الكلمة التي دمّرت وحدة الفلسطينيين

mainThumb

07-10-2025 10:05 AM

شاهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، على شاشة التلفزيون لقطةً ظهر فيها شبّانٌ فلسطينيون يشتبكون بالسلاح في غزة، وذلك في الأيام الأولى لانقلاب «حماس» على السلطة الشرعية.

كانت اللقطة التلفزيونية إنذاراً بأن الصراع الداخلي الفلسطيني يتخذ منحىً خطراً يُفضي إلى حربٍ أهلية، ما دامت غزة وفلسطين كلها مليئةً بالسلاح والمسلحين.

دعا خادم الحرمين قيادتي السلطة و«حماس»، إلى حوارٍ تحت رعايته، وحرص على أن يكون اللقاء بجوار الكعبة المشرفة، وهيّأ للمتحاورين جوّاً روحانياً، فكانوا يؤدون الصلاة معاً، وطافوا حول الكعبة متشابكي الأيدي، في مشهدٍ يفترض أن يجعل من اقتتال الإخوة أمراً لا يمكن تصوره.

وإلى جانب الجو الروحاني الذي هيّأه خادم الحرمين لـ«الإخوة الأعداء»، كان في المكان فريقٌ سياسيٌّ يساعد الملك في سعيه لإنهاء الانشقاق، ويعمل بدأبٍ على بلورة اتفاقٍ مكتوب، يلتزمه الطرفان ويقبل به العالم الذي كان يشترط للمضي قدماً في رعاية عملية السلام أن تلتزم «حماس» بما التزمت به منظمة التحرير من اتفاقاتٍ وتفاهمات.

حوارات مكة، آنذاك، كانت تُجرى داخل غرفٍ مغلقة، إلا أن الدبلوماسية السعودية واظبت على وضع الأميركيين والأوروبيين في الصورة، وذلك في سياق جهدٍ سياسيٍّ لسد الذريعة التي كانت تستخدمها إسرائيل لعرقلة المسيرة السياسية، والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى قيام دولةٍ فلسطينية، بعد انقضاء المرحلة الانتقالية ومدتها خمس سنوات.

منع الانقسام السلطة الشرعية المعترف بها دولياً من ممارسة دورها على جزءٍ من الوطن، وذلك وفّر ذريعةً قوية استخدمتها إسرائيل في ادعائها بأن التمثيل الفلسطيني لم يعد محسوماً لـ«منظمة التحرير».

وكان المسؤولون الإسرائيليون يكررون سؤال: مع من نتفاوض ونعمل؟

تمكّنت الرعاية السعودية، آنذاك، من إنجاز اتفاقٍ بين المتحاورين على إنهاء انقسامهم بتشكيل حكومة وحدة، ترأسها «حماس» صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي، ويعتمدها رئيس السلطة الوطنية، أي إن رئاسة السلطة لـ«فتح» ورئاسة الحكومة لـ«حماس»، ويجري اقتسام الوزارات على هذا الأساس.

الاتفاق الذي أنهى في حينه احتمالات اندلاع حربٍ أهلية، ظلّ ناقصاً لخلوّه من نصٍ صريح يؤكد التزام «حماس» بما التزمت به المنظمة، أي أن وحدة الموقف السياسي وشروط قبول العالم به لم تتوفر، مما جعل رعاة عملية السلام المتعثرة أصلاً حذرين في التعامل مع الحكومة المشتركة، وحين تسلّمت «حماس» وزارة المالية التي هي الأكثر أهمية في الحالة الفلسطينية، كان الرئيس عباس يعمل جاهداً للحصول على المال من الدول المانحة التي تعترف به ويسلمه إلى وزير المالية الحمساوي.

قبل انفضاض لقاء مكة، بُذل جهدٌ تواصل ليلاً ونهاراً لوضع «كلمةٍ بدل كلمة» في وثيقة إعلان إنهاء الانقسام، والذهاب إلى تشكيل حكومةٍ مشتركة بين «فتح» و«حماس». كانت الكلمة السحرية التي توقفت عليها وحدة الفلسطينيين هي «نلتزم» بديلاً عما وافقت عليه «حماس» لكلمة «نحترم»!

تشكّلت الحكومة المشتركة، برئاسة المرحوم إسماعيل هنية، ولكن الاعتراف بها لم يتحقق، وظلَّ الوضع على حاله: اعترافٌ بعباس وإنكارٌ لـ«حماس».

قدّرت الحركة الإسلامية أن رئاستها للحكومة المدعومة بأغلبيةٍ برلمانيةٍ، ستؤمن لها اعترافاً دولياً ثميناً، غير أن الذي حدث أن كلمة «نحترم» لم تُقبل دولياً بديلاً عن كلمة «نلتزم». وبفعل بقاء الحال على ما كان عليه قبل لقاء مكة، وقبل تشكيل الحكومة المشتركة، انقلبت «حماس» على الصيغة كلها، ومنذ ذلك اليوم دخلت الحالة الفلسطينية في نفقٍ مظلم، لا تزال تعاني منه حتى يومنا هذا، ويمكن القول إلى ما لا نهاية، إذا ما ظل كل طرفٍ متمترساً وراء موقفه «نلتزم أو نحترم»، وهذا ما هو قائمٌ حتى الآن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد