الجيش الإسرائيلي: حبل الأكذوبة القاصر والقصير

mainThumb

02-11-2025 12:06 PM

قرّاء نصّ استقالة يفعات تومر ـ يروشاليمي، من منصب المدعية العامة العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يمكن أن يختلفوا أو يتفقوا، طبقاً لتأويلات شتى هنا وهناك، حول الدوافع القانونية أو المسلكية أو حتى الأخلاقية التي دفعتها إلى إنهاء 30 سنة من الخدمة في هذا الجيش، بينها 4 سنوات في رئاسة الادعاء العام العسكري. الأرجح، في المقابل، أنه ما لم يكن المرء عديم البصر والبصيرة في انحياز أعمى، مسبق ومطلق وعشوائي، لدولة الاحتلال؛ فإنه سيرى في النصّ عناصر لا عدّ لها ولا حصر تُبطل أكذوبة صهيونية/ إسرائيلية كبرى حول «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم».
وليست البتة مصادفة، بل هي بعض طبائع التلازم الوثيق، أنّ الضجة حول استقالة تومر ـ يروشاليمي ترافقت مع تصريحات نارية من وزير حرب الاحتلال يسرائيل كاتس، يستنكر فيها أيّ تجاسر على تلطيخ أخلاقية الجيش الإسرائيلي، ويتفاخر (كاذباً، بالطبع) أنه أقال المدعية العامة العسكرية، وليس أنها بادرت بنفسها إلى الاستقالة. ولكي يضيف بصمة أخرى إلى شخصيته، الجوفاء ولكن الفاشية في آن معاً، أصدر قراراً بمنع الصليب الأحمر من زيارة السجناء الفلسطينيين.
زميله في الحكومة، وفي الخيارات الفاشية والعنصرية، وزير الأمن إيتمار بن غفير، أكمل سياقات استقالة تومر ـ يروشاليمي بزيارة إلى أحد السجون الإسرائيلية، وإطلق تصريحات حول سنّ تشريعات تتيح الحكم بالإعدام على السجناء الفلسطينيين (أكثر من 10 آلاف، بينهم مئات من النساء والأطفال). وطالب بمزيد من تشديد القيود عليهم لجهة الغذاء والدواء تحديداً، هو الذي لم يتوقف عن العربدة الهمجية منذ أن تولى المنصب أواخر العام 2022.
والقاعدة الأعمّ، بصدد العلاقة بين الجيش الإسرائيلي و«القانون»، هي أنّ حبل الكذب والتكاذب، ذا الصلة تحديداً بمسلسلات التحقيق في الانتهاكات الوحشية والهمجية بحقّ الفلسطينيين، ليس قاصراً ومسرحياً وزائفاً فقط، بل هو قبل هذه وبعدها: قصير الأجل مفتضَح البدايات وفاضح النهايات. كما أنه لا يقتصر على هذا أو ذاك من وزراء الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وعنصرية وفاشية في تاريخ الكيان الصهيوني، بل يشمل أيضاً أولئك الذين يواصلون التمسك بالأكذوبة الكبرى حول هذا الجيش؛ ذاته الذي ارتكب حرب إبادة جماعية وتجويع وتعطيش وتطهير عرقي وتدمير منهجي في قطاع غزّة، أودت بأرواح 68643 شهيداً فلسطينياً، وأكثر من 170 ألف مصاب، وأعداد لا حصر لها من القتلى تحت الأنقاض.
وليس أقرب الأمثلة على هؤلاء سوى تومر ـ يروشاليمي نفسها التي تعترف في كتاب استقالتها أنها سرّبت إلى الإعلام الإسرائيلي مشاهد التعذيب الوحشي لأحد السجناء الفلسطينيين على أيدي جنود إسرائيليين في معتقل سدي تيمان. وهي تقول: «جيش الدفاع الإسرائيلي جيش أخلاقي ملتزم بالقانون. ولهذا، حتى خلال حرب مطولة ومؤلمة، هنالك إلزام بالتحقيق في أفعال غير قانونية»؛ وأيضاً: «هذه هي الحرب الأطول والأكثر تعقيداً التي عرفها جيلنا. إنها أيضاً الحرب الأكثر قانونية في كلّ ما عرفنا. والنشاط القانوني خلال الحرب أصبح جبهة في حدّ ذاته: الجبهة القانونية».
فإذا صحّ نزر يسير من هذه المزاعم، فما الذي جعل الساسة الإسرائيليين يستشيطون سخطاً وغضباً واستنكاراً ضدّ مدعية عامة عسكرية رأت في التسريبات وسيلة لتبيان علوّ كعب «القانون» في دولة الاحتلال؟ ألا يعيد أولئك الساسة إنتاج تظاهرات عارمة لإسرائيليين غلاة متطرفين، أمام معتقل سدي تيمان إياه، احتجاجاً على التحقيق مع الجنود الإسرائيليين مرتكبي ممارسات التعذيب الوحشية؟ وأيّ مدلول فعلي «قانوني»، على أرض الواقع، في معتقلات الاحتلال أو في سائر قطاع غزّة والضفة الغربية والقدس المحتلة، يمكن لأيّ انتهاك إسرائيلي أن يتبدى عليه؛ خارج قاعدة حبل الأكذوبة… العتيق المتجدد؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد