قراءة في كتاب ملك وشعب

mainThumb

06-10-2025 10:09 AM

(22) المبادرات الملكية السامية – الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك
يعد كتاب "ملك وشعب" الذي أصدره الديوان الملكي الهاشمي العامر منجزا وطنيا هاما يوثّق المبادرات الملكية السامية الزاخرة بالخير والعطاء والإنسانية ضمن رحلة خيّرة لا ينضب عطاؤها بين ملك إنسان وأبناء شعبه.

إن هذا الملف الإنساني والتنمّوي الذي يوليه جلالة سيدنا كل إهتمام حيث أسند أمر متابعته وتنفيذه إلى لجنة برئاسة معالي الأستاذ يوسف حسن العيسوي رئيس الديوان الملكي الهاشمي ضمن فريق عمل مخلص وجاد ليعكس صورة إرتباط ملك رحيم تجلّت صفات الإنسانية بأجل صورها مع أبناء شعبه الأردني بروح تنم عن إنتماء ومحبة قائد لوطنه ولشعبه، وولاء ومبايعة شعب لقائده بصدق وإخلاص.

لقد تضمّن كتاب ملك وشعب "الأوراق النقاشية لجلالة الملك" التي بدأ جلالة سيدنا في إطلاقها بتاريخ 29/12/2012 حيث جاءت لتكون محفّزا للحوار الوطني حول القضايا الكبرى التي تهم المجتمع الأردني مبينّا أن إرساء رؤية واضحة للإصلاح الشامل ومستقبل الديمقراطية في الأردن هو من الأولويات التي نحرص على تنفيذها بهدف بناء التوافق وتعزيز مشاركة الشعب في صنع القرار، وكذلك تحفيز حوار وطني حول مسيرة الإصلاح وعملية التحّول الديمقراطي التي يمر بها الأردن، بهدف بناء التوافق وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار، وإدامة الزخم البنّاء حول عملية الإصلاح. هذه الأوراق التي تضمّنت رؤية جلالة سيدنا لمسيرة الإصلاح الشامل في الأردن في مختلف المجالات.

وسأتناول هنا في المقال الثاني والعشرين (22)ضمن سلسلة مقالات قراءة في كتاب ملك وشعب الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك التي جاءت بعنوان "سيادة القانون كأساس للدولة المدنية" التي أطلقها جلالة سيدنا بتاريخ 26 تشرين الأول 2016 حيث تعتبر وثيقة ملكية تُبرز مبادئ بناء الدولة المدنية القائمة على حكم الدستور والقوانين، وتحقيق المواطنة الفاعلة، وتعزيز العدالة والمساواة، ومكافحة المحسوبية والواسطة ، الرقابة البرلمانية، العلاقة بين الدين والدولة.

تأتي الورقة النقاشيّة السادسة متممّة للأوراق الملكية الخمس السابقة حيث يقدّم جلالة سيدنا رؤيته للدولة المدنية التي ينعم بها الأردن، فهي دولة القانون والمؤسسات التي تستند لأحكام الدستور، وتستظل بالثوابت الدينية والشرعية، هدفها خدمة المواطنين بعدالة، وتحفيز مشاركتهم الإيجابية للقيام بدورهم إلى جانب الدولة ومؤسساتها لضمان تحقيق وإستدامة التقدّم والرخاء والإزدهار لجميع المواطنين.

إن تطبيق سيادة القانون يرسّخ ويحمي المنجزات المتحققة عبر العقود: خدمة المواطنين بكفاءة، وتحقيق النمو المستدام، والمواطنة الفاعلة والمشاركة الديمقراطية، والعدالة، والشمول، وضبط الواسطة والمحسوبية، وضمان حقوق الأقليات، وعدم إستغلال الدين لأغراض سياسية، وتحصين الشباب ضد مخاطر الفكر الظلامي وممارساته، والتسامح والإعتدال، والتعدّدية وتقبّل الرأي الآخر. ويمكّن ترسيخ الديمقراطية ضمن نظامنا الملكي الدستوري، ممّا يتطلّب ضرورة إلتزام جميع السلطات والأفراد بمبدأ سيادة القانون، وتقوّية الدور الرقابي للبرلمان والمؤسسات الحكومية، لضمان حسن تطبيق القانون وتنمّية شاملة وعادلة لجميع المواطنين.

ويؤكّد جلالة سيدنا على مبدأ سيادة القانون الذي هو أساس الدولة المدنية ودعامتها، وجسرها المتين للوصول إلى التنمّية والرفاه. وهنا يقول جلالة سيدنا "إن طموحي لبلدنا وشعبنا كبير، ولكي نحقّق أهدافنا ونواصل بناءنا لوطننا، فإن سيادة القانون هى الأساس الذي نرتكز إليه والجسر الذي يمكن أن ينقلنا إلى مستقبل أفضل".

كما يؤكد جلالة الملك في هذه الورقة النقاشية على دور المشرّعين في إعطاء الأولوية للحكومات البرلمانية ولقوانين الحكم المحلي، واللامركزية. وإستمرار الحكومات في تطوير أداء القطاع العام والجهاز الحكومي بأعلى مستويات المهنية والموضوعية، والحياد السياسي، وإنتهاج سياسات مستقبلية بالإستناد إلى الأبحاث والبراهين. ومن المهم أن تقوم الجامعات، ومراكز الأبحاث، إضافة إلى القطاع الخاص بدورها في إنتاج أفكار وأبحاث، وتقنيات تقدّم حلولا للتحديات التي تواجهها المملكة. إضافة إلى ضرورة وجود أحزاب برامجية ذات كفاءة وتأثير وحضور على مستوى الوطن، والإستمرار في تدعيم قدرات السلطة القضائية، فالعدل هو أساس الحكم.

نعم، إن سيادة القانون هو المعِّبر الحقيقي عن حبنا لوطننا الذي نعتز به، وعلى كل مواطن أردني أن يفتخر بمواطنته الأردنية، وأن يعّبّر عن حبه وإنتمائه لوطنه الغالي الأردن من خلال الإلتزام بالقانون في قلبه وسلوكه، وحياته اليومية، وأن يصبح إحترام القانون إلتزاماً سلوكياً، وليس لفظياً. كما أن التنوّع يعتبر مصدرا للإزدهار الثقافي والإجتماعي والتعدّد السياسي ورافدا لإقتصادنا الوطني.

ومن هنا، يجب أن تصان حقوق كل مواطن إستنادا إلى سيادة القانون لتعزيزالعدالة الإجتماعية، ولحفظ حقوق الناس بمساواة وعدالة ونزاهة التي تقع على عاتق الدولة، في الوقت الذي يتحمّل كل مواطن مسؤولية ممارسة وترسيخ سيادة القانون في حياته اليومية، لأنه الأساس الحقيقي الذي ُتبنى عليه الديمقراطيات والإقتصادات المزدهرة والمجتمعات المنتجة، وهو الضامن للحقوق الفردية والعامة، والكفيل بتوفير الإطار الفاعل للإدارة العامة، والباني لمجتمع آمن وعادل.

وأكدّت الورقة، إن تطوير الإدارة الحكومية مسيرة مستمرة تخضع للمراجعة والتقييم، و يجب تحديد مواطن الخلل والأخطاء أنّى وجدت والإعتراف بها والعمل على معالجتها، وإرساء وتفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة كمبدأ أساسي في عمل وأداء مؤسساتنا في جميع مستويات الإدارة الحكومية من أجل تحقيق تنمّية شاملة مستدامة تشمل جميع القطاعات وتضمن توزيع عوائد التنمّية على كافة أنحاء المملكة بشكل عادل.

وتشير الورقة إلى الواسطة والمحسوبية التي تعتبر سلوكيات تفتك بمسيرة تنمّية ونهضة المجتمعات، ليس فقط بكونها عائقا يحول دون النهوض بالوطن، بل ممارسات تنخر بما تمّ إنجازه وبناؤه وذلك بتقويضها لقيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وقيم المواطنة الصالحة، ممّا يتطلب وجود منظومة المساءلة والمحاسبة مع إجراءات مسبقة تبدأ بتبني مؤسساتنا لمدونات سلوك وأخلاقيات عمل ملزمة، بشكل يحكم عمل وأداء المؤسسات والسلطات المعنية.

كما يجب على مؤسساتنا وضع رؤية واضحة، وأهداف محددّة تمكّن هذه المؤسسات من تحقيق أهدافها للوصول إلى أرقى معايير النزاهة والشفافية، وأعلى مستويات الخدمة المقدّمة للمواطنين ولضمان سيادة القانون لا بدّ من وجود آليات رقابة فعّالة متمثلة بأجهزة الحكومة الرقابية الداخلية في الوزارات والمؤسسات، وديوان المحاسبة، وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، والبرلمان ودوره الرقابي الدستوري الفاعل الذي يضع مصلحة الوطن والمواطن في المقام الأول.

ولا يؤتي الإصلاح السياسي ثماره المرجوة إلاّ بوجود نهج واضح وفعّال يتماشى مع إصلاح إداري جذري وعميق يهدف إلى تعزيز سيادة القانون، وتطوير الإدارة، وتحديث الإجراءات، وإفساح المجال للقيادات الإدارية القادرة على الإنجاز وإحداث التغيير الضروري، ووجود تشريعات واضحة، وإدارة حصيفة وكفؤة ليتقدّم صّف جديد من الكفاءات إلى مواقع الإدارة يتمتّع بالرؤية المطلوبة والقدرة على خدمة المواطن.

وتؤكد الورقة النقاشية السادسة، أن الدولة المدنية هي دولة تحتكم إلى الدستور والقوانين التي تطبّقها على الجميع بعدالة، وهي دولة المؤسسات التي تعتمد نظاما يفصل بين السلطات ولا يسمح لسلطة أن تتغوّل على الأخرى، وهي دولة ترتكز على السلم والتسامح والعيش المشترك وتمتاز بإحترامها وضمانها للتعددية، كما تحافظ وتحمي أفراد المجتمع وتضمن الحريات حيث يتساوى الجميع بالحقوق والواجبات.

نعم، إنه الفكر الملكي الهاشمي الذي يضع استراتيجيات ورؤية للمستقيل التي تضمنتها الأوراق النقاشية لجلالة الملك التي جاءت تحفيزا للحوار الوطني، ضمن منظومة عمل جادة تعمل بضمير مؤسسي مسؤول الذي أنجزه الديوان الملكي الهاشمي العامر بيت جلالة سيدنا وبيت الأردنيين جميعا، يرافق ذلك جهود تقوم على الإخلاص والتفاني في العمل في ظل مجتمع متكافل واحد موحّد ومتماسك يزرع بذور الخير والعطاء والإنسانية، برعاية وإهتمام جلالة سيدنا الملك الإنسان عبد الله الثاني بن الحسين أعز الله ملكه القدوة لنا جميعا في الإنجاز والعمل وللحديث بقية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد