الميتا سرديات: السرديات إلى أين
توصلت، وأنا بصدد مراجعة بعض ما كتب عن مشروعي السردي، أو تحليلاتي السردية، إلى التفكير في ما سميته «الميتا سرديات» التي أميزها أولا، عن الإبستيمولوجيا السردية، التي تعنى بالنظر في المنجزات السردية ومدى ملاءمتها العلمية، وهي التي نجدها بارزة في النقاشات السردية الغربية، التي يقوم بها المختصون، هادفين من ورائها إلى تطوير الاختصاص، وتجديد النظريات السردية، وثانيا، عن نقد النقد السردي المهيمن عربيا، الذي يتعقب التحليلات أو التطبيقات السردية، وفق ممارستنا لنقد النقد بصفة عامة، الذي يهيمن فيه السجال، والذي لا يسهم في تطوير النظر أو العمل، ويغيب فيه الحوار العلمي.
تنطلق الميتا سرديات أولا من استكشاف مدى حضور الوعي بالسرديات كاختصاص في النظر (سرديات نظرية)، والعمل (سرديات تطبيقية). وثانيا مدى تجسيد الجوانب النظرية والتطبيقية لمشروع سردي قابل للتطوير، أي له قابلية لفتح آفاق للدراسة السردية. أي بكلمة موجزة الجواب عن سؤال مزدوج: هل هناك سرديات؟ وهل لها آفاق؟ كان هذا السؤال المزدوج يؤرقني منذ بداية اشتغالي بالسرديات في مطلع الثمانينيات، وما يزال إلى الآن. وقد أجبت عنه بطريقة مباشرة (2012) عندما بدأ الحديث منذ أواخر التسعينيات، في الدراسات العربية، عن موت البنيوية، ومعها السرديات، مؤكدا أن السرديات لم تولد عندنا لتموت، فما نقوم به ليس سوى «نقد سردي» يقدم لنا صورة جلية عن ممارسة «النقد الأدبي» الذي اشتغلنا به منذ العصر الحديث. ولا علاقة لـ»النقد السردي» بالسرديات، ولا بالسيميائيات السردية.
إن الطريقة التي تعامل بها نقدنا الأدبي مع مختلف النظريات والمناهج الغربية التي «تفاعلنا» معها، سواء تعلقت بتاريخ الأدب، أو نقد النصوص، كي لا أقول تحليلها، ظلت اختزالية وتجزيئية، تستقي منها أدوات ومصطلحات وتطبقها على النصوص بلا سؤال إبستيمولوجي أو وعي نظري. فمن النقد العلمي إلى النقد الثقافي مرورا بالنفسي والاجتماعي والبنيوي كنا نتعامل مع تطور الفكر الأدبي الغربي على أنه «مناهج» لا نظريات تتأسس على علوم إنسانية واجتماعية ولسانية، وعلى خلفيات فلسفية وعلمية، ترتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ الأفكار الحديثة وتطورها في الغرب. ولهذا السبب ظل تاريخ نقدنا الأدبي، ولا أقول «فكرنا الأدبي»، منذ عصر النهضة إلى الآن تاريخ السجال والصراع بين «المناهج»، وليس بين نظريات مبنية على أساس علوم. جاءت «البنيوية» عندنا لتكون ضد «سوسيولوجيا الأدب». ولما انتبهنا إلى وجود «شيء» اسمه النقد الثقافي، طرحنا تلك «البنيوية»، وادعينا إفلاسها، ومعها طبعا ما اتصل بها من سرديات وسيميائيات. ولما ظهرت في مطلع الألفية السرديات ما بعد الكلاسيكية، بدأنا نتحدث عنها، وننوع في الاتجاهات التي بدأنا الاشتغال بها: فصرنا نتحدث عن سرديات عرفانية وبيئية وثقافية، وإلخ.
كنا في كل تاريخ هذا الصراع والسجال، ندعي تارة أننا ضد «المركزية الغربية»، و»استعارة النظريات»، ونحن لا نستشهد إلا بما تقدمه لنا تلك المركزية ونظرياتها من مصطلحات ومفاهيم نوظفها توظيفا ناقصا. وأننا طورا نحارب الهيمنة والسلطة، ونحن لا نمارس سوى أدواتها في الإقصاء والإلغاء، وادعاء الحداثة وما بعدها، والتنوير، ونحن واحلون في التبعية بصلف وغرور. وها نحن، وتاريخنا النقدي يعيد أساطيره السجالية القديمة «نستعير» الآن السرديات ما بعد الكلاسيكية بعد أن قضينا زمنا كلما دبجنا كلمة في مدح النقد الثقافي، كانت لنا أخرى في تأكيد تأبين البنيوية والسرديات. فأنى لـ»سردياتنا ما بعد الكلاسيكية» أن تكون من دون السرديات التي لم نؤسسها؟
أثمن أشغال المؤتمر الذي تنظمه كلية الآداب في القيروان تحت عنوان: «السرديات إلى أين؟». إذا كان هذا السؤال قد طرح في فرنسا إبان ميلاد السرديات، وكان مؤجلا ريثما تتطور، فإنه تجدد في الدراسات السردية العالمية منذ بداية الألفية الجديدة، وتقدمت فيه أشغال العلماء السرديين بأدبيات ونقاشات ثرية. ولقد نجم عن ذلك بروز السرديات ما بعد الكلاسيكية، ليس فقط في الغرب ولكن أيضا في الصين والهند، فهو يفرض علينا عربيا سؤالا آخر: أين هي السرديات «العربية» الآن؟ إنه من دون هذا السؤال لا يمكننا التفكير في: إلى أين؟ اللهم إلا إذا كان توجهنا يرمي إلى استنساخ التصور النقدي الذي نشتغل به دائما، وهو الانطلاق من الاتجاهات السردية الجديدة لدراسة سرودنا في ضوئها، فنتحدث عن سرديات ما بعد كلاسيكية «عربية»، ونحن بلا سرديات أصلا. وبذلك لن نكون سوى أمام «نقد سردي ما بعد كلاسيكي».
ليست السرديات غنيمة ثقافة يتفاعل معها كل منا بطريقته الخاصة، ويطبقها وفق رغباته وجاهز مسبقاته الثقافية والفكرية. إنها اختصاص علمي، ونحن أمام الاختصاص أحد اثنين: عالم أو ناقد. العالم له مشروع طويل، ومؤسس على أسئلة تتصل بالموضوع الذي يبحث فيه، مدققا إياه، من حيث طبيعته ووظيفته، وأنواعه، وتاريخه. ويعمق البحث في ذاته أولا، ليفهم بنياته ومكوناته وآلياته، وثانيا في علاقاته بغيره، وبالسياقات التي ظهر فيها، وبإمكانات تطوره في المستقبل. وهذا المشروع إذا لم يتمأسس فرديا وجماعيا لا يمكننا الحديث عن السرديات العربية نهائيا. ليست السرديات مادة ندرِّسها ونختبَر فيها بإنجاز قراءات في النصوص السردية القديمة والحديثة. إنها اختصاص علمي، وما لم نوفر للاختصاص قواعده وإجراءاته التي ينهض عليها، ونجعل مختبراتنا ومراكزنا تشتغل وفق الإطار التصوري العلمي، فإنها ستظل فقط قاعات اجتماعات لاقتراح موضوعات، والبحث عن مشاركين.
من دون تفكير ميتا سردي جاد وواع في السرديات النظرية والتطبيقية، تظل دراساتنا للسرد العربي الحديث فقيرة وضعيفة جدا، وسيظل نقدنا السردي عاجزا عن استكناه عبقرية السرد العربي القديم، وغناه وتنوعه. إن سؤال: السرديات إلى أين؟ مهم جدا لأن محتواه الحقيقي يكمن في السؤال: كليات آدابنا العربية إلى أين؟
كاتب مغربي
مجلس النواب يختار لجانه الدائمة بالتوافق .. أسماء
منتخبا الشباب وسن 17 يلتقيان نظيريهما الروسي والمصري
عجلون: مطالب بإنشاء مركز خدمات حكومي شامل
وزارة الصناعة تعالج 5 قضايا وتستقبل 16 شكوى لحماية الإنتاج الوطني
الأرصاد تعزز حضورها الدولي بمشاركتها في مؤتمر المناخ COP30
ارتفاع أسعار الذهب محلياً الاربعاء
الاحتلال: خلاف حول مستقبل إذاعة الجيش
ارتفاع مبيعات الشقق فوق الـ 150م² بنسبة 6%
سلمى أبو ضيف سفيرة جديدة لدار Loewe
جريمة على شاطئ العشاق .. الفصل التاسع عشر
الحرب الاقتصادية بين الصين وأميركا
الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي: الحلم المؤجل لآلاف المتقاعدين
تنكة زيت الزيتون إلى ارتفاع والسعر يستقر عند أرقام قياسية .. تفاصيل وفيديو
تعيينات جديدة في التربية .. أسماء
زهران ممداني… حين تنتخب نيويورك ما لم يكن متخيلاً
مدعوون للمقابلات لغايات التعيين في الصحة .. أسماء
الفايز: الأردن يخرج أصلب من الأزمات
خريجة من الهاشمية تمثل الأردن في قمة عالم شاب واحد
القاضي: الوطن فوق كل المصالح الضيقة
الأردن يترقب حالة مطرية نهاية الأسبوع المقبل
جدول السعرات الحرارية في كل جزء من أجزاء الدجاج
الموافقة على مذكرة تفاهم أردنية فلسطينية في مجال الطاقة
متحور نيبوس يثير القلق الشتوي عالميًا

