يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( الدنيا ملعونة ملعون من فيها إلا عالما أو متعلما أو ذكر الله وما ولاه ) ... والمقصود باللعن هنا هو : الذم ، فكل شيء في هذه الدنيا مذموم بإستثناء طالب العلم الشرعي والعلماء والدعاة الشرعيين ، كما استثني من الذم : الذكر والتسبيح والتهليل والطاعات ، وأهل الإيمان المداومين على الذكر والتسبيح وعلى العبادات والطاعات ...
فالدنيا لا وزن لها عند خالقها ... ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافر شربة ماء ؛ كما ذكرت الأحاديث النبوية الشريفة ...
فرب العالمين رحيم بخلقه أجمعين ، ويريد لهم الهداية والسداد والظفر بالنعيم المقيم ؛ والله يتودد الى عباده بالخيرات ويفرح لتوبتهم اليه ولعودتهم إلى طريق الهدى والحق والطاعات ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) ...
كما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقول الله - عز وجل - : من ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ، ومن تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعا ، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعا ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ) ...
الله هو ربهم وخالقهم وهو الأرحم بهم من أنفسهم ... لذلك فإنهم يكره لهم الإنشغال بهذه الدنيا الزائلة والفانية ؛ ورغبهم ووجه قلوبهم وعقولهم إلى النعيم الأبدي المقيم والذي أعده لهم في الحياة الآخرة ...
وإن كل هذه النعم التي خلقها الله تعالى لنا ونراها أمامنا كل يوم ، وإن كل هذه المناظر الآسرة للمهج وللقلوب والتي نشاهدها كل يوم ، وإن كل هذا الجمال الساحر للعقول والذي نواجهه في حياتنا الدنيا ... فإن الغاية من كل هذه النعم دفع الناس ليشكروا ربهم على كرمه ونعمه ؛ والغاية الأخرى من هذه النعم الدنيوية هي توصيل صورة مبسطه لأذهان الناس عن نعيم الآخرة الأبدي والذي أدخره الله لعباده المؤمنين ...
ولإن الله تعالى هو العادل والجواد لم يمنع نعيمه الدنيوي عن خلقه : كافرهم ومؤمنهم ... عساهم أن يشكروه ويعبدوه حق عبادته ؛ وعساهم أن يأخذوا لمحة” بسيطة” عن نعيم الجنة الأبدي والذي ينتظرهم يوم القيامة ...
فكما كانت نار الدنيا هي مجرد لمحة” عن نار الآخرة فإن نعيم الدنيا هو مجرد لمحة بسيطة عن نعيم الأخرة ؛ فالقرآن الكريم وصف لنا شيئا”من نعيم الآخرة إنطلاقا مما نراه ونشاهده ، ورسولنا عليه الصلاة والسلام وصف لنا بعضا” من نعيم الآخرة إنطلاقا” مما نراه ونسمعه ؛ ووصف لنا ما إستطعنا تصوره وتخيله ، ولكن رسول الله استدرك في نهاية وصفه لنعيم الجنان بقوله : فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر !!!.
فلا تلهينكم اللمحة عن الحقيقة ولا الفانية عن الباقية ؛ ولا تخدعنكم حدائق الدنيا الجميلة ولا بساتينها الوارفة ولا أنهارها الجارية ولا ينابيعها الفوارة ؛ ولا تنشغلوا بشيء من متع الحياة الزائلة ؛ فما أدخره لكم ربكم يوم القيامة هو أكثر وأكبر ، ولا تفتتنكم النساء ولا القصور ولا البنايات والأبراج العالية ؛ فما أعده لكم ربكم في جنانه هو : الأجمل والأحلى وهو الأفخم والأدوم ...