جريمة على شاطئ العشّاق .. الفصل الخامس عشر

mainThumb

09-11-2025 11:34 PM

عاشقٌ فاشل… وذنبٌ يوقظ الذاكرة
لم يكن الدكتور غازي بن محمد يرى نفسه رجلًا سيئًا… كان يؤمن دائمًا بأنه زوج بارع، لكنه يعترف اليوم—وبألمٍ دفين ، بأنه عاشق فاشل.
جلس فوق الأريكة البيضاء التي تتوسط مكتبه الفخم، وأسند رأسه إلى الخلف كمن يهرب من حقيقة بعيدة اقتربت فجأة. تمتم بصوتٍ متعب:
"سآخذ غفوة… ريثما يأتي المحاسب علي ليطلعني على آخر أخبار السلفة من البنك."
لكن التوتر باغته، فنهض قليلًا وضرب بأصابعه على الطاولة الزجاجية بقلق مكتوم:
"عبدالعزيز وعدني بالسلفة حين وافقتُ على زواجه من منال… لكنه أخلف وعده! تركني وحيدًا في مواجهة الانهيار."
كان يشعر أن المستشفى ينهار بين يديه… الأجهزة متهالكة، التجديد متوقف، والديون تتراكم.
وهو… الطبيب الماهر، صاحب السمعة اللامعة، لا يملك اليوم شيئًا ليقاتل به سوى القلق.
وما زاد الطين بلّة أن الأموال التي خصصتها الإدارة للتطوير…
بدّدها هو على طاولة قمار، بحثًا عن وهم الربح السريع.
تمتم بمرارة:
"يا لي من مقامر تعيس…"
مدّ يده يبحث عن رقم المحاسب علي، فعلق إصبعه بصورة قديمة ألصقت داخل محفظته منذ زمن… صورة ترفض أن تهرم، لأنها تحمل ذكرى لا تموت.
كانت الفتاة في الصورة في بداية العشرينيات… شعر أسود طويل، عينان واسعتان، وخدان بلون شمس الغروب.
ابتسم بحزن… ثم استلقى على الأريكة الوثيرة كمن عاد ثلاثين عامًا إلى الوراء.
هناك… في طرابلس اللبنانية، حيث كان يقضي صيفه عند خالته.
هناك بدأت الحكاية…
وهناك ترك قلبه.
في الصورة، يظهر مع ليلى عزالدين في قارب صغير، يطوفان قرب قوس النصر اللبناني في طريقهما إلى مغارة جعيتا.
ضحكاتها كانت تُشعل المشهد… وكان صوته يختلط بصوت أمواج بيروت.
مرّت أمامه شوارع الحمرا، وسهرات بيروت، ومهرجانات بيت الدين وبعلبك، وظهر صوت فيروز كأنه يلومه.
تذكّر يوم أوقفته الدورية اللبنانية على جسر البردوني مع ليلى، وكيف سلّموهما إلى الدرك في زحلة… ضحك قليلًا حين استعاد تفاصيل الموقف، ثم تجمّد الضحك فجأة.
تغيّرت ملامحه.
الذكريات الحلوة قادته إلى جرح لم يلتئم.
همس:
"الله يسامحك يا ليلى… لو استمعتِ لنصيحتي وأجهضتِ الحمل… لما هربت منك ومن لبنان."
كانت تلك اللحظة التي غيّرت مصيره.
كان شابًا طائشًا، مغرورًا، ولم يتقبل فكرة أن يصبح أبًا فجأة.
هرب منها… هرب من الطفل… وهرب من نفسه.
وفي اليوم التالي حجز أول رحلة إلى عُمان.
لكنه لم يهرب من الشعور بالذنب.
بعد أيام وصلته رسالتها:
"لقد هربتَ مني… لكنك لن تهرب من ابنتك."
ومنذ ذلك اليوم، ومرورًا بثلاثين عامًا… لم يهدأ ضميره.
كان يبحث عنها في كل محطة من ذاكرته، ولا يعرف هل أنجبت فعلًا… أم اختفى أثر الطفل… أم طوته الأيام.
تنفّس بعمق، وكأنه يعصر قلبه.
جلس مستقيمًا فجأة وقال:
"منذ عام… دخلت حياتي دكتورة شابة."
لم يكن يعرف لماذا انجذب إليها.
شيءٌ فيها كان يحرك شيئًا مطموسًا في داخله.
تقارب سنّها مع سن ابنته منال، تشابه ملامح… نفس الشامة على خدها الأيسر.
الشامة نفسها التي يحملها هو!
همس مرتجفًا:
"اسمها… هدى."
ثم ضحك ضحكة مكسورة:
"أهذه مراهقة الستين؟"
نظر إلى ساعته بتذمر:
"أين المحاسب علي؟ الاجتماع طال…"
ثم انتبه إلى التاريخ وقال:
"اليوم عيد ميلاد زوجتي… عليّ الذهاب إلى سوق مطرح."
ثم أضاف مبتسمًا:
"مطرح… الميناء التجاري وقلب مسقط النابض. أجمل مكان يمكن أن أجد فيه هدية تليق بها."
وتابع بخفوتٍ مكسور:
"أنا زوج رائع… لكنني عاشق فاشل."

يتبع…



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد