قراءة في الانتخابات المحلية الأردنية

mainThumb

15-08-2017 11:35 PM

حرصا على موضوعية الصورة، و خروجا من أية قراءة متحيزة، فإنه من العدل القول بأن مجرد استمرار "مظاهر الديمقراطية" كالانتخابات للمجالس البلدية و مجالس الإدارات المحلية (اللامركزية) في الأردن اليوم هو بحد ذاته تحد وإنجاز في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية الداخلية، و سوء الأحوال السياسية والأمنية في المنطقة العربية، بدءا بسوريا ومرورا بالعراق وانتهاء بالأزمة الخليجية.

 
لقد حشدت الحكومة الأردنية الحالية كامل قدراتها و طاقاتها الإعلامية والأمنية و الإدارية للترويج لعملية الانتخاب و حث الناخبين على ممارسة الاقتراع، و كان جليا الحرص على بث تلك الرسالة عبر قنوات الاتصال والإعلام والدعاية الرسمية بمختلف وسائلها.
 
يمكن أن نعتبر إجراء الانتخابات نجاحا بحد ذاته، و من دواع الغبطة انتهاء اليوم الانتخابي بحد أدنى طبيعي من التجاوزات و الإشكالات و بعض الملاحظات هنا وهناك، لكن في ذات الوقت، فإن إغلاق الصناديق على نسبة تقارب 30% من الاقتراع هي ملاحظة بحاجة لتأمل جاد، والأخطر من ذلك نسبة التصويت في العاصمة عمان والتي درجت عادتها بمشاركة جد خجولة.
 
شكلت البنية الاجتماعية العشائرية التقليدية للشعب الأردني ولعقود طويلة رافعة انتخابية رئيسة عولت عليها السلطة في رفع نسب التصويت وخاصة في زمن المقاطعة الحزبية في بعض الفترات. لكن نسبة تصويت في حدود 30% قد تؤشر بوضوح على تراجع حاد في اعتبار العامل العشائري الدافع الأكبر لعملية الانتخاب.
 
يمر الأردن ومنذ عقد من الزمن بإحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه، والتي تضاهي المؤشرات الكارثية التي مر بها البلد عام 1989 ، فليس خافيا تنامي الدين العام و عجز الموازنة و الميزان التجاري و تضخم الأسعار و تصنيف التنافسية و البيئة الاستثمارية و الشفافية وغيرها من المؤشرات الاقتصادية.
 
في ظل الأداء الاقتصادي المتداع، والذي انعكس على المزاج العام الذي ما زال يعتقد بأن الفساد قد يكون أحد أبرز العوامل الداخلية التي يمكن ضبطها والتي يمكن لها أن تخفف من وطأة الحالة العامة المتفاقمة، هذا خاصة في ظل غياب انفراج سياسي حقيقي وملموس من شأنه تعزيز مكانة الحريات و تفعيل المعارضة الحزبية و نهج تداول السلطة و التمكين والمشاركة الشعبية.  كل ذلك كان من شأنه زيادة مستويات الاحتقان و الإحباط والذي بدوره خفف من الرغبة في المشاركة والانتخاب لدى شريحة من المواطنين.
 
استحدثت الدولة الأردنية مؤخرا نظام (اللامركزية) كمنهج عصري للإدارة المحلية، وكمستوى ثان من الحاكمية (بعد البلديات كأقدم وأبسط أطر الحكم المحلي) جاء مجلس اللامركزية ليمارس دورا رقابيا و متابعا للأداء و إقرار الموازنة المحلية والأولويات في القرار و توزيع الموارد. لكن ثمة مستويات من الغموض و الضبابية حول ماهية الأدوات الفعلية لكي تمارس الإدارة اللامركزية أدوارها، و التوجس من بقاء منصب (المحافظ) كرأس معين من الحكومة للمجلس التنفيذي في المحافظات، والتوقعات بتداخل وتكرار الوظائف المخصصة لأطر المحليات...الخ كل ذلك عزز توجهات عدم اليقين التي تدفع باتجاه عدم المشاركة في الانتخاب.
 
نسبة الانتخاب المتدنية تؤشر على حالة إحباط عام تتطلب من صاحب القرار إعادة النظر في قانون الانتخاب و حقيقة التداخل في وظائف أطر الإدارة المحلية، و لا بد من قراءة عميقة لتراجع دور العشائرية في دفع مؤشرات المشاركة، والأهم من كل ذلك، تعزيز حضور المؤسسات الحضارية من مجتمع مدني وأحزاب ونقابات و جمعيات في الشأن العام و مشاريع القوانين، من دون ذلك، ستبقى العملية الانتخابية مجرد "ملهاة" وأحيانا "مأساة" خاصة في ظل تفتت العشائر و تحجيم الأحزاب و سوء الاوضاع الاقتصادية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد