أن يستوقفك أحدهم في مطار أو مول تجاري، يطلب التقاط صورة سيلفي معك، وفي النهاية يسألك: من أنت، حتى أكتب الاسم في فيسبوك مع الصورة.
وكنت أشارك مرة في مسابقة إقرأ، التي ينظمها مركز إثراء في السعودية، وتشكل نبضا حقيقيا للقراءة، ولقاء الكتاب والقراء المتميزين، وشاركت فيها مرات كثيرة كضيف، أوقفني مراهقان في حوالي السادسة أو السابعة عشر، كانا يريدان التقاط صورة مع شخصية معروفة، للتباهي بها. ولم يكن في المكان، أو في المهرجان عموما شخصية جاذبة لمراهق، فالأدب ليس غناء، أو كرة قدم، لتعثر في ندواته على نجم تفخر بالتقاط صورة معه، إنه فن متواضع، ومجال يجذب عددا محدودا من الناس.
سألني أحدهما: هل تمانع في التقاط صورة معك؟
قلت: هل تعرفاني؟
رد الآخر: لا والله، لكن نريد صورة مع ضيف، ولم نعثر على أحد نتصور معه.
كان موقفا طريفا بلا شك، أن تطلب من شخص صورة، ولا تعرف من هو، وما هي وظيفته، ولماذا جاء إلى مهرجان إثراء، ثم تلتقط صورا عدة، وفي اتجاهات مختلفة، وتذهب من دون أن تهتم بسؤال الشخص عن اسمه؟
أيضا يمكن أن يكون جارك مثلا، متخصصا في مجال ما، وأنت تزوره وتجلس معه، سنوات ولا تعرف ذلك. وقد كان لي جار يعمل في التربية والتعليم، ويكتب شعرا عموديا، وما زال يتحدث عن مواضيع تخطاها الزمن، مثل الشعر الحر وأحقيته في الانتشار، وقصيدة النثر، وأدب المرأة والفرق بينه وبين أدب الرجل. كان يقرأ قصائده علي، ويأتيني طارقا بابي كلما نظم قصيدة، ويقول دائما: آسف لأني أزعجك، أعرف أنك غير مهتم بالأدب.
كنت أستمع إليه، وأبدي آراء حذرة للغاية، وغالبا ما أشيد بقصيدته، نوعا من التشجيع.
في إحدى السنوات شاهدني الرجل مصادفة في قناة تلفزيونية، وعرف أنني مهتم جدا بالأدب، وجاءني راكضا ليعتذر لي عن جهله. وفي الحقيقة هو لم يكن جاهلا، فلا يمكنك أن تعرف كل الناس، وأنا أكتشف كل يوم مبدعا جديدا لم أكن أعرفه، وقلت مرة، أنني لم أسمع بالكاتب النيجيري بن أوكري إلا مؤخرا، بالرغم من أنه شديد اللمعان، وعرفته بعد أن نبهتني إليه الزميلة ليلى أبو العلا.
لكن وبرغم الطرائف التي ذكرتها، هناك أشياء محزنة، أن ينفق عالم عمره في اكتشاف شيء ما، أو إثبات نظرية تهم الناس، ولا يتعرف إليه أحد في المحافل. هذا يحزنني فعلا، وفي النهاية، تبدو الحياة عموما غير عادلة للبعض، وشديدة السخاء لآخرين لا يستحقون هذا السخاء.
*كاتب من السودان
لقاء يجمع ترامب ونتنياهو بالبيت الأبيض الاثنين
رئيس مجلس مفوضي هيئة الطيران يؤدي القسم القانوني
استشاري: هذه الأمراض تتصدر أسباب الوفيات في الأردن
مزاد علني لأرقام المركبات الأكثر تميزاً الاثنين
الأردن والعراق يبحثان تعزيز التعاون بمجال النفط والطاقة
اختفاء مفاجئ لمحاكي Eden من متجر جوجل بلاي
أسرة العندليب تحذر من حجوزات وهمية لزيارة منزله
يوتيوب تطلق ميزات جديدة لمشتركي Premium
قيمة الديون المتعثرة لدى الجهاز المصرفي تلامس 2 مليار دينار
المواصفات تطلق برنامج قرار بالتعاون مع مركز التجارة الدولية
ترامب يطالب بإقالة مسؤولة في مايكروسوفت لأسباب أمنية
iOS 26 يستهلك البطارية بسرعة وأبل تعترف
وزارة الصناعة: الصادرات لسوريا ستشهد ارتفاعا الفترة المقبلة
واشنطن تقر دواءً لعلاج التوحد وسط تحذيرات من ترامب للنساء
الاعتراف بدولة فلسطين: رمزية أم تغيير في قواعد اللعبة
إعلان نتائج القبول الموحد للجامعات الرسمية .. رابط
الزراعة النيابية تؤكد أهمية فتح أسواق خارجية وتعزيز الأمن الغذائي
الذهب يصل إلى أعلى مستوى له بتاريخ الأردن
خدمات الأعيان تتابع تنفيذ إستراتيجية النقل العام
من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية
الأحزاب والمالية تشيدان بخطاب الملك بالأمم المتحدة
موعد بدء استقبال طلبات إساءة الاختيار بالقبول الموحد
دراميات صانعي السلام .. إنقاذ اليهود