هل الدنيا ملعونة‎ ؟

mainThumb

19-07-2017 06:41 PM

 لم أستسغ ما نشره بعض الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي، من أحاديث تذم الدنيا وتصفها بأقذع الأوصاف، وتحذر منها، فحاولت بعجالة أن أتحقق من هذه الأحاديث، وألفت نظر العامة والخاصة ، وأعني بالخاصة الدارسين والمشتغلين بالحديث، ومن يتعرضون لخطاب الناس، حتى يكونوا على بينة وهم يخاطبون الناس، ليبينوا لهم الحق ويبرزوا لهم الاسلام الناصع خاليا من أي شيء طرأ عليه.

كتب صديقنا: ( الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، الا ذكر الله، وما والاه، وعالم ومتعلم).
 
ثم أورد الحديث: ( لوكانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء.)
 
ثم أردف آخر: ( الدنيا جيفة، فمن أرادها فليصبر على مخالطة الكلاب.) هكذا بكل فجاجة.
 
واستغربت كيف ينتشر هذا الكلام ويكتب في الكتب، ويتحدث فيه المحدثون، سواء قبلوه أم ردوه! فالأصل أن لا يقبل هذا الكلام لأنه يتعارض مع جوهر الاسلام، وكان الأجدى بالمحدثين رفضه ورفض الحديث به أو مناقشة سنده، حتى لا يصل الينا.
 
على الرغم من ذلك حاولت أن أتحقق من صحتها على طريقة علماء الحديث، فعدت الى تخريج هذه الأحاديث، فوجدت أنها ما بين ضعيف وموضوع، وقرأت كلاما مطولا يتحدث عن أحوال الرواة، وطبقاتهم، وغيره مما يتعلق بالسند، لكني لم أجد سطرا واحدا يتحدث عن متن الحديث، وهل هو يتعارض مع القرآن أم لا، أو يتعارض مع حكمة الخالق في خلق الانسان أم لا، أو حتى يتعارض مع أحاديث صحيحة، غلّب العلماء أنها وردت عن الرسول.
 
فالأقوال هذه، لا يمكن أن تصدر عن الصادق المصدوق، وقد جاءت رسالته، لكي تعمر الدنيا بما يرضي الله، وتصنع توازنا بين الدين والدنيا، تأخذ نصيبك من الدنيا وتوظفه للآخرة، فحديث القوم الذين استقلوا عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أنس بن مالك، ... ثم خرج عليهم رسول الله، فقال: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
 
فهذا رفض صريح منه صلى الله عليه وسلم، لتيار الزهد هذا الذي لا يمت للاسلام بصلة، والذي في مراحل متقدمة نهل من البوذية، ومن الزردشتية، وغيرها من الثقافات التي جاءت مع الفرس والهند عندما دخلوا الاسلام.
 
لعلنا بعد هذه أن ننظر ونتفكر بما نسمع ونقرأ ولا نردد كلاما ينسب الى رسولنا الكريم والى الاسلام وهما منها براء، ولا نكلف أنفسنا عناء عرض هذه الأحاديث المكذوبة على العقل والنقل والفطرة السليمة، إذا لم يكن لنا حظ من العلم!!.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد