الوقت بين عامين
هناك أيام لا تنتمي إلى التقويم الميلادي بقدر ما تنتمي إلى الفرد نفسه. في منتصف ديسمبر، يبدأ الوقت في التخفيف من قبضته علينا، ونبدأ السير في ممر حيث الزمن ليس هنا ولا هناك. يصبح الهواء أكثر حدة، وضوء النهار أكثر اقتصادية، ويصبح حديثنا الداخلي أعلى. هذه الأيام لا تبدو لنا مجرد «نهاية السنة»، إنها تشبه الشعور بأن العام ينتهي بداخلنا، كغرفة مهجورة تخلصت من محتوياتها ببطء وبهدوء.
الشتاء يأتي بسلطة تبدو أقدم من العالم الحديث. يسيطر على إيقاعنا، ويتلاعب بمزاجنا، ويعيد ترتيب رغباتنا، ويجبرنا على نوع مختلف من الانتباه. حتى الأشخاص الذين يدعون عدم الاهتمام بالتواريخ أو الاحتفالات غالباً ما يجدون أنفسهم، في هذه الأيام تحديداً، أكثر حساسية من المعتاد، وأكثر يقظة للمعاني الصغيرة، وأكثر عرضة للذاكرة. وكأن الطقس نفسه يصبح سؤالاً وجودياً.
هذه هي الأيام التي تجعلنا منتبهين بشكل غير معتاد للأرقام. يقترب العام من صفحته الأخيرة، وفجأة يبدو ذلك الرقم مريباً، كما لو أنه تم تعديله بهدوء بينما كنا مشغولين بالحياة. نجد أنفسنا نعد السنوات، ليصبح الحساب غير مطمئن بشكل غريب. كم عمري الحقيقي في هذه الأيام؟ العمر الذي كنت عليه في السنة الحالية بدأ يتلاشى بالفعل، ومع ذلك لم يصل العمر الذي سأكون عليه في العام القادم بالكامل. إنها منطقة مؤقتة: عمر لا ينتمي لأي من السنتين، بهوية غامضة تأتي من عدم اليقين.
هناك ارتباك خاص في هذا (البين بين). العام الحالي لم يعد مفهوماً «لي» لأنه يغادر. العام القادم لا يبدو «لي» لأنني لم أدخله بعد. فأين أقف إذاً؟ في منطقة صغيرة من التأمل حيث أصبح، للحظة، مراقِبة ومراقَبة في آن واحد. أنظر إلى حياتي وكأنها تخص شخصاً آخر، وألاحظ تفاصيل كثيرة تجاهلتها. أسمع أفكاري بوضوح أكثر لأن العالم أصبح أكثر هدوءاً. الأيام الختامية للعام مكان رقيق وشفاف حيث تصبح الذات مرئية.
ربما لهذا السبب يحمل نهاية ديسمبر هذا النوع من القلق. أنا لا أخاف البرد؛ لقد عرفنا البرد من قبل. إنه خوف من الأرقام. نشعر أن العام كان يسجل خطواتنا: ما فعلناه، ما أجلناه، ما فقدناه، ما نجونا منه. يبدأ العقل، دون أن يطلب إذننا، تدقيقه السنوي؛ يسحب الذكريات كملابس الشتاء، بعضها لا يزال يناسبنا، وبعضها لا، وبعضها تفوح منه رائحة حياة سابقة. نتذكر محادثات انتهت دون وداع حقيقي. نتذكر الأشخاص الذي لم نأخذهم في الأحضان كما تعودنا. نتذكر وعوداً قطعناها ثم نسيناها وسط زحام الأسابيع المتسارعة. نتذكر وجوهاً اختفت من «روتيننا» اليومي، هل لأننا توقفنا عن حبها، أم أن الحياة أعادت ترتيب نفسها بهدوء؟
حول مارسيل بروست الزمن إلى جهاز رصد عصبي: يمكن لمذاق (كعكة) أن يعيد فتح عصور كاملة، وما نسميه «الماضي» يصبح مادة حية بدلاً من صور للتذكر. عندما يأتي ديسمبر، نفهمه فجأة: الوقت لم يعد خلفنا؛ هو بداخلنا. فيرجينيا وولف، بقسوتها الرقيقة، تظهر كيف يمكن لليلة واحدة أن تحمل عقوداً كاملة من الغفران والندم؛ تتحرك الساعة للأمام، لكن العقل يدور حول نفس المائدة. في روايتها «إلى المنارة»، المسافة بين ما يأمل فيه وما يحدث فعلياً لا تقاس بالسنوات، بل بالصمت. شخصيات دوستويفسكي، تلك الأرواح المحمومة التي تجادل نفسها تعرف أيضاً ضغط «ما بعد»: بعد الخطأ، بعد الاعتراف، بعد إغلاق الباب. الأدب يعرف ما نتعلمه مرة أخرى كل ديسمبر: الوقت لا يقاس بالتقويمات.
الشتاء يقلل من الضوضاء. يدفع الناس إلى الداخل، أقرب إلى العائلة، أو إلى عزلة متعمدة. إنه موسم يوقظ شيئاً قديماً فينا، شيئاً أقدم من المدن والمواعيد النهائية. يمكنك أن تشعر به في الطريقة التي نتوق بها للدفء ونتجمع حول «مدفأة الشاي» نفتعل محادثات تستمر أكثر من اللازم. في الشتاء، ثمة عودة لا واعية إلى إنسان الكهف: الكائن القديم الذي يستمع للرياح كما لو كانت تحذيراً، الذي يحترم الظلام، الذي يفهم أن البقاء يبدأ بالمأوى. ونحن نصبح أكثر اهتماماً بالعالم الخاص: المنزل، الحياة الداخلية، الطقوس الصغيرة التي تحمينا من برودة لاسعة وغير مبالية.
لهذا السبب، هذه الأيام تحمل طابعاً ميتافيزيقياً. يأتي فيها الشتاء كمزاج: نوع من الصمت الكوني. العالم يبدو أقرب إلى داخله. تبدو فيها السماء وكأنها أصبحت قريبة بشغف. نصبح عاطفيين بطريقة ليست طفولية، بل وجودية. لا نتوق إلى الرفاهية؛ نحن نتوق إلى المعنى، إلى شيء يجعل مرور الوقت يبدو غير محسوس.
ثم في نهاية هذا الممر من الوقت، تأتي ليلة رأس السنة، العالم بأسره يؤدي لحظة من الكثافة الجماعية: العد التنازلي، الألعاب النارية، البريق، الموسيقى التي تحاول كسر الصمت. نحتفل كما لو أن الاحتفال يمكن أن يخدع الزمن، كما لو أن الضجيج يمكن أن يساوم مع القدر. تحت أضواء الاحتفال الساطعة تكمن حقيقة أكثر هدوءاً: نحن نحاول، لفترة وجيزة، أن ننسى أنفسنا كمخلوقات تنتظر عاماً لا يمكننا التنبؤ به. لا نعرف الشكل الذي سيتخذه، أو ماذا سيطلب، أو من سيعود إلينا، ومن سيأخذه. لا نعرف ماذا ستصبح عليه في نهايتها، أو كيف ستتغير علاقاتنا، أو أي نسخ من أنفسنا ستنجو.
كان ألبير كامو يقول: «في عمق الشتاء، تعلمت أخيراً أن في داخلي يكمن صيف لا يقهر»، ونحن بدورنا بحاجة إلى ذلك الصيف الداخلي تحديداً لأن الشتاء حقيقي أكثر من اللازم.
اتفاقية لإعادة تأهيل محطة تحلية آبار أبو الزيغان
بورصة عمان تغلق تداولاتها على ارتفاع الثلاثاء
هذه المناطق ستشهد أول تساقط للثلوج صباح الأربعاء
الخارجية النيابية تلتقي السفير الكندي لدى المملكة
عمان الأهلية تشارك بمؤتمر الجمعية الأمريكية للنطق واللغة والسمع
من التفكك إلى التماسك: إعادة تصور الدولة الوطنية
الملك يؤكد أهمية الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للأردن
ولي العهد ينشر لقطات من متابعته مباراة النشامى .. فيديو
انخفاض الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية
عقد امتحان الورقة الأولى للأئمة والواعظات في إربد
تحقيق أمريكي يكشف تورط قوات بورتسودان بجرائم حرب عرقية
إطلاق أطول رحلة طيران تجارية في العالم
باراماونت تقدم عرضًا نقديًا مضادًا للاستحواذ على وارنر براذرز
مدعوون للتعيين في وزارة الأشغال .. أسماء
وفاة مشهور التواصل السعودي أبو مرداع بحادث مروع
وظائف في مؤسسة الاقراض الزراعي .. الشروط والتفاصيل
أخطر الكتب في التاريخ .. هل تجرؤ على قراءتها
البدء بإنتاج أول سيارة كهربائية طائرة
ارتفاع جنوني في أسعار الذهب محلياً اليوم
المفوضية الأوروبية تحقق مع جوجل بسبب الذكاء الاصطناعي
وظائف شاغرة في وزارة الصناعة والتجارة .. تفاصيل
فصل نهائي ومؤقت بحق 26 طالباً في اليرموك .. التفاصيل
الخطاطبة رئيسًا لجمعية أطباء العيون
التربية تستغني عن 50 مدرسة مستأجرة
