تحليل سوسيولوجي-نفسي لقرار هجمات 7 أكتوبر
الحصار واليأس والفعل الراديكالي: تحليل سوسيولوجي-نفسي للقرار وراء هجمات 7 أكتوبر في السياق الفلسطيني
الملخص
يهدف هذه المقال إلى تحليل الإطار النفسي والاجتماعي والتاريخي الذي ساهم في اتخاذ قرار تنفيذ هجمات 7 أكتوبر 2023. يعتمد المقال على منهج سوسيولوجي-نفسي عميق مستند إلى أعمال دوركايم (الأنومي واليأس الوجودي)، وفانون (العنف التحرري واستعادة الكرامة)، وبورديو (الفعل الرمزي وتحطيم الوضع الراهن). تُركز الدراسة على دمج السياق التاريخي للاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عام 1948 ومؤشرات سياسات الضغط الممنهج كعوامل مباشرة في تشكيل الوعي الجمعي، وبخاصة الحصار، الاستيطان، القتل، والاعتقال المنهجي.
تشير النتائج إلى أن الهجمات كانت فعلًا رمزيًا راديكاليًا يعكس وعيًا جمعيًا متشكلًا تحت وطأة الحصار الطويل والإذلال المستمر وفشل مسارات الحل، أكثر من كونها مجرد عملية عسكرية. لقد كان الهدف هو استخدام "الفعل الرمزي العنيف" لإعادة ترتيب الأولويات السياسية والأخلاقية في الصراع، بغض النظر عن العواقب المدمرة المباشرة، كاستجابة أخيرة للانسداد الوجودي.
1. المقدمة:
تمثل أحداث 7 أكتوبر 2023 (عملية "طوفان الأقصى") نقطة تحول بارزة في مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ولفهم الدوافع الحقيقية وراء اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر الوجودية، يجب تجاوز التحليل العسكري والاقتصادي السطحي.
تتبنى هذه الورقة منظورًا سيكولوجيًا جمعيًا وعلم اجتماع سياسي، مركزة على التفاعلات بين الوعي الجمعي في غزة والضغوط المستمرة للحصار والممارسات التمييزية، إضافةً إلى السياق التاريخي للاحتلال وفشل عملية التسوية السياسية. يمثل هذا التحليل محاولة لتفكيك القرار من منظور التضحية الراديكالية كاحتجاج وجودي.
2. الإطار النظري
2.1 الأنومي والانتحار الأنومي – إميل دوركايم
يفسر دوركايم الظاهرة كنتيجة لـالأنومي (Anomie)، أي حالة انهيار المعايير الاجتماعية والضوابط الأخلاقية التي تنظم تطلعات الأفراد. هذا الانهيار يولد شعوراً بالفراغ واليأس عندما تتجاوز التوقعات إمكانيات تحقيقها بشكل مستمر وممنهج.
الأنومي والانتحار الأنومي: توسع نظري وتطبيق في سياق غزة
المفهوم الأساسي للأنومي (Anomie) عند دوركايم
الأنومي، وفقًا لإميل دوركايم في كتابه الانتحار: دراسة سوسيولوجية (1897)، ليست مجرد حالة فردية من اليأس، بل هي مرض اجتماعي ينشأ عن غياب أو ضعف التنظيم الاجتماعي. يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. انهيار الضبط الاجتماعي: يحدث الأنومي عندما تفشل المؤسسات الاجتماعية (مثل الدولة، القانون، الدين، وحتى السوق الاقتصادي) في فرض معايير واضحة ومستقرة لضبط طموحات الأفراد ورغباتهم. يصبح الأفراد غير قادرين على معرفة ما هو عادل أو ممكن أو مشروع.
2. التطلعات غير المحدودة: في الحالة الطبيعية، تضع المعايير الاجتماعية حدودًا لما يمكن أن يطمح إليه الفرد. عندما تنهار هذه الحدود (حالة الأنومي)، تصبح تطلعات الأفراد غير محدودة. وبما أن الواقع المادي لا يمكن أن يلبي رغبات غير محدودة، فإن الفرد يقع في حلقة مفرغة من الإحباط المستمر واللامتناهي.
3. الانتحار الأنومي: ينشأ هذا النوع من الانتحار (أو الفعل التدميري) نتيجة الفراغ واليأس الناجم عن هذا الإحباط اللامتناهي وفقدان المعيار. يصبح الموت هو الملاذ لإنهاء هذا الشعور القاتل بغياب الهدف.
تطبيق الأنومي على الوعي الجمعي في غزة
في حالة غزة، يُفهم الحصار كآلية مادية وسياسية أنتجت الأنومي الجماعي، حيث تجاوزت الآثارُ الاقتصاديةُ والنفسيةُ الأفرادَ لتصبح سمةً للوجود الجمعي:
1. الأنومي الاقتصادي واليأس المادي:
الحصار لم يكن مجرد قيود؛ كان تدميرًا ممنهجًا للتنظيم الاقتصادي والاجتماعي، مما خلق بيئة الأنومي المادية:
• فقدان التنظيم الاقتصادي: عندما تبلغ البطالة مستويات قياسية (أكثر من 60% في غزة)، وتعتمد الأغلبية الساحقة على المساعدات، فإن قواعد العمل الشريف والمكافأة على الجهد تنهار. يدرك الفرد أن نجاحه أو فشله لا يعتمد على اجتهاده، بل على متغيرات خارجية (السماح بدخول بضاعة، فتح معبر). هذا يمثل انهيارًا كاملًا للمعايير الاقتصادية.
• الإحباط اللامتناهي: تظل التطلعات الطبيعية للحياة (الزواج، العمل، الاستقرار) قائمة، لكن الحصار يجعل إمكانيات تحقيقها صفرًا فعليًا. هذا الفارق الشاسع بين التطلعات والإمكانيات هو جوهر الإحباط الأنومي.
2. الأنومي السياسي والأخلاقي:
الأخطر هو انهيار الثقة في المعايير الدولية أو العدالة القانونية (الضوابط الأخلاقية والسياسية):
• تآكل الثقة في المؤسسات: فشل جميع المسارات الدبلوماسية وعمليات السلام في إنهاء الحصار أو الاحتلال، مع استمرار الإذلال والاعتقالات، يؤدي إلى فقدان الإيمان بفعالية القانون الدولي أو الأمم المتحدة.
• الشعور بالاختناق الوجودي: تصبح الحياة تحت الحصار "حالة جامدة" أو "موتًا ببطء". هذا الشعور الوجودي بأنهم متروكون تمامًا، وأن لا أحد (لا المجتمع الدولي ولا القوة الذاتية) يمكن أن يغير واقعهم، يمثل ذروة اليأس الأنومي.
3. الفعل الراديكالي كـ"انتحار أنومي رمزي جماعي"
هنا، يتحول الفعل العسكري الراديكالي إلى وظيفة سوسيولوجية:
• إنهاء الحالة الجامدة: القرار المحفوف بالمخاطر (7 أكتوبر) يُفهم كاختيار إنهاء حالة الأنومي الجماعية (الموت البطيء واليائس) من خلال مخاطرة وجودية هائلة. إنه ليس انتحارًا بالمعنى الحرفي، بل تضحية راديكالية يراها الفاعل كأقل سوءًا من الاستمرار في العيش بلا كرامة وبلا أفق.
• الفعل الرمزي: الهدف هو تحطيم الحالة المعيارية التي فرضها الاحتلال والحصار (وهي حالة الصمت والقبول). هذا الفعل العنيف هو محاولة لإعادة بناء معنى الوجود الجماعي في وجه الأنومي المُهلك.
باختصار، يفسر إطار دوركايم الفعل الراديكالي باعتباره انفجارًا للغضب المتراكم ضد نظام اجتماعي وسياسي وأخلاقي فشل تمامًا في تلبية أبسط شروط الحياة الإنسانية والعدالة، مما دفع الجماعة إلى البحث عن وسيلة لتغيير هذا المصير اليائس، حتى لو كان الثمن هو التدمير الذاتي والجمعي.
2.2 العنف التحرري – فرانز فانون
يؤكد فانون أن العنف في سياق التحرر يعمل كـأداة نفسية واسترداد للإنسانية المهدورة. يرى فانون أن المستعمَر، الذي تم تجريده من كرامته وتحويله إلى كائن مستلَب (مفعول به)، لا يمكنه استعادة الوكالة الذاتية (Agency) إلا عبر فعل عنيف يكسر صورة المستعمر المهيمنة ويعيد إليه إنسانيته المفقودة.
بالنسبة للفلسطينيين، يُعد الإذلال المنظم وسياسات التهميش والحصار والاعتقال الممنهج بمثابة استلاب مستمر. فالاعتقال يُجرد الفرد من حريته وكرامته ويُشكل تهديداً وجودياً مستمراً للنسيج الأسري والاجتماعي. يُفهم القرار هنا كـخطوة وجودية لقلب العلاقة من العجز إلى الوكالة، حيث أن المخاطرة المصيرية في 7 أكتوبر هي وسيلة لتأكيد الهوية الجماعية المقاومة وإعلان رفض حالة التبعية والاستلاب.
العنف التحرري: توسع نظري وتطبيق في سياق الإذلال الفلسطيني
1. الاستلاب (Alienation) والنزع من الإنسانية
يرتكز تحليل فانون في كتاب "معذبو الأرض" (The Wretched of the Earth) على فكرة أن النظام الاستعماري لا يقتصر على السيطرة الاقتصادية والسياسية، بل هو آلة لـ "نزع الإنسانية" (Dehumanization). المستعمَر يُعامل كـ "كائن مستلَب"(Object)، وليس "ذات فاعلة" (Subject).
• الوجود في عالم مُنقسم: يُصوِّر فانون العالم الاستعماري على أنه مُنقسم ثنائيًا (عالم المستعمِر وعالم المستعمَر). عالم المستعمَر هو عالم العوز، الإذلال، واللامشروعية. هذا الانقسام المادي يخلق انقسامًا نفسيًا داخليًا، حيث يشعر المستعمَر بالضآلة والخزي، ويضطر لتجسيد صورة سلبية عن ذاته (الاستلاب النفسي).
• الإذلال كسياسة منهجية: في السياق الفلسطيني، تتجسد سياسات الإذلال في الحصار، ونقاط التفتيش، والاعتقال المنهجي. الاعتقال لا يستهدف فقط إزالة المقاومين جسديًا، بل يستهدف كسر الروح الجماعية بتحويل الجسد الفلسطيني إلى مادة تحت السيطرة، قابلة للسجن والتفتيش والاحتجاز الإداري دون سبب، مما يعزز الاستلاب.
2. العنف كـ "طاقة تطهيرية" واسترداد للكرامة (Cathartic Function)
في مواجهة هذا الاستلاب التام، يصبح العنف ضرورة وجودية لا مجرد تكتيك عسكري:
• تحويل الطاقة السلبية: يرى فانون أن الضغط الاستعماري يولد طاقة غضب هائلة. إذا لم تُوجَّه هذه الطاقة نحو المستعمِر، فإنها تتحول إلى "عنف داخلي" يظهر في الصراعات القبلية، الجريمة، أو الأمراض النفسية داخل مجتمع المستعمَر نفسه. العنف التحرري هو آلية "تطهيرية" (Cathartic) لإعادة توجيه هذه الطاقة المدمرة نحو مصدرها الحقيقي.
• استعادة الوكالة الذاتية (Agency): عندما يمارس المستلَب العنف ضد المستعمِر، فإنه يكسر الصورة المهيمنة بشكل جذري. في تلك اللحظة، يتوقف عن كونه "مفعولًا به" ليصبح "فاعلًا". هذا الفعل يؤكد كونه كيانًا إنسانيًا فعالًا يستحق الكرامة ويستطيع تشكيل مصيره. المخاطرة المصيرية تُعيد للمجموعة "السيادة على الجسد" و"السيادة على السردية".
3. تطبيقاً على هجمات 7 أكتوبر
يُفهم قرار 7 أكتوبر كـنقطة انفجار وجودية ناتجة عن تراكم عقود من الاستلاب:
• كسر جدار العزل: يمثل اختراق الحاجز الأمني حول غزة (ما يُسمى "سوار غزة") كسرًا لرمز مادي ونفسي للاستلاب والحصار. إنه إعلان بأن الجماعة ترفض أن تظل مُحتواة ومُهمّشة.
• تحويل الاعتقال إلى أداة ضغط: تُشكل سياسات الاعتقال والإذلال الممنهج تهديدًا مستمرًا للهوية الفلسطينية. القرار بالهجوم والمخاطرة الوجودية (حتى لو كان ثمنها باهظًا) هو إعلان بأن الأمن لم يعد حكرًا على المستعمِر، وأن ثمن استمرار الإذلال (والاعتقال) سيكون باهظًا.
• تأكيد الهوية المقاوِمة: يصبح هذا الفعل الراديكالي وسيلة جماعية لتأكيد الهوية، ليس فقط كضحية، بل كذات مقاوِمة وفاعلة قادرة على التحدي، وهي خطوة حاسمة في العملية النفسية للتحرر.
بهذا المعنى، فإن العنف التحرري ليس مجرد أداة لإحداث خسائر، بل هو عملية إعادة بناء جذرية للذات الجمعية التي دمرها النظام الاستعماري والإذلال الممنهج.
2.3 الفعل الرمزي العنيف – بيير بورديو
يشير بورديو إلى أن الفعل الاجتماعي قد يكون رمزيًا يهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الاجتماعي والمعاني السائدة في الحقل (Field) السياسي، متجاوزاً منطق العقلانية الأداتية (التكلفة مقابل المنفعة المباشرة).
تُفسِّر هذه النظرية هجمات 7 أكتوبر كـ "فعل رمزي عنيف" هدفه الأسمى ليس الانتصار العسكري المباشر، بل كان تحدي النظام القائم على مستوى المعاني: إثبات أن الأمن الإسرائيلي غير مطلق، وفضح صمت المجتمع الدولي، وتغيير الأجندة العالمية من "إدارة الأزمة" إلى "إنهاء الاحتلال". الفعل، بحدته ورمزيته، هو محاولة لإجبار الجميع على إعادة تقييم الأولويات الأخلاقية والسياسية للصراع.
الفعل الرمزي العنيف: توسع نظري وتطبيق في سياق الصراع الفلسطيني
1. مفهوم الفعل الرمزي والحقل السياسي عند بورديو
يرتكز تحليل بورديو على أن الحياة الاجتماعية تُدار وتُنافَس داخل "الحقول" (Fields)، وهي مساحات تنافسية حيث تتصارع القوى الفاعلة على "رأس المال" (Capital) الخاص بهذا الحقل (سواء كان رأس مال اقتصاديًا، ثقافيًا، أو اجتماعيًا).
• الفعل الرمزي: يشير إلى أي فعل (كلامي، جسدي، طقوسي) يهدف إلى فرض رؤية معينة للعالم أو فرض "معانٍ" محددة. هذه المعاني تخلق "القوة الرمزية" (Symbolic Power)، وهي القدرة على جعل الآخرين يوافقون على تعريف معين للواقع، حتى دون استخدام القوة المادية المباشرة.
• تجاوز العقلانية الأداتية: الفعل الرمزي غالبًا ما يكون "غير عقلاني" من منظور التكلفة-المنفعة المباشرة. فالفاعل يدرك أن التكلفة المادية (الدمار والخسائر) ستكون فادحة، لكنه يختار هذا الفعل لأنه يراه ضروريًا لتحقيق هدف أسمى: تغيير قواعد اللعبة في الحقل السياسي.
2. تحويل الصراع من المجال العسكري إلى المجال الرمزي
في سياق الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تمثّل هجمات 7 أكتوبر محاولة جذرية لإعادة تعريف "رأس المال الأمني والسياسي" في هذا الحقل:
• تحدي "الوضع الراهن" (Status Quo) القمعي: كان الوضع الراهن السائد هو: "الأمن الإسرائيلي المطلق مقابل العزل والإذلال الفلسطيني الدائم". هذا الوضع خلق جمودًا سياسيًا عالميًا يخدم الاحتلال (الإذعان لحل الدولتين دون تطبيقه فعليًا). الفعل الرمزي العنيف كان يهدف إلى تدمير هذا المعنى الرمزي للقوة الإسرائيلية المنيعة.
• إثبات "لا-أمن" (Insecurity): الهدف الأسمى للهجوم لم يكن احتلال بلدات، بل تدمير الرمزية الكاملة لسور الفصل وحاجز غزة الأمني. هذا الاختراق الواسع أثبت أن الأمن المطلق غير موجود، وبذلك تم سحب أهم أشكال "القوة الرمزية" التي كان الكيان يمتلكها في الحقل الدولي والإقليمي.
• القوة الرمزية للعنف: استخدمت حماس العنف بحدة غير مسبوقة لتحقيق غايات رمزية وليست عسكرية تقليدية. تمثلت هذه الغايات في:
o إعادة ترتيب الأجندة الدولية: إجبار القوى العالمية على التوقف عن الحديث عن "إدارة الأزمة" والبدء في مواجهة "جذور الصراع" (الاحتلال والحصار).
o فضح النفاق الأخلاقي: المقامرة على أن الرد الإسرائيلي سيكون مفرطًا، مما يكشف تناقضًا جوهريًا في القيم الأخلاقية والأمنية للدول الغربية الداعمة، وبالتالي سحب جزء من الشرعية الرمزية التي تتمتع بها إسرائيل دوليًا.
3. الفعل الرمزي العنيف كـ "نداء أخير"
من منظور بورديو، يصبح هذا الفعل بمثابة "نداء أخير" يائس، لكنه محسوب رمزيًا، عندما تكون جميع أدوات التعبير الأخرى قد فشلت.
• إلغاء الشرعية: يهدف الفعل إلى إلغاء الشرعية الرمزية للعملية السياسية الميتة (مسار التسوية) وإحلال سردية الصراع الجذري محلها.
• تحويل الحقل: بتحويل ساحة الصراع من مجرد ميدان عسكري (حيث تتفوق إسرائيل) إلى المجال الأخلاقي والقانوني الدولي (حيث تتكشف التناقضات)، تكون المقاومة قد استخدمت الفعل العنيف لإعادة تشكيل حقل الصراع لصالحها رمزيًا.
بهذا، يُنظر إلى هجمات 7 أكتوبر على أنها تكتيك راديكالي لـ"كسر الجمود الرمزي" الذي كان يُديم حالة الأنومي (دوركايم) والإذلال (فانون).
3. التحليل
3.1 السياق التراكمي: الاحتلال، الحصار، والاعتقال الممنهج
إن السياق الذي أنتج قرار 7 أكتوبر هو تراكم تاريخي من الضغوط المادية والنفسية:
1. الحصار الطويل والأزمة الاقتصادية (البيئة المادية للأنومي):
غزة تعيش تحت حصار مستمر منذ 2007، مما أدى إلى انهيار اقتصادي واجتماعي مدمر، وشكّل البيئة المادية لـالأنومي الجماعي:
• البطالة والفقر: تجاوز معدل البطالة في غزة قبل الهجمات 60% بشكل عام، ويعتمد أكثر من 80% من السكان على المساعدات.
• تدهور البنية التحتية: أصبحت غزة منطقة غير قابلة للعيش، حيث أن 97% من المياه غير صالحة للاستهلاك الآدمي. هذا الوضع يرسخ اليأس ويدفع نحو الرفض الراديكالي لحالة الموت البطيء.
2. الاحتلال، الاستيطان، القتل، والاعتقال الممنهج (مُنتجات الإذلال الفانوني):
إن فشل مسار التسوية أدى إلى تعميق سياسات الضغط الممنهج التي تغذي الغضب الفانوني:
• توسع الاستيطان والقتل: استمرت سياسات الاستيطان وضم الأراضي، إلى جانب القتل والإذلال اليومي في الضفة الغربية والقدس، مما زاد من الشعور بالاستلاب.
• الاعتقال الممنهج كأداة إذلال: يُعد الاعتقال أداة أساسية في الإذلال المنظم. الأرقام تشير إلى اعتقال الآلاف سنويًا (على سبيل المثال، تم اعتقال نحو 10 آلاف فلسطيني وفلسطينية في عام 2023 حتى نهاية ديسمبر، منهم 4876 بعد 7 أكتوبر [وفق إحصائيات 2023]). الاعتقالات الإدارية واحتجاز الأسرى كوسيلة ضغط على المقاومة تُشكل اعتداءً مستمراً على الكرامة، وتُحيل الفرد إلى مجرد ورقة تفاوض، مما يعزز الحاجة النفسية إلى فعل يكسر هذا النمط المُمَنهج من الاستلاب (إطار فانون).
3. فشل المسارات الأخرى (الانسداد السياسي لبورديو):
عدم وجود أي مسار دبلوماسي أو سياسي حقيقي لإنهاء الاحتلال عزز القناعة بأن "إدارة الأزمة" تعني إطالة أمد الاحتلال والضغط. هذا الإغلاق التام للأفق السياسي يرسخ فكرة "الانسداد الوجودي" الذي يدفع نحو الفعل الرمزي العنيف كوسيلة وحيدة لإحداث اختراق.
3.2 السيكولوجيا الجمعية والوعي المشترك
• التجسيد (Embodiment): السنوار يمثل تجسيدًا لإرادة الجمع وإحباطه، ورفض الوعي الجمعي للموت البطيء تحت الأنومي.
• من العجز إلى الوكالة (From Helplessness to Agency): الفعل العنيف يحول الأفراد من كائن مستلب، يهدده الاعتقال والإذلال في كل لحظة، إلى فاعل، مستعيدًا السيطرة على سردية الصراع، وهذه هي القوة الدافعة المركزية وفق فانون.
3.3 الاستراتيجية المحسوبة: كشف الوضع الراهن
• كشف التناقض: الهدف الأقصى للعملية كان فضح الطبيعة الحقيقية للاحتلال أمام المجتمع الدولي وتجريد إسرائيل من صورة "الضحية" و"الديمقراطية الوحيدة".
• المقامرة على الشرعية: تراهن العملية على أن الرد الإسرائيلي المتوقع سيكون غير متناسب ويكشف تضارب القيم والأخلاق، محولًا ساحة الصراع من الميدان العسكري إلى المجال الأخلاقي والسياسي الدولي (الفعل الرمزي).
4. المناقشة والخلافات
• التكلفة الإنسانية: التحليل لا يغفل عن الدمار الفادح الذي حل بالمدنيين، والذي يطرح تساؤلات أخلاقية جوهرية عن عقلانية القرار من منظور إنساني بحت.
• النقد الاستراتيجي العقلاني: القرار محفوف بالمخاطر وتكلفة التدمير كانت متوقعة، مما يثير تساؤلات عن عقلانية القرار من منظور التكلفة-المنفعة العسكرية البحتة.
5. الخاتمة
توفر هذه الورقة فهمًا لهجمات 7 أكتوبر كـفعل احتجاجي وجودي راديكالي، نشأ عن وعي جمعي متشكل تحت وطأة: الأنومي الناتج عن الحصار الطويل، والإذلال السياسي والاجتماعي، والاعتقال الممنهج الذي يفتك بالكرامة، وفشل مسار التسوية منذ 1948. كان الهدف هو تحطيم الوضع الراهن وإجبار العالم على مواجهة التناقضات الجوهرية للصراع، حتى لو تطلب ذلك تدمير الذات والآخر. هذا الفهم ضروري لأي تحليل شامل لجذور واستمرارية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
6. المراجع (References) – APA 7
• Bourdieu, P. (1977). Outline of a theory of practice. Cambridge: Cambridge University Press.
• Durkheim, E. (1897). Suicide: A study in sociology. Paris: F. Alcan.
• Fanon, F. (1961). The Wretched of the Earth. Paris: Maspero.
• Roy, S. (2016). The Gaza Strip: The political economy of de-development. London: Institute for Palestine Studies.
• Said, E. W. (1978). Orientalism. New York: Pantheon Books.
• Various authors. (2010–2023). Literature on Palestinian resistance & Hamas strategy.
7. الملحقات
الملحق 1: مخطط زمني مُركَّز للحصار وتصاعد اليأس الجماعي (2007–2023)
هذا المخطط يربط بين الأحداث الرئيسية في غزة وبين تصاعد المؤشرات السوسيولوجية والنفسية، ليجسد نشأة حالة الأنومي الجماعي التي تحدث عنها دوركايم.
الفترة الزمنية الحدث الرئيسي والسياسات الإسرائيلية المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في غزة (تجسيد الأنومي) المؤشر النفسي/الاجتماعي المُتراكم
2007–2008 فرض الحصار الشامل (إغلاق المعابر، قيود على الحركة والتجارة). ارتفاع معدل البطالة لأكثر من 40%. تدهور البنية التحتية الأساسية. الصدمة الأولية واليأس من النجاة الاقتصادية: بداية انهيار المعايير المعيشية.
2012–2014 عمليات عسكرية واسعة متكررة ("عمود السحاب"، "الجرف الصامد"). زيادة حادة في أعداد الضحايا المدنيين. ارتفاع الاعتماد على المساعدات الخارجية إلى أكثر من 80% من السكان. تقدير خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات. الرعب المُمنهج وفقدان الأمان الوجودي: تحول اليأس إلى غضب كامن.
2017–2020 تضييق القيود على الصيد والتصدير. استمرار سياسة الاعتقال الإداري. وصول معدلات البطالة بين الشباب إلى ما يقارب 65%. 97% من المياه غير صالحة للشرب [الأمم المتحدة]. الاختناق الوجودي وانسداد الأفق: ترسيخ القناعة بأن "الحل" مستحيل تحت الوضع الراهن.
2021–سبتمبر 2023 استمرار اقتحامات الأقصى وسياسات الإذلال في الضفة والقدس. تزايد الاعتقالات السنوية. استقرار مؤشرات الفقر عند مستويات قياسية. استنزاف كل سبل المقاومة المدنية. نضوج الوعي الراديكالي: تزايد الاستعداد لـ "المخاطرة الوجودية" كفعل تحريري أخير (استجابة فانون).
الملحق 2: خريطة العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية المؤثرة على القرار الراديكالي
يوضح هذا المخطط تفاعل الأطر النظرية الثلاثة (دوركايم، فانون، بورديو) مع السياق الفلسطيني لتشكيل قرار 7 أكتوبر كـ"فعل رمزي عنيف".
المكون التحليلي العامل السوسيولوجي-النفسي (المنظور) الدافع وراء هجمات 7 أكتوبر (الإطار النظري)
البعد الاقتصادي/المعياري الحصار الممنهج وتدمير الحياة (الأنومي – دوركايم) الهروب من الموت البطيء: تكسير حالة الشلل واليأس الناتجة عن الانهيار المعياري والاقتصادي.
البعد النفسي/الكرامة الإذلال المنظم والاعتقال وفقدان السيطرة (العنف التحرري – فانون) استعادة الفاعلية (الوكالة): تحويل الذات من "كائن مُستلب" إلى "فاعل ذاتي"، عبر عملية عنف مُطهرة لاسترداد الكرامة المسلوبة.
البعد السياسي/الاستراتيجي فشل المسارات الأخرى وجمود الواقع (الفعل الرمزي – بورديو) تحطيم الوضع الراهن (Status Quo): إثبات أن الأمن مستحيل دون إنهاء الاحتلال، وإجبار الأطراف على إعادة ترتيب الأولويات السياسية والأخلاقية.
النتيجة المدمجة للقرار الوعي الجمعي الراديكالي الفعل الرمزي العنيف: مقامرة وجودية على المجال الأخلاقي والسياسي الدولي، بهدف الكشف عن التناقضات الدولية.
الملحق 3: أدوات التحليل: مؤشرات الأنومي والفعل الرمزي والعنيف
يقدم هذا الجدول مقاييس كيفية قراءة الأحداث والأفعال كدليل على الأطر النظرية المُستخدمة.
الإطار النظري مؤشرات التحقق السوسيولوجية/النفسية في غزة كيف يتجلى في هجمات 7 أكتوبر؟
الأنومي (دوركايم) 1. معدلات قياسية للبطالة والفقر. 2. انهيار البنى التحتية (مياه، كهرباء). 3. فقدان الأمل في التغيير عبر الأدوات السلمية/السياسية. القرار نفسه: اختيار المجازفة الوجودية العظمى على حساب الاستمرار في العيش تحت الانهيار المعياري والاقتصادي.
العنف التحرري (فانون) 1. تزايد الإذلال المنهجي والاعتقالات (نحو 10 آلاف معتقل في 2023). 2. الشعور العميق بالاستلاب وفقدان السيطرة. الطريقة والتنفيذ: استعراض القوة غير المسبوق، واختراق الحواجز (الرمزية والمادية)، وتأكيد الذات الفاعلة في وجه القوة القمعية.
الفعل الرمزي (بورديو) 1. إدراك أن النتائج العسكرية المباشرة ستكون محدودة. 2. التركيز على "رسالة" الفعل بدلاً من "نتيجته". 3. استهداف رموز القوة الإسرائيلية (المواقع العسكرية المحصنة). الرسالة والهدف: إثبات فشل الردع الإسرائيلي ("سوار غزة")، وإجبار العالم على التفاعل، وتحويل ساحة الصراع إلى ساحة أخلاقية عالمية.
التعليم العالي تكرم أوائل الطلبة الوافدين من الجامعات الأردنية
وزير الداخلية يتفقد مديرية أحوال وجوازات الزرقاء
مشروع طمأنة لتعزيز تقبل وأمان المجتمع
اطلاق بوابة التجارة والاداء اللوجستي في العقبة
بلدية الزرقاء: احالة موظفين بتهمة التزوير للقضاء
محكمة أردنية تدين ستينيًا بالاتجار بالبشر
الممر الإغاثي الأردني: رمز الصمود
الحنيطي يستقبل وفداً من شركة أسيلسان
الرمثا : اتفاقية لاستكمال مبنى مجمع الدوائر
المقابلة رئيسا لاتحاد التايكواندو في قارة أوقيانوسيا
50 شهيدًا في قطاع غزة خلال يوم
تحليل سوسيولوجي-نفسي لقرار هجمات 7 أكتوبر
وزيرة التنمية: تمكين الشباب وتعزيز التطوع المجتمعي
الاعتراف بدولة فلسطين: رمزية أم تغيير في قواعد اللعبة
الذهب يصل إلى أعلى مستوى له بتاريخ الأردن
واشنطن تقر دواءً لعلاج التوحد وسط تحذيرات من ترامب للنساء
الأحزاب والمالية تشيدان بخطاب الملك بالأمم المتحدة
خدمات الأعيان تتابع تنفيذ إستراتيجية النقل العام
من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية
الزراعة النيابية تؤكد أهمية فتح أسواق خارجية وتعزيز الأمن الغذائي
دراميات صانعي السلام .. إنقاذ اليهود
عطية يطالب الحكومة بتجميد قرار رفع الرسوم الجامعية في جامعة مؤتة
هل يُعدّ الباراسيتامول خياراً آمناً للنساء الحوامل