عن الحنين

mainThumb

15-11-2014 06:59 PM

لا أدري لماذا أدمن الحنين؟ولا أدري لماذا أشتاق الى الحديث عن تفاصيل الماضي القريب والبعيد والموغل في البعد..حتى لا تكاد تخلو جلسة من جلساتي او خاطرة تطرق باب مخيلتي من ذكر الماضي وسيرة الاولين فيه والترحم على ايامه حتى بت أخاف أن يأخذ هذا الامر صيغة الحنين المرضي سيما وأن لسان حال الامة كلها  يقول :( سقا الله)... ولو كان الأمر حالات فردية لما اسـتحق الحديث، ولكنه مـرض أصاب الجمـيع، وصار من المهـم جداً أن يدرس المختصون أسباب الإصابة بهذا المرض، لمحاولة إيجاد العلاج. يا ترى  ما الذي كان في الماضي أفـضل لنحـن إلـيه؟ وهل يختـلف الحنيـن إلى الماضي البعيد عن الحنين إلى الماضي القريب؟ وهل من الممكن استعادة ما نبحث عنه في الماضي لنوقف عن هذا الحنين؟

ماذا كان لديهـم حتى نتغنى بأيامهم ؟ وصلنا قمة العلوم وصارت الحياة أكثر رفاهية وصحة   وطوت المواصلات كل درب طويل.. وأطفأت الاتصالات شوق كل بعيد وجعلت العالم بحق قرية صغيرة ، ولقد صار لدينا أرقى وسائل التعلم والاطلاع والتثقيف، بينما لم يكونوا يعرفون الأطباء ولا الـدواء ولا الكهـرباء ولا المياه النقـية ولا البيوت المريحة ولا  الأشـياء التي نعدها بديهـيات ولم يكونـوا ليحلموا بها ذات يوم ... كيف كانوا... وكيف نحن الان... أيام صعبة نرزح تحت وطأتها والحال لايخفى على أحد...

نتغنى بأيام الحضارة العربية الإسلامية،ترى ماذا كان في قصر الخليفة وليس موجوداً الآن في أفـقر بيت؟ وهل كان للخليفة نفسـه ما يتنعم به الآن فقراء الناس؟ هل يمكن مقارنة مستشفى بغداد (البيمارستان) بأصغر مركز صحي؟ هل كان طعامهم  وشرابهم أفضل؟....صدقوني ما هذا دافع الحنين..

نحنُّ إلى الماضي البعـيد لأننا كنا أمـة مسلمة  قوية مهـابة الجانـب. يقسم قائد مسلم أن يطأ أرضا فيحضروا له ثراها على طبق من ذهب ليدوسه بقدمه بارا بقسمه... يتحدى نقـفور هـارون الرشــيد فـيرسـل إلـيه: جـوابي جيش أوله عـندك وآخره عـندي. تصرخ امرأة: وامعـتصماه، فـيقـود المعتصم جيشـاً يمحو عمورية. يخاطب  عقبة بن نافع  بحر الظلمات قائلا: والله لو كنت أعرف أن وراءك أرضاً لخضتك  مقـاتلاً في سـبيل الله . يعطي المأمون وزن الكتاب المؤلف أو المترجم ذهباً
وتلك الاندلس كان لنا فيها ما كان ...ننظر بعين العزة لذلك وبالعين الاخرى نذرف الدموع على ما صارت أحوال امتنا اليه ونجلس في قلق ننتظر ما تحمله لنا القادم من الايام وأظن في جعبتها الكثير فيا رب سلم ..يا رب سلم

ونحِنُّ إلى الماضي القريب لبساطة الحياة فيه ونقائها ولأننا كنا نعرف بعضنا فيه اكثر...نفتقد كبارنا ولمتهم وبكيناهم حين تقطع عقدهم وانتثر... نفتـقد  الصدق والأمانة وحب الجار وإغاثة الملهـوف ونصرة المظلـوم، أيام كنا لاننام وجارنا جائع ..أيام كنا نحترم ونعطف أيام كنا للارض أقرب ...كانت الحياة أبسط ولكنها كانت أجمل ..فلقد تغير طعم الايام كثيرا وانتزعت منها البركة  صدقوني نشتاق للماضي ونحن له  لا لمظاهره واتمنى ألا اشفى من هذا  الحنين ولو كان مرضا...وهل يا ترى نستطيع استعادة الايام الخوالي تلك؟... نعم نستطيع ببساطة أن نستعـيد تلـك الأزمنـة الجميلـة القريبة والبعـيدة...لا بد أن ننقي ضمائرنا ونتبع دينـنا بأخلاقه وتربيته ومنهاجه القويم ، لا بد أن نقـوى على عدونا وليس على إخوتنا، ولابد أن نسافر الى الجميل من تلك الايام فنأخذ منه كل ما نحتاجه من زاد لنكمل رحلتنا لنعالج ولو نذرا يسيرا من واقعنا المؤلم....،عندها فقط نستعيد ذلك الماضي  وسيستوي حينها ان كنا كنا نمضي اليه بسيارة ...أو على ظهر الجمل
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد