ثمن الانتصار في حلب

mainThumb

13-12-2016 09:28 AM

بعد التدخل الروسي السافر في سوريا لصالح النظام، فيما يبدو فإن النظام بات يسيطر على أكثر من تسعين بالمائة من مساحة مدينة حلب المنكوبة بدمارها، وبشهدائها، والمغادرة القسرية لكثير من سكانها الذين عانوا ويلات الحصار والقصف برا وجوا، كما حدث في مدن أخرى، ومنها حمص كمثال ليس بحصري على ما يحدث في المدينة الشهباء.والسؤال الذي يطرح حنا، هل يحق للنظام أن يفرح بما حقق في حلب وفي غيرها من المدن السورية من قبل؟
 
لم يدر حقيقة في خلد السوريين ربما عندما بدأوا ثورتهم ضد النظام قبل حوالي ست سنوات بسبب سياسة الظلم والفساد والقمع التي انتهجها أن النظام سيدمر بلده، ويقتل شعبه للاحتفاظ بمقاليد الحكم بكل غطرسة متلمسا طريق سلفه والده في الحكم في التضييق على كل من يعارضه، بالقتل والسجن والتعذيب، ليبقى الحاكم الأوحد، كما قال فرعون (أنا ربكم الأعلى)، ليس للاستمرار في حكم شعبه على الطريقة التي يريد فحسب، بل لأن ثمة دورا مطلوبا منه أن يكمله، سواء علم بذلك أم لم يعلم، فتركه العالم الغربي "المتحضر" يقوم بذلك، لما يناسب هواه في خدمته على المدى الطويل، وإسداء خدمة للكيان الصهيوني، لم يكن يحلم بها، كان من نتائجها تدمير بلد كبير بتاريخه وشعبه، ويأتي بعدها قطف النتائج في إعادة البناء بين الأطراف التي ستتقاسم الكعكة السورية في المستقبل، على أن إعادة البناء هذه، وبكل تأكيد سيكون لها ثمنها الباهض الذي سيدفعه النظام، برهن البلد ومستقبله لتلك الأطراف التي تدخلت لجانب النظام ليس كما يقال من أجل سواد عينه، ولكن كل وفقا لهواه، ومبتغاه.
 
لم يسيطر النظام على حلب، ومناطق غيرها، إلا بتدخلات خارجية، روسية، وإيرانية، وإسرائيلية، وهؤلاء لا بد لهم، مقابل ما قدموه، من الحصول على حصة من الغنيمة، وهذا كله لم يحصل إلا بسبب نأي أمريكا بنفسها عن التدخل المباشر لفك المحن التي تعرض لها الشعب السوري على يدي نظامه، إلا إذا طرأ تغير على الموقف الأمريكي في عهد الرئيس الجديد ترامب الذي بدأت ترتيبات دخوله إلى البيت الأبيض بالاقتراب من نهايتها.
 
الروس لا شك يريدون أن يثبتوا ويبرهنوا للعالم أنهم قوة عظمى تعامل أمريكا الند بالند، فكانت سوريا هي موطئ قدمهم في الشرق الأوسط وضحية ذلك الحلم الذي أراده أصحابه أن يكون حقيقة لا خيالا، وأنهم لن يتنازلوا طواعية عن التكاليف التي دفعوها في سبيل البقاء مؤثرين في المنطقة بغض النظر من وجهة نظرهم هم عن تجردهم من كل القيم الإنسانية والذي تجلى في استخدام أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية الروسية في هدم مدينة حلب على رؤوس قانطيها.
 
أما الإيرانيون، فمعلوم ما هو دورهم وهدفهم، وأوله محاربةوالقضاء على كال ما يخالف نهجهم الطائفي والمقصود بذلك أولا الطائفة السنية الأكثر انتشارا في العالم وفي منطقتنا العربية تحديدا، واستكمال امتدادهم السرطاني في الجسم العربي، بداية من العراق الذي شكلت فيه حشود تتبع ولاية الفقيه في إيران، مرورا بسوريا حيث استقوى النظام بهم، وانتهاء بلبنان وغيره، وربما إلى ما هو أبعد من لبنان عطفا على طموحات الدولة الصفوية الجديدة من تأسيس امبراطورية فارسية لها امتداداتها في منطقتنا العربية، ولكن هذه المرة من خلال إخضاع ما تقدر عليه من الدول العربية لسيطرتها أو على الأقل التأثير فيها بما يتناسب مع طموحاتها، وتأسيس تنظيمات تستخدمها لتلك الغاية، كما حزب الله، والحشد الشعبي، والحوثيين.  وقددعمها في ذلك الدور الأمريكي الذي مارس سلبيته في العراق، وها هو يمارسه في سوريا، خدمة للابن الصهيوني المدلل.  تركيا، بدورها لها نصيب من الكعكة، فهي أطلقت يدهالتمارس كل نفوذ وتدخل ممكن للحيلولة دون تحقيق الأكراد لأطماعهم، في اتحاد المناطق الكردية في العراق، وسوريا وتركيا، وإقامة الدولة الكردية التي يطمحون لتأسيسها.
 
ليس من المبالغة القول أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر مما حصل في سوريا، فتدمير مقدرات الدولة السورية، وإنهاك الجيش السوري بحرب على الشعب السوري، أتاح لها الفرصة للاطمئنان، والقيام بكل ما يلزم بالاتفاق مع اللاعبين الأخرين، للمحافظة على أمنها، وشن غارات على أهداف في الداخل السوري تعتبرها مهددة لأمنها.
 
مرة أخرى، يخطئ النظام السوري إن اعتبر انتصاره في حلب مدخلا إلى سيطرته على سوريا، فمعركة حلب لا شك مرحلية، وثورة الشعب السوري لن تتوقف بعد كل الهوان، والقتل والتشريد الذي أصابه، وإن كان ثمة جيل يجبر على التعايش عنوة مع النظام، فإن الأجيال الحالية، والمستقبلية، التي فقدت أمهاتهاوأباءها وأبناءها، ونساءها وبناتها، لن يطول سكوتها إلى الأبد عما قام به النظام بحق بلدهم في يوم من الأيام.
 
 
كاتب ومحلل سياسي


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد