جريمة على شاطئ العشاق .. الفصل الحادي والعشرون

mainThumb

12-11-2025 08:41 PM

الرحلة الأخيرة

جلس شفيق عرب على مقعد درجة رجال الأعمال في الطائرة المتجهة إلى مومباي، مغادرًا الخليج بلا عودة، بعد أن قرر أن يفتح صفحة جديدة من حياته، ويعقد قرانه على ابنة التاجر نور الإسلام، ذلك التاجر الجشع الذي اشترط بيتًا فخمًا لابنته، تحيط به كل مظاهر الرفاهية التي تليق بمقامه... وبصهره المنتظر شفيق عرب.

كانت الطائرة تشقّ طريقها في سماء الليل، فيما كان شفيق يغوص في بحر الذكريات، يستعيد مشاهد من حياته منذ أن وطأت قدماه أرض عُمان لأول مرة.
جاء عامل نظافة، رغم أنه يحمل شهادة مصرفية، لكن كما قال في نفسه بمرارة:
"في الهند لا يعيش الإنسان كما يريد، بل كما تُجبره الظروف… حتى ماء المجاري الذي كنت أشربه، ما زالت رائحته عالقة في فمي!"

ألقى نظرة على الركاب من حوله في الدرجة الفخمة، وقال في سره بابتسامة ساخرة:
"ها أنا أجالس الأثرياء... بل حتى مدير أحد المستشفيات الكبرى يجلس بجانبي! لعل أهل البلد أنفسهم لا يعرفون وجهه!"

أرجع المقعد قليلاً إلى الوراء، وأسند رأسه مستسلماً لذاكرته التي لا ترحم.
تذكّر يوم وصل إلى مطار السيب — قبل أن يُعرف باسم مطار مسقط — حين كان كومار اللعين في استقباله. جعله خادمًا له، يقاسمه رزقه بحجة أنه هو من جلب له الوظيفة. وكان كومار يكرر عليه:
"لا تقترب من رئيس مجلس الإدارة إلا بإذني!"

ضحك شفيق وهو يتذكر ذلك الزمن، وقال محدثًا نفسه:
"كنت يومها شاندري بوريلا… لكنني سرعان ما أدركت أن العمانيين لا يستسيغون الأسماء الغريبة، فأشهرت إسلامي، وصرت شفيق عرب.
أسلمتُ لأنهم يحبّون من يُسلم في بلادهم ويغدقون عليه المال والهدايا. والحقيقة؟ عبادة إله واحد أفضل من عبادة بقرة، ولو كانت تدرّ ذهبًا.
لم أكن هندوسيًا صالحًا، ولا مسلمًا تقيًّا… أنا فقط شفيق عرب، أعبد المال، وأينما يكون المال تجدني!"

تنهّد طويلًا ثم أغمض عينيه. عادت به الذاكرة إلى البنك الذي عمل فيه، حين التقى ذلك الصراف الطموح الذي لم يكن يرضى بالقليل، يحدّق في الأموال وهي تدخل الخزائن بعين الحسرة.
قال شفيق يومها في نفسه: "هذا الرجل سيكون شريكي في الجريمة يوماً ما."

اقترب منه بخبث، وتودد إليه، وجلب له ما يحتاج، حتى صار صديقه المقرّب. وحين وجد الفرصة المناسبة، صارحه قائلاً:
"أنا مصرفي مثلك، وأعرف كيف نُدخل المال إلى جيوبنا من دون أن يلحظ أحد."

فابتسم الصراف بخبثٍ مماثل، وهكذا بدأ طريقهما المظلم.
فتحا حسابًا باسم صديق ثالث، وأودعا فيه جزءًا من أموال كبار المودعين، ثم ضاربا بها في البورصة أيام الإجازة، وأعاداها قبل استئناف الدوام.
لم يلحظ أحد شيئًا، وبدأت الأموال تتضاعف.

لكن المال مثل النار... حين تشتعل، تلتهم أصحابها.
فبعد أن صار شريكه ثريًا، بدأ يطمع في المنصب أيضًا.
قال له شفيق ذات ليلة:
"تزوّج ابنة مدير البنك… هذا مفتاحك الذهبي."
وكان القدر بجانبه، إذ كانت ابنة خالته. فتزوجها، وصعد بسرعة إلى القمة، بينما ظلّ شفيق خلف الستار، يدير الخيوط من بعيد.

ومع مرور الوقت، نسي الصديق أفضال شفيق، وأخذ يستأثر بالأموال وحده.
وحين طالبه بحقه قال له ببرود:
"ألا يكفيك ما جنيته؟"
ابتسم شفيق ابتسامة خبيثة وقال في نفسه:
"لكل خائن خائن أكبر منه."

بدأ يدبّر انتقامه بصمت. ذهب إلى زوجة شريكه الأولى، ابنة خالته، وأخبرها بأن زوجها هو من ورّط والدها وسجنه بتهمة اختلاس أموال البنك. كانت تلك الشرارة كفيلة بإشعال نيران الحقد في صدرها.
ثم زار زوجته الثانية منال، المعلمة الجميلة التي كانت تعيش في وهم الحب، وأخبرها هو الآخر بنسخته الخاصة من القصة، مضيفًا ببرود:
"النساء لا يحتجن إلى الحقيقة… فقط إلى ما يُغضب قلوبهن."

ضحك ضحكة صفراء وقال ساخرًا:
"ليس هناك داعٍ أن تعرف أنني كنت شريكه، المهم أن أُشعل النار وأغادر قبل أن تحترق أصابعي."

وبعد أيام، كان صديقه عبدالعزيز يستعد لحفل زفافه على منال، بينما كان شفيق يحزم حقائبه، يستعد لرحلة الهروب الكبرى.

رفع رأسه نحو سقف الطائرة، وضرب بيده على المقعد قائلًا:
"تبا لهؤلاء المضيفين! الأثرياء مثلي لا يحبّون الخدمات الناقصة!"
ثم ضحك بصوتٍ عالٍ وقال لنفسه:
"لماذا أسرد كل هذا الآن؟ لا يهم… فالقادم أجمل، يا ابنة نور الإسلام، أنا قادم إليك، وسأصنع لك عرسًا لا يُنسى… مثل أفلام بوليوود!"

لكن القدر كان يكتب مشهدًا آخر لم يكن في الحسبان.
فبعد أربعة أيام من وصوله إلى الهند، أُلقي القبض على شفيق عرب، وتم ترحيله إلى عمان.

> لم يكن يعلم شفيق أن الرحلة التي ظنّها بداية جديدة… كانت نهايته الحقيقية.



> يتبع...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد