اسمُ ( حرقوص ) ودلالتُهُ اللغوية !

mainThumb

19-05-2015 03:59 PM

نسمع بمقولة : ( لكل انسان من اسمِهِ نصيب ) ، فلذلك سعى الناس لاختيار الاسماء الحسنة ، والابتعاد عن الاسماء المشينة ، لانهم يعتقدون – في الغالب – سريانَ الشينِ للشخص في صفاتِهِ وطبائِعِه !

قال الشاعر :

اعتبرِالأرضَ بأسمائها
...... واعتبروا الصاحبَ بالصاحبِ .

فقضيةُ الأسماء وارتباطُها بالمسمَّى بحثها العلماء ، وأقد أجاد وأفاد العالم النحرير السلفي ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في ( تحفة المودود ) الباب التاسع ( في بيان ارتباط الاسم بالمسمَّى ) :

( وقد تقدم ما يدل على ذلك من وجوه أحدهما قول سعيد بن المسيب ما زالت فينا تلك الحزونة وهي التي حصلت من تسمية الجد بحزن وقد تقدم قول عمر لجمرة بن شهاب أدرك أهلك فقد احترقوا ومنع النبي من كان اسمه حربا أو مرة أن يحلب الشاة تلك التي أراد حلبها ، وشواهد ذلك كثيرة جدا فقل أن ترى اسما قبيحا إلا وهو على مسمى قبيح كما قيل :

وَقَلَّ ما أبصرتْ عيناك ذا لقبٍ
..... إلا ومعناه إنْ فَكَّرْتَ في لَقَبِهْ .

والله سبحانه بحكمته في قضائه وقدره يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها لتناسب حكمته تعالى بين اللفظ ومعناه كما تناسبت بين الأسباب ومسبباتها قال أبو الفتح ابن جني ولقد مر بي دهر وأنا أسمع الاسم لا أدري معناه فآخذ معناه من لفظه ثم أكشفه فإذا هو ذلك بعينه أو قريب منه .

فذكرت ذلك لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فقال وأنا يقع لي ذلك كثيرا وقد تقدم قوله أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وعصية عصت الله ورسوله ولما أسلم وحشي قاتل حمزة وقف بين يدي النبي فكره اسمه وفعله وقال غيب وجهك عني .

وبالجملة فألاخلاق والأعمال والأفعال القبيحة تستدعي أسماء تناسبها وأضدادها تستدعي أسماء تناسبها وكما أن ذلك ثابت في أسماء الأوصاف فهو كذلك في أسماء الأعلام وما سمي رسول الله محمدا وأحمد إلا لكثرة خصال الحمد فيه ولهذا كان لواء الحمد بيده وأمته الحمادون وهو أعظم الخلق حمدا لربه تعالى ولهذا أمر رسول الله بتحسين الأسماء فقال حسنوا أسماءكم فإن صاحب الاسم الحسن قد يستحي من اسمه وقد يحمله اسمه على فعل ما يناسبه وترك ما يضاده ولهذى ترى أكثر السفل أسماؤهم تناسبهم وأكثر العلية أسماؤهم تناسبهم وبالله التوفيق ) .

فهذا هو تقريرُ العلماء الجهابذة ، وهو كلامٌ يدُلُّكَ على عُمْقِ علم ابن قيم الجوزية – رحمه الله –

وما تقدَّم وضعتُه لأستَدِّل به على قُبْحِ اسم ( حرقوص ) رأسِ الخوارج ، فحرقوص بن زهير التميمي على قول بعض أهل التاريخ هو ذو الخويصرة التميمي الذي اعترض على قِسْمَةِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غنائم حنين ، فَلِنُسَلِّطْ الضوء على معاني ( حرقوص ) مُسْتَحْضرين ما تقدَّم من كلام ابن قيم الجوزية .

جاء في اللسان :

( حرقص : الحرقوص : هني مثل الحصاة صغير أسيد أريقط بحمرة وصفرة ولونه الغالب عليه السواد ، يجتمع ويتلج تحت الأناسي وفي أرفاغهم ويعضهم ويشقق الأسقية . التهذيب : الحراقيص دويبات صغار تنقب الأساقي وتقرضها ، وتدخل في فروج النساء ، وهي من جنس الجعلان ؛ إلا أنها أصغر منها وهي سود منقطة ببياض ... ) .

فهو دويبةٌ بقدر الحصاة ، يأتي باللون الأحمر والأصفر والغالب عليه السواد .

وهذا يؤيد أن الخوارج وزعيمَهم ( حرقوص ) سودُ الوجوه ، لِبِدْعَتِهم الشَّنيعة التي جرَّتْ على أنفسهم وعلى الأمة الويلات والمآسي مذ ذَرَّ قَرْنُهم ، فلذلك جاءت الأحاديث في الحثِّ على القضاء عليهم .

فلذلك ذهب بعضُ الصحابةِ أن المقصود بأصحاب سواد الوجوه في الأية :

( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) هم الخوارج وزعيمُهم حرقوص.

ومن أفعال هذا الحرقوص كما جاء في اللسان :

1 – يؤذي الناس بحيث يلتصق في أرفاغهم ويعضهم ، والأرفاغ هي الأماكن الحساسة من الانسان كبواطن الرُّكَبِ ، والآباط ، وهي مواطنُ تَكْثُرُ فيها التَّعَرُّقات والروائح المنتنة ، فهي موطن حرقوص ومبتغاه ، وكذلك الخوارج يفعلون .

2 – ومن أفعال حرقوص أنه يقرض الأساقي التي فيها حياةُ الناس ( الماء ) ، والخوارج يقرضون حياةَ الأمة ، ومقوماتِها ، فقد أفسدوا الدينَ بأفكارهم المنحرفة ، وجرُّوا إليها المِحَنَ والمهلكات .

3 – ومن أفعال الحرقوص أنه يَلِجُ في فروج الأبكار من النساء كلصٍ من غير استئذان ، وهذا فعلُ الخوارج انتهاك الأعراض وسبي المسلمات ، قال ابنُ بري عند تفسير هذا الرجز :

ما لَقِيَ البيضُ من الحرقوصْ
..... من ماردٍ لصٍّ من اللصوصْ

يدخلُ تحتَ الغَلَقِ المرصوص
..... بِمَهْرٍ لا غالٍ ولا رخيصْ

( معنى الرجز أن الحرقوص يدخل في فرج الجارية البكر ، قال : ولهذا يسمى عاشق الأبكار ، فهذا معنى قولها ... ) !
ومن الموافقات أن بعضَ السلف كانوا يُسَمُّوْن الخوارجَ أتباع حرقوص : ( اللصوص ) ، وهذا الرجز في وصف لصوصية الحرقوص يوافق نُطْقَ السلف !

فما أبشعَ أفعالَ حرقوص ، ومن خرج من ضئضئه !

وأيضا من معاني الحرقوص : السَّوْط ، فلذلك قيل لمن ضُرِبَ بالسياط :

( أخذتْهُ الحراقيص ) أي السياط .

فحرقوص ومن معه سياطٌ على هذه الأمة كما أخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( يقتلون أهل الاسلام ، ويدعون أهل الأوثان ) .

هذه إضاءت على حرقوص رأسِ الحوارج في القديم والحديث .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد