سوريا الأستاذ وديع

mainThumb

26-10-2025 11:47 AM

قبل أن تُؤمّم الصحف في سوريا، مثلها مثل الأراضي، كانت تصدر في دمشق مجموعة من الصحف اليومية والأسبوعية المستقلة، من أبرزها «النصر»، لصاحبها وديع صيداوي، الذي تخرج في الجامعة الأميركية ببيروت عام 1922.

كان الأستاذ وديع يروي دائماً ذكريات الصحافة في زمانه. ومما لا يغيب عن بالي أن الحكومة الأميركية دعت وفداً من صحافيي سوريا للقيام بجولة في الولايات المتحدة. وبينما كان الوفد يتنقل من ولاية إلى أخرى، ومن مناخ إلى آخر، ومن أجناس بشرية إلى أجناس، كان هو يتساءل: ما الذي يجمع بين هذه الأمم؟ لماذا يتحارب الفرنسي والألماني في بلدانهم، ويتشاركون هنا؟ وكيف يهاجرون إلى هنا بألف لغة، وفي اليوم التالي يتحدثون لغة واحدة، ويعملون بقانون واحد؟

الجواب كان بسيطاً عنده: الدولار! فرص العمل التي لا يعثر عليها المهاجر في بلده الأم. باب الثروات المفتوح. باب التنافس والشراكة، وبينما كان الأميركيون يتدافعون نحو مناجم الذهب، كان الأوروبيون يتقاتلون على تحليل معاني الاشتراكية والرأسمالية. لكن الأستاذ وديع كان يحذر دائماً من أن أي خلل جوهري في الاقتصاد قد يهدد مفهوم الشراكة.

سوريا الآن في مخاض هائل. والبحث أولاً عن استعادة الوحدة بين السوريين. هل يكفي الشعار والحنين والنوايا الحسنة؟ فرَّق بين السوريين احتكار موارد البلاد. واتساع الفجوة الهائلة بين الريف والمدن. وبعدما كانت سوريا «غلال روما» على مرّ العصور، أصبحت تستورد القمح. المرة الوحيدة التي قابلت فيها الرئيس حافظ الأسد كان يفاخر مسروراً بأن سوريا أكملت غرس مليون شجرة زيتون.

ثم جاء يوم سمعنا فيه بشار الأسد يعلّق على خروج نصف الشعب السوري، بالقول إنها مصادفة سعيدة، فالآن لم تبق سوى «سوريا المفيدة». لعل سوريا العائدة تجد القاسم المشترك في العمران والكفاية، والخروج من أطنان الثرثرة التي ملأت الدنيا فراغاً وخراباً.

تقول الأمم المتحدة إن 300 ألف نازح سوري عادوا من لبنان إلى ديارهم. رقم متواضع نسبياً، لكن دلائله بالغة الأهمية. هذا يعني أن البدايات -على صعوبتها- قد بدأت من جديد. وأن الأمل ممكن رغم فداحة المشهد، والضرر الذي ترسّب في هيكلية المجتمع ودورة الحياة الطبيعية. ومن يدري؟ فقد نرى الصحف الحرة عائدة غداً - ومعها سوريا الأستاذ وديع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد