قصة أردنية‎

mainThumb

31-05-2017 12:12 PM

 كان يقاتل ظلمات متراكمة تكالبت عليه، ظلمة العمى، وظلمة الاهمال، وظلمة الحكومة التي فاقت كل قطع الليل المظلم التي اعترضته في حياته! استطاع بقوة عزيمته واصراره أن يتغلب على هذه الظلمات، الا أن ظلم ذوي القربى كان أشد وطأة عليه، وظلم القريبين الذي من المفروض أن يتفهموا وضعه ويساعدوه، كان أليما جدا.

 
قوم اذا تسول فيهم الكبير طبلوا له وأكبروه، واذا تسول فيهم الضعيف، أوسعوه تشهيرا وفضحوه على روس الأشهاد، وطارت قصته على مواقع التواصل، وصار الذليل يمثل عليه دور البطل، ويصول عليه وهو مكشوف القفا.
 
كيف يعيش من تعطيه الحكومة على أحسن تقدير 450 دينارا، يدفع منها 250 دينارا أجرة بيت متواضع في المدينة القاسية، ويدفع 50 دينارا فواتير لا ترحم، و100 دينار مواصلات لرجل كفيف تتقاذفه سيارات الأجرة. يبقى خمسون دينارا، هل تكفي مصروفا للبيت أو حليبا لابنه الصغير، أو لبعض مطالب الزوجة، أو طعام وشراب.
 
حار في وضعه كثيرا، جلس على أطراف ظلماته، وأدار الأمر في رأسه، ارتفع ضغط دمه، تعرق وجهه، ارتجفت أطرافه، ونزلت دمعة من عين جفت منذ عشرات السنين! راودته فكرة أن يقف على اشارة المرور يبيع حاجات بسيطة، لعله يرقع ما اهترأ من ثوب حياته، وفعلا غالب تردده وقام في أول أيام رمضان بتنفيذ ما عزم عليه، لكن بعض العاقين اكتشفوه، وأبلغوا عنه، وهاجمته الشرطة والتنمية، فطارت بقصته الركبان، وصارت أحاديث القيان  والمجان.
 
ايها الأبطال، يوجد في البلد مؤسسات، استحوذت على أموال المحسنيين، على أساس أنها تعالج هذه الاختلالات، وترأب هذا الصدع العميق في المجتمع، لماذا تقوم التنمية الاجتماعية والشرطة بمداهمة هؤلاء الناس وحجزهم، دون دراسة حالتهم، والتنمية تعرف رواتب الموظفين في البلد وأنها لا تقوى على مجابهة متطلبات الأسرة والغلاء.
 
لماذا لا تقوم هذه المؤسسات بدراسة كل حالة على حده، ومساعدتها مساعدة شهرية ثابتة، تغنيها عن السؤال؟.
 
سيقول المثبطون، هناك أناس امتهنوا التسول! فأقول نحن لا نتكلم عن هذه الفئة، بل نتكلم عن أصحاب الحاجة.. وإن كان البعض قد امتهن التسول، فإن عندنا مؤسسات امتهنت أخذ أموال المحسنين، ولم تعطها للمحتاجين ونسيت الواجب الذي وجدت من أجله، فإن كانت الحكومة لا تستطيع أن تعطي المواطن ما يسد حاجته، فعلى هذه المؤسسات أن تقوم بدورها، وتغني المواطن عن السؤال، فمعظم المواطنين يئنون تحت وطأة الفقر والحاجة، والحاجة ليست في الطعام، ولكن كل شيء في البلد بثمنه، من التعليم الى الصحة الى الطاقة ..الخ. والرواتب للطعام فقط. فمن لباقي الحاجات؟!!
 
لا تلوموه ولوموا أنفسكم، كيف جردتم سيوفكم على الضعيف دون أن تعرفوا الحقيقة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد