قراءة سياسية لوثيقة حركة حماس

mainThumb

04-05-2017 11:23 AM

الأسباب والدوافع والتحديات التي تواجهها .

 

أهم حصيلتها إزالة الخلافات السياسية بين مختلف الأطراف الفلسطينية .
 
 
أزالت وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي أقرتها حركة حماس عبر مؤسساتها الشورية والتنفيذية ، وإعتماداً على حوار داخلي ، استمر لمدة سنتين ، وكذلك مع أطراف عربية ودولية ، ومرجعيات إسلامية ، أعلنها رئيسها خالد مشعل في الدوحة يوم الأول من أيار 2017 ، أزالت هذه الوثيقة شكل الخلافات السياسية ، بينها وبين حركة فتح من جهة ، وبينها وبين باقي الفصائل من جهة ثانية ، ووفرت لنفسها ولقيادتها الجديدة حرية عمل أرحب ، وهامش أوسع من المناورة السياسية على خلفية المستجدات اللفظية التي أحدثتها والتحولات الموضوعية التي لا فكاك منها . 
 
فالمنطلقات العامة والخطوط التي رسمتها لنفسها ، وفق وثيقة المبادئ والسياسات حمالة أوجه ، تحتمل التفسيرات المتعددة ، ويمكن توظيفها بكل الإتجاهات ، ومع كافة الأطراف ، وبذلك يمكن وصفها على أنها حالة تكيف سياسي مع المعطيات القائمة التي تسود المشهد الفلسطيني وتأثره المباشر بالعوامل المحيطة به إسرائيلياً وعربياً ودولياً . 
 
وبالتالي إن أبرز ما يمكن ملاحظته في الوثيقة وتسجيله هو أنها أزالت الخلافات بين الأطراف السياسية الفلسطينية ، ولم يعد مبرراً وجود خلافات سياسية وتباينات إجتهادية تحول دون التوصل إلى تفاهمات وإتفاقات تنظيمية جبهوية ، تُنهي حالة الإنقسام والتفرد والشرذمة بين فتح وحماس ، وبين الضفة الفلسطينية وقطاع غزة . 
 
ومع ذلك لماذا الأن وبعد ثلاثين عاماً من ولادة حركة حماس في أعقاب إنفجار الإنتفاضة الأولى عام 1987 ، حيث كانت تسعى حماس لإبراز نفسها على أنها مميزة عن باقي الفصائل والتنظيمات الفلسطينية ، وأن ولادتها السياسية والفكرية والحزبية والعقائدية من رحم حركة الإخوان المسلمين جاء ليشكل بديلاً لسياسات منظمة التحرير الفلسطينية وخياراتها وتحالفاتها . 
 
فقد ناصبت حركة الإخوان المسلمين المرجعية الفكرية والسياسية والحزبية لحركة حماس العداء السياسي المعلن لمنظمة التحرير ولم تعترف بشرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني لأنهم إعتبروا منظمة التحرير صنيعة عبد الناصر وهو الذي دعا إلى تشكيلها وهي أحد أدواته السياسية ، إضافة إلى إنضمام عدد من شباب الإخوان المسلمين للعمل الفلسطيني بعد خروجهم عن مرجعيتهم التنظيمية : ياسر عرفات ، صلاح خلف ، خليل الوزير ، سليم الزعنون ، وإنخراطهم في منظمة التحرير ، وزادهم رفضاً لها إنخراط الأحزاب القومية واليسارية : حركة القوميين العرب والبعثيين والشيوعيين لمنظمة التحرير نظراً لكون هذه الأحزاب بمثابة خصوم سياسيين وحزبيين وعقائديين لحركة الإخوان المسلمين . 
 
وحصيلة هذا الموقف الإخواني عكس نفسه على موقف حركة حماس من منظمة التحرير ، رغم كل المحاولات التي بذلها الرئيس الراحل ياسر عرفات للتعامل مع الشيخ أحمد ياسين ومع حركة حماس ومد اليد لهم وخاصة بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد 2000 ، وعزم أبو عمار لتوسيع دائرة الفعل الفلسطيني الجهادي والمقاوم لتغيير المعادلة السياسية وفرض وقائع جديدة تدفع بالأميركيين والإسرائيليين ، للتعاطي الإيجابي أكثر مع قضيتي القدس واللاجئين اللتين سببتا فشل مفاوضات كامب ديفيد . 
مشاركة حركة حماس بإنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 ، بعد أن رفضت المشاركة بها عام 1996 ، على أثر رفضها لإتفاق أوسلو الذي أنجب السلطة الفلسطينية ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية ، غيّر من المعادلة الفلسطينية بعد أن فازت حركة حماس بالأغلبية البرلمانية وباتت تقود المجلس التشريعي برئاسة عبد العزيز الدويك ، والحكومة برئاسة إسماعيل هنية . 
 
حركة حماس عبر وثيقتها الجديدة كما يرى العديد من المراقبين تتوسل تحقيق مجموعة من الأهداف يقف في طليعتها الإقرار بدورها السياسي ومكانتها القانونية عبر محاولة إزالة التحفظات العربية والدولية ضدها ، عبر قبول نتائج الإنتخابات 2006 ، والإنقلاب 2007 ، والتعامل معها بإعتبارها سلطة أمر واقع في قطاع غزة ، تسعى نحو إستكمال شرعية وجودها المفقود ، كما تسعى نحو التكيف مع سياسات منظمة التحرير ، لتكون جزءاً منها مدفوعة بمجموعة من العوامل هي : 
 
1 - ضغوط قطرية تركية من طرف وضغوط مصرية من طرف أخر ، فالتبني القطري التركي لحركة حماس تدفع بإتجاه جعل حماس مقبولة دولياً ، وإزالة العوائق البرنامجية والعقائدية والأرتباطات التنظيمية التي تجعل من حماس أسيرة لمفاهيم وسياسات لا تتفق والعلاقات القطرية التركية مع الأوروبيين والأميركيين ، الأمر الذي يتطلب دفع حماس كي تتكيف مع المستجدات القائمة ، والعمل على تسويقها عبر إمتلاكها الحد الأدنى من التكيف مع المعايير الدولية . 
 
 
  ولم تكن الضغوط المصرية أقل تأثيراً ، بإتجاه دفع حماس نحو فك إرتباطها التنظيمي مع حركة الإخوان المسلمين المعارضة  لنظام الرئيس السيسي . 
 
2- فشل حركة الإخوان المسلمين في أكثر من موقع ومكان ، في مصر كما في ليبيا وسورية كما في اليمن ، إضافة إلى أن إرتباط حماس مع الإخوان المسلمين أفقدها مواقع سياسية جغرافية مساندة وخاصة في مصر وسورية بسبب عدم تمكن حماس من ممارسة سياسة مستقلة عن الإخوان المسلمين ، وموقعها المعارض لسياستي القاهرة ودمشق واصطدامها مع العاصمتين بسبب إرتباطها وإنحيازها لحركة الإخوان المسلمين ونتائجها الفاشلة . 
 
3- فشل حماس في أن تكون البديل عن منظمة التحرير رغم تفوقها في الإنتخابات التشريعية عام 2006 ، وإنقلابها الذي إنفردت على أثره بإدارة قطاع غزة  عام 2007 ، ومعها أكبر حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي ، ولكن ذلك لم يمنحها القدرة لأن تكون البديل عن منظمة التحرير ، ولذلك حنت رأسها الأن كي تتماهى مع سياسات منظمة التحرير ، لعلها عبر هذا التماهي تستطيع المشاركة في مؤسسات منظمة التحرير وتحقيق حلمها في أن تكون قائدة الشعب الفلسطيني بديلاً للأئتلاف السياسي الذي يقود منظمة التحرير بقيادة فتح . 
 
ورغم هذا التكيف الذي تسعى له حركة حماس ثمة تحديات ومعيقات تواجهها يقف في طليعتها : 
 
1 – رفضها لإتفاق أوسلو ، رغم أنها شاركت في إنتخابات السلطة التي ولدت من رحم إتفاق أوسلو ، حيث يبرز التناقض في موقفها ، وهي في مأزق تحتاج للخروج منه حول كيفية التعامل مع نتائج أوسلو طالما ترفضه أصلاً . 
 
2- شاركت في إدارة السلطة وحينما تمكنت قامت بإنقلاب عليها ولازالت متمسكة بنتائج هذا الإنقلاب وسلطته وتفردها في إدارة السلطة في قطاع غزة ، مما يتطلب إنهاء الإنقلاب وتداعياته والإحتكام مرة أخرى لصناديق الإقتراع . 
 
3- تتحدث عن المقاومة وهي تلتزم بإتفاق التهدئة مع العدو الإسرائيلي ، ذلك الإتفاق الموقع يوم 21/11/2012 ، عبر الوساطة المصرية في عهد الرئيس محمد مرسي ، وتم تجديده يوم 26/8/2014 ، في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وقد أعلن إسماعيل هنية نائب رئيس حركة حماس في خطبة الجمعة يوم 4/5/2016 ، عن مطالبته للأشقاء المصريين بإلزام الطرف الأخر بإتفاق التهدئة طالما أن حركة حماس متمسكة بالإتفاق وتلتزم به . 
 
في التدقيق لنصوص وثيقة المبادئ والسياسات العامة ، لحركة حماس ، يمكن ملاحظة ما يلي : 
 
1 - " حركة حماس ، حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية ، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني ، ومرجعيتها الإسلام " .
 
 ولا جديد في ذلك !. 
 
2 - " الشعب الفلسطيني شعب واحد ، بكل أبنائه في الداخل والخارج ، وبكل مكوناته الدينية والثقافية والسياسية " . 
 
ولا جديد أيضاً بإستثناء طرح السؤال عن من هي مكونات الشعب الفلسطيني الدينية ؟؟ أليسوا مسلمين ومسيحيين ويهود ودروز ؟؟ وهذا ما يغيب عمداً عن تشخيص الواقع الإجتماعي الإنساني للفلسطينيين .
 
3- " تؤكد حماس أن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعاً مع اليهود بسبب ديانتهم ، وتخوض صراعاً ضد الصهاينة المحتلين المعتدين " . 
 
وتوضيح ذلك مفيداً ولكن ليس جديداً .
 
4 - " يُعد منعدماً كل من تصريح بلفور ، وصك الانتداب البريطاني على فلسطين ، وقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وكل ما ترتب عليها أو ماثلها من قرارات وإجراءات ، باطل من أساسه " . 
 
   يستوجب التفريق هنا بين تصريح بلفور الإستعماري ومعه صك الانتداب ، وبين قرارات الأمم المتحدة ، فالقرارات هذه مهما كانت مجحفة بحق الشعب الفلسطيني ولكنها سلاح سياسي في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، الذي يرفض كافة قرارات الأمم المتحدة بما فيها قرار التقسيم 181 ، وقرار حق عودة اللاجئين وإستعادة ممتلكاتهم 194 ، وقرار الإنسحاب وعدم الضم 242 ، وحل الدولتين 1397 ، وخارطة الطريق 1515 ، وأخيراً قرار رفض الإستيطان 2334 ، ولذلك الخلط من ناحية سياسية وقانونية غير جائز ويوفر فرصة لقادة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي للتهرب من الإلتزامات المترتبة عليهم وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي يجب التمسك بها بإعتبارها مرجعية للإحتكام بها وإليها أمام المجتمع الدولي وتهرب تل أبيب من إستحقاقاتها . 
 
5- " إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة ، وعاصمتها القدس ، على خطوط الرابع من حزيران 1967 ، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أُخرجوا منها ، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة " . 
 
   بذلك تعمل حماس على توظيف هذه الصيغة لتشكل لها غطاء لقبول التسوية والإنخراط في دهاليزها والتكيف مع معطياتها نزولاً عند الصيغة التوافقية ، والإختباء خلفها .  
 
   6- " مقاومة الإحتلال بالوسائل والأساليب كافة حق مشروع ، وفي القلب منها المقاومة المسلحة التي تُعد الخيار الإستراتيجي لحماية الثوابت وإسترداد حقوق الشعب الفلسطيني " .
 
كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح تؤكد هذا الكلام .
 
7- " إدارة المقاومة من حيث التصعيد أو التهدئة ، أو من حيث تنوع الوسائل والأساليب ، يندرج كله ضمن عملية إدارة الصراع " . 
 
غطاء للإلتزام بإتفاق التهدئة الساري المفعول بينها وبين العدو الإسرائيلي . 
 
8- " تؤمن حماس وتتمسك بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار ، بما يعزّز وحدة الصف والعمل المشترك، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وتطلّعات الشعب الفلسطيني " .
 
   يتنافى هذا العرض مع سلوك حركة حماس بإدراتها المنفردة لقطاع غزة ، منذ الإنقلاب في حزيران 2007 وحتى يومنا هذا .
 
9- " منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه " . 
 
  فشلت حركة حماس في أن تكون البديل عن منظمة التحرير منذ تشكيلها وولادتها ، وهي لم تقر بعد أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني . 
 
10- " تؤكد حركة حماس على أن دور السلطة الفلسطينية يجب أن تكون في خدمة الشعب الفلسطيني وحماية أمنه وحقوقه ومشروعه الوطني " . 
 
يبدو أن حماس تتجاهل أنها شريك في هذه السلطة ، فهي تقود المجلس التشريعي والحكومة ، ونفذت إنقلاباً وفر لها التفرد في إدارة قطاع غزة ولاتزال ، وهي لا تختلف عن حركة فتح في إدارتها الإنفرادية للهامش المتاح لها في الضفة الفلسطينية ، فالحال من بعضه بين الضفة والقطاع ، وبين فتح وحماس . 
 
ومع ذلك وجدت وثيقة حماس الترحيب من قبل أغلبية الفصائل والشخصيات الفلسطينية لأنها تجد فيها تطوراً يتجاوب مع المعطيات القائمة ، ويوفر أرضية للتلاقي بإتجاه تحقيق ثلاثة شروط يتطلع إليها الشعب الفلسطيني وهي : 
 
1 – برنامج سياسي مشترك تتم صياغته من مجموعة الفصائل والإتجاهات الفلسطينية كافة . 
 
2- مؤسسة تمثيلية موحدة وهي منظمة التحرير وأداتها على الأرض داخل فلسطين المحتلة السلطة الوطنية . 
 
3- الإتفاق على الأدوات الكفاحية المناسبة لمواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي والأدوات هي : إنتفاضة شعبية ذات طابع مدني ، الكفاح المسلح ، المفاوضات ، النشاطات الدبلوماسية والسياسية على المستوى الدولي .  
 
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية. 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد