أليس من نهاية للانقسام الفلسطيني

mainThumb

31-08-2016 10:06 AM

يعلم يقينا أن المسئولين في السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، والمسئولين في حركة حماس في قطاع غزة يدركون المأساة التي تضاعفت مرات عديدة بفعل الانقسام الذي أخذ منحى نجم عنه خسارة جسيمة للشعب الفلسطيني في معيشته، وحركته واقتصاده، وقدراته، ومن قبل استمرارية الزخم في الصمود والعطاء والتضحية مما يمتد لعشرات السنين.  إذن ما الحل لهذه المعضلة التي لا يعني استمرارها إلا ضياع للقضية والشعب والأرض معا، وهو ما ينبغي تداركه قبل أن يصل الأمر برمته إلى خط اللاعودة بما يضمه من تبعات قد تعني دخول القضية في عالم النسيان، وربما بسط الكيان الإسرائيلي سيطرته على كامل الأرض الفلسطينية دونما اعتبار لحق سكانها فيها، ومواردها وإقامة دولتهم على أرضها، على أن ما يلاحظ بأن الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس لم يؤد إلا لمزيد من التمييع للقضية الفلسطينية، الأمر الذي أحسنت دولة الكيان الإسرائيلي استغلاله بأفضل الطرق والسبل مشددة حصارها وتعاملها مع الشعب الفلسطيني في الداخل، والذي استفحل بفعل الأحداث المؤلمة التي ألمت ببعض الدول العربية نتيجة لما أطلق عليه (الربيع العربي) والتدخل السافر لقوى إقليمية في الشأن العربي في أكثر من دولة، كان البعض يظن أنها تقف إلى الجانب الفلسطيني في حربه السياسية لنيل حريته وإقامة دولته المستقلة على أرضه.
 
 
ومنذ ما قبل بدء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في تسعينيات القرن الماضي، انتهجت منظمة التحرير الفلسطينية التي ضمت كبريات حركات التحرر الفلسطيني فتح، وغيرها مما انضوى تحتها من منظمات فلسطينية أخرى الخيار السياسي والديبلوماسي بغية تحقيق السلام مع الإسرائيليين وإقامة الدولة الفلسطينية وفقا لما يتم التوصل إليه من اتفاقيات بين الطرفين.  أما حماس، فإن منالمعروف أنها منذ تأسيسيها على يد الشيخ أحمد ياسين، اختطت لنفسها منهج المقاومة العسكرية كمبدأ رئيس لمواجهة الاحتلال الفلسطيني للأرض الفلسطينية، وبدرجة أقل، العمل بالتوازي على برنامج سياسي مقاوم أيضا، يعبر عن نهج الحركة وتوجهاتها في الداخل الفلسطيني وخارج الأراضي الفلسطينية أيضا.
 
وقد كان من نتائج النهج الذي اختطته الحركة، اكتساب تأييد لا شك كبير في الأرض الفلسطينية قياسا على العمليات التي كانت تقوم بها ضد قوات الاحتلال، وهو ما تمخض عنه فوز الحركة بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات التي أجريت عام 2006، وتشكيلها للحكومة الفلسطينية في ذلك الوقت، وقيادتها لها. لكن ماذا كانت النتيجة؟ كانت امتناع الفصائل الفلسطينية خصوصا فتح عن المشاركة في الحكومة التي شكلتها حركة حماس برئاسة السيد/ اسماعيل هنية، وتعرضها لحصار إسرائيلي مشدد عرقل عملها، ومحاولات للإطاحة بها وسحب كثير من صلاحياتها في ذلك الوقت، إضافة إلى ما أنتجته من قلاقل في تلك السنة، نتج عنها مقتل العديد من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
 
وبالرغم من محاولات المصالحة العديدة بين الطرفين الفلسطينيين الرئيسين، ومنها اتفاق مكة الذي تم التوصل إليه عام 2007 برعاية ملك المملكة العربية السعودية آنذاك الملك عبد الله بن عبدالعزيز يرحمه الله، إلا أن الاشتباكات المسلحة بين الطرفين تجددت عقب ذلك، وانتهى المطاف إلى انقسام سياسي فلسطيني أشد وطأة، سيطرت معه حركة حماس على قطاع غزة، حيث تديره منذ ذلك الوقت، والسلطة الفلسطينية في رام الله التي تشرف على الضفة الغربية المحتلة.
 
 
لسنا في وارد استعراض كل محاولات المصالحة بين الأطراف الفلسطينية، لكن حتى بعد توقيع وثيقة الاتفاق الوطني للمصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني في القاهرة في عام 2011، ومن ثم تشكيل حكومة الوفاق الوطني في عام 2014، وهو ما كان الشعب الفلسطيني لاسيما في غزة، يعلق آماله عليه في رفع الحصار عن غزة، وتحسين مستوى معيشة السكان، لكن لم يطرأ أي تحسن ملموس في واقعهم المأساوي الذي زاده الطين بلة بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014 خصوصا في قطاعات الإسكان والمياه والكهرباء ثم الرواتب وغيرها.أما في الوقت الحالي، فإن ثمة جهودا كبيرا تبنى على أعلى المستويات في الأردن ومصر وغيرها لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، لتجديد انطلاقة مفاوضات السلام مع الإسرائيليين.
 
ومع العلم بأن هناك الكثير من المقالات التي كتبت في هذا الموضوع، وقتله بحثا في سبيل البحث عن الحلول له، إلا أن المقدمة أعلاه كانت لازمة وضرورية توطئة لما سيطرح تاليا، وهنا يطرح السؤال التالي الذي طرح من قبل، إلى متى سيستمر الانقسام على الشاكلة التي هو عليها بالنظر لتأثيراته الجد سلبيتها على القضية الفلسطينية في المجمل على الساحة الدولية، وانعكاساته المدمرة على الشعب في الداخلي الفلسطيني على وجه من الخصوص؟
 
إذن لا بد من كلمة سواء، تجمع ولا تفرق، وتأخذ في الاعتبار مكامن القوة لدى الأطراف الفلسطينية كافة، بما يؤدي إلى توظيفها استنادا إلى ما يتم التوصل إليه من اتفاق مصالحة بينها في صالح القضية الفلسطينية والتوصل إلى حل دائم للصراع المتواصل مع الكيان الإسرائيلي، وتوفير الحماية الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يتم العمل فيه على التوصل إلى حل سياسي، بتوافق بين مختلف الأطراف الفلسطينية على موقف غير قابلة للنقض أركانه ويعمل لأجله على كافة المستويات العربية والإسلامية والدولية ويتم بموجبه تقديم مشروع حل سلمي متكامل للمنظمة الدولية من قبل السلطة الفلسطينية، والعمل على التعريف به بنشاط ديبلوماسي متعددة آفاقه، ودون كلل أو ملل واستقطاب الدعم له إلى أبعد مدى ممكن، لاسيما من قبل الأطراف الفاعلة دوليا والمعروفة للجميع، والعمل على تطبيقه، وإلزام الكيان الإسرائيلي لقبوله دون مماطلة أو تسويف ضمن فترة زمنية محددة غير قابلة للتمديد.
 
لكن ماذا عن رفض إسرائيل المتوقع لهذا الحل إذا ما أخذ في الاعتبار رفضها المتواصل لأية حلول دائمة لسنوات طوال وأخرها المبادرة المصرية والفرنسية أيضا؟  هنا، تقتضي الضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال إلزام إسرائيل بالتجاوب الحقيقي مع جهود التوصل إلى الحل المنشود وفقا للسيناريوهات التي تم التوصل إليها في اتفاق المصالحة بين الأطراف الفلسطينية.
 
أما خيار الانقسام وهو ضد مصلحة الشعب الفلسطيني إن بقي على حاله، فليس يعني إلا تكريس واقع فلسطيني مرير لن يجر إلا إلى مزيد من الويلات والنكبات لهذا الشعب، واستمرار الكيان الإسرائيلي في سياسته تجاهه، إذ أن إصلاح البيت الداخلي الفلسطيني أولا هو المنطلق لتحقيق الغايات التي ينشدها الشعب.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد