المعتمد بن عباد فارس الشعر والحب

mainThumb

14-04-2018 09:35 PM

المعتمد بن عباد( 1040   / 432 هجري = 1095 م / 488 هجري )  هو اعظم واقوى واشهر واشعر ملوك الطوائف العربية  الاندلسية , ولد في باجة في البرتغال وصار ملكا لمملكة بني عباد الاندلسية ( خلفا لوالده المعتضد بن عباد ) , وعاصمتها اشبيلية ومات مأسورا بالأغلال والقيود في اغمات بالمغرب العربي ودفن فيها غريبا بعيدا عن دياره الاندلسية وديار اجداده الربوع الأردنية ( بالأصل ) , وكانت محنته من اقسى واعظم المحن التي مر بها الملوك في التاريخ , حيث قضى أربع سنوات أسيرًا بالأغلال والاذلال ، في محنة خلَّدها بشعره وخلدها الشعراء والمؤرخون ، وتناقلتها الأجيال جيلًا بعد آخر. وهي إحدى أكثر المآسي الملوكية حزنا ومأساة في التاريخ.
 
   ولا زال قبره وقبر حبيبته الجارية اعتماد الرميكية / الرمكية التي صارت ملكة مستبدة وطاغية، قائمان في اغمات، وهي التي دمرت ملكه وملك العرب في الاندلس وسنخصص لها حلقة قادمة ان شاء الله تعالى.
 
   تحدثنا في مقال سابق عن أصول المعتمد بن عباد، وأنها تعود تاريخيا الى الأردن زمن الانباط ثم الى الحيرة في بلاد الرافدين ثم الى الأردن / الكرك ثانية ثم الى الاندلس عبر العريش وشمال مصر ومضيق جبل طارق الى ان انتهى المطاف بأجداده الى الاندلس  
 
 وقد خصصت هذا المقال لأذكر محطات من حياة هذا الملك العظيم الذي ذهب وملكه وملك بني عباد بسبب عشقه لجارية صارت امراة له وهي اعتماد، فانشغل عن التحصين والتسليح المناسب لعصره وما يحيط به من أعداء 
 
  المعتمد هو أبو القاسم المعتمد على الله محمد بن عبَّاد (وكذلك لُقِّب بـالظافر والمؤيد) (431 هـ -488 هـ / 1040 -1095م)، ثالث وآخر ملوك بني عبَّاد في الأندلس، وابن أبي عمرو المعتضد حاكم إشبيلية، كان ملكاً لإشبيلية وقرطبة في عصر ملوك الطوائف قبل أن يقضي على إمارته يوسف بن تاشفين الامازيغي ملك مملكة المرابطين في المغرب العربي في حينه.
 
    ولد المعتمد بن عباد في باجة (إقليم في البرتغال حالياً)، وخلف والده المعتضد سنة 461هـ / 1069م في حكم إشبيلية عندما كان في الثلاثين من عمره، ثم وسَّع مملكته فاستولى على بلنسية ومرسية وقرطبة، وأصبح من أقوى ملوك الطوائف فأخذ الأمراء الآخرون يجلبون إليه الهدايا ويدفعون له الضرائب تقربا له وطمعا في دعمه له او تركهم وشانهم في حكمهم لمدنهم مقابل الخضوع له، وقد ذكر شاعره أبو بكر بن اللبانة أنه امتلك في الأندلس 200 مدينة وحصن، وأنه ولد له 173 ولداً.
 
    وأصبح محط الرِّحال، يقصده العلماء والشعراء والأمراء، وما اجتمع في باب أحد من ملوك عصره من طوائف الأندلس ما كان يجتمع في بابه من أعيان الأدب.
 
وكان ملوك الطوائف وكبيرهم المعتمد بن عباد، يؤدون الجزية السنوية الى ملك قشتالة الاسباني ألفونسو السادس ملك قشتالة وعاصمته طليطلة، فلمَّا ردَّ ألفونسو ضريبة المعتمد معتبرا ان الذهب مزيف، وأرسل إليه يهدِّده ويدعوه إلى النُّزول له عما في يده من الحصون. وجد المعتمد ألا مناص من الكتابة إلى أمير المرابطين يوسف بن تاشفين يستنجده، بعد ان خذله (خذلوا المعتمد) ملوك الأندلس وقد خلت دماؤهم من الكرامة والهمة والعزيمة والشرف العربي 
 
ولم يكن الاستنجاد بالمرابطين هيِّنًا على المعتمد بن عباد. فقد كان الرجل يعلم حقَّ العلم، أنه بهذه الخطوة يغامر بعرشه ومملكته. لكنه حزم أمره، رغم معارضة حاشيته وبني عباد الذين خوفوه من المرابطين وان يوسف بن تاشفين سيأخذ مملكة بني عباد، وعرشها الى غير رجعة، وقال كلمته المشهورة: أنَّ “رعى الجمال خير من رعى الخنازير”. يقصِد بذلك أنه يفضِّل أن يغدو أسيرًا لدى يوسف بن تاشفين البدوي المسلم، يرعى جماله، على أن يغدو أسيرًا لدى الملك القشتالي الاسباني ألفونسو يرعى خنازيره.
 
 وقد حفلت محنته بالآثار الشعرية الرائعة، التي نظمها والشعراء الاخرون الذين زاروه عن محنته وآلامه في المنفى. حيث ملأت هذه المرحلة على قِصَرِها فراغًا كبيرًا من كتب التاريخ والأدب زاد عما كان عن حياة المعتمد الملوكية كلها.
 
ونشبت سنة 479هـ / 1086م المعركة المعروفة بوقعة الزلاقة حيث خاضت قوات المعتمد بن عباد وقوات المرابطين معا ضد قوات الاسبان التي كان يقودها ألفونسو السادس الذي تجرع وقواته الهزيمة، بعد أن أُبيد أكثر عساكره. وشُهِد للمعتمد فيها بالشجاعة والإقدام، وتم قتل أكثر من 70 ألف من قوات ألفونسو الذي هرب ومعه 500 فارس فقط هم من بقي من جيشه كاملا، هذه المعركة التي أخرت سقوط الاندلس أربعة قرون أخرى.
 
  وفيما بعد وفي المجيء الثاني لابن تاشفين الى الاندلس ومحاصرته لمملكة بني عباد، قرر بن تاشفين القضاء على مملكتهم بسبب سوء تصرفات الملكة اعتماد (زوجة المعتمد) التي أدت الى سوء تصرف زوجها الملك المعتمد، فقام المرابطون بقتل أربعة من أبناء المعتمد، وهم: المأمون، ويزيد الراضي، والمعتد بالله، ومالك، ولكنهم أبقوا على حياة المعتمد، وكانت قرارات قاسية تخلو من الرحمة ومروءة العفو عند المقدرة التي يتميز بها العرب دون سواهم من الأمم.
 
ويذكر ابن خلكان: ان المعتمد حوصر في قصره بإشبيلية من قبل المرابطين، وظهر من مصابرته وشدة بأسه وتراميه على الموت بنفسه ما لم يسمع بمثله في الاندلس ”، واستولى الفزع على أهل إشبيلية وتفرَّقت جموع المعتمد، وقبض المرابطون على ولديه الراضي بالله والمعتد بالله وكانا في رُنْدَة ومارْتلة، فقتلوهما غيلة وغدرا، 
    ففتّ في عضد المعتمد، وأدركته الخيل، فدخلت القصر، وخرج مستسلما للأسر سنة 484هـ / 1091م، وحُمل مقيَّدًا، مع زوجته التي اضاعت ملكه ومعهما من كان حوله من أهله، أقول تم حملهم على سفينة. وأُدخل على ابن تاشفين في مراكش، فأمر بإرساله ومن معه إلى أغمات بالمغرب العربي.
 
     قصد ابن تاشفين من فعله الفض هذا، ان يذيق المعتمد بن عباد كأس الذِّلة والمهانة إلى نهايتها ويرى أولاده ينحرون بالسيف، لكي يمرغ انفه في التراب، لأنه كان يعتبر المعتمد بن عباد وزوجته الرميكية (التي كانت جارية وصارت ملكة) قطب الفتنة في الأندلس، وحليف النصارى الخانع، المذنب في حق دينه ووطنه. وأن يذيقه وزوجته أقسى ألوان الذل والهوان والعذاب المعنوي والمادي.
 
  سارت السفينة بهم من ميناء اشبيلية في نهر الوادي الكبير في طريقها إلى المجهول وهم جميعا بما فيهم الرميكية راس الفتنة والفساد يرسفون بالأغلال والذل والمهانة، في مناظر تذيب القلوب حزنًا وأسى.
      واحتشد شعبه الذي يحبه (ويكره زوجته) على ضفتي نهر الوادي الكبير لوداعه الوداع الابدي الأخير، وسط صيحات البكاء والنواح حينما شاهدوا ملكهم المحبوب وسيدهم وراعيهم بالأمس يغادر موطن سلطانه وعزه إلى مصيره المجهول. وهم يصبون اللعنات على زوجته التي دمرت ملكه وملك العرب في تلك الديار سعيا وراء نزواتها التي لم تتوقف ولم يكن لها حدود 
 
وفي ذلك يقول الشاعر الاندلسي (وهو أحد شعراء المعتمد) أبو بكر بن اللبانة، وقد كان من شهود ذلك اليوم من قصيدة طويلة:
 
تبكـــــي السماء بمزن رائح غادِ * عــلى البهاليل مـــــــــــن أبناء عبّادِ
نســـيت إلا غداة النهر كونهم * فـــــــــي المنشآت كأموات بألـــــــــــحاد
حان الوداع فضجت كل صارخة * وصارخ مــــــــن مفداة ومـــــــــــــن فادى
سارت سفائنهم والنوح يتبعها * كأنها إبــــــــــــل يحدو بهــــــــــــــــتا الحادي
كم سال في الماء من دمع وكم حملت *      تلك القطائع من قطعات أكباد
 
وأخيرًا زج به وأهله في قلعة اغمات وسجنها قرب مراكش بالمغرب العربي، والتي كانت عاصمة المرابطين الأولى، في أواخر سنة 484هـ أو أوائل سنة 485هـ. 
 
      وهنالك قضى المعتمد اربعة أعوام في أغلال الأسر، يتجرع غصة المهانة والذلة، في سجن شنيع رهيب   بكل معاني الكلمة، حيث ضُيِّق فيه عليه وعلى آلة أشد التضييق، ولم يكن يطلق لهم ما يكفيهم من النفقة، فأصبح المعتمد، وزوجه اعتماد الرميكية التي كانت ملكة وتسطع في الأندلس بجمالها وخلالها البارعة، وأبناؤهم الأمراء وبناتهم الأقمار، يرتدون الثياب الخشنة. وكان بنات المعتمد يشتغلن بالغزل لأعالة والدهن وأسرتهن وكن يسرن حافيات حاسرات حيث لا يجدن ثمن الحذاء وغطاء الراس. 
 
   وفي أواخر أيامه صدرت أوامر أمير المسلمين بالمغرب يوسف بن تاشفين بالتضييق عليه وتصفيده بالأغلال من اليدين والقدمين بطريقة قاسية ومؤلمة لا يقبلها من يعرف المرة العربية، بسبب ثورة محلية ضد يوسف بن تاشفين قام بها عبد الجبار بن المعتمد بن عباد في بعض حصون إشبيلية، وكان ممن أفلت عند سقوطها. 
   وفي اليوم الحادي عشر من شوال سنة 488هـ / أواخر أكتوبر 1095م، توفي المعتمد في سجنه بقلعة أغمات بعد اعتقال دام زهاء أربعة أعوام، وكان سنه عند وفاته سبعًا وخمسين سنة وبضعة أشهر. ودفن بظاهر أغمات إلى جانب زوجه اعتماد التي عشقها والتي اضاعت ملكه وملك العرب، والتي ماتت قبله بوقت قصير جدا، ولا زال قبرهما معا الى الان وقد بنيت عليهما قبة 
 
قال ابن خلكان: «ومن النادر الغريب، أنه نودي في جنازته بالصلاة على الغريب، بعد عظيم سلطانه، وجلالة شأنه، فتبارك من له البقاء والعزة والكبرياء.»
 
     ومما قاله المعتمد في رثاء نفسه قبل وفاته، وأوصى بأن يكتب على قبره:
 
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي *     حقًا ظفـــــــــرت بأشلاء ابــــــــن عبــــــاد
بالحلم بالعلم بالنعمى إذا اتصلت *    بالخصيب إن أجدبوا بالــري للصادي
بالطاعن الضارب الرامي إذا اقتتلوا *   بالموت أحمر بالضرغامة العــــــــادي
بالدهر في نقم بالبحر في نعم *        بالبدر فــــــــــــــــــــي ظلم بالصدر في النادي
نعــــــم هو الحق حاباني به قدر *    مـــــــــــــــــن السمـــــــاء فوافاني لميعــــــــــــــــــــــاد
ولم أكن قبل ذاك النعش أعلمه *     إن الجبال تهادى فــــــــــــــــتتوق أعـــــــــــــــــــواد
كفاك فارفق بما استودعت من كرم * رواك كــــــــــــل قطــــــــوب البرق رعــــــــــــــاد
 
هكذا اختتم المعتمد بن عباد حياته الباهرة، في غمرة المحنة وظلمات العدم، وتفرق من بعده ولده وآلة في مختلف الأنحاء. ولكن ذكراه لبثت طويلا حية في المغرب والأندلس والتاريخ والأردن وامريكا الجنوبية، ولبثت محنته وخاتمته مضرب الأمثال في تقلب الحظوظ عبر الدهور. وهكذا ودع المعتمد هذه الحياة بشرها وخيرها، ولسان حاله يكرر كلمته الشهيرة: “رعي الجمال خير من رعي الخنازير!”.
   اما قبيلته وشعبه بنو عباد فقد تفرقوا في البلاد ولا زالوا موجودين الى الان.  وقد التقيت منهم في اسبانيا تحت أسماء AbbadI، abodes بين مدريد وغرناطة وبين غرناطة واشبيلية وفي غرناطة، كما تفرقوا في المغرب العربي والجزائر وتونس وليبيا ومصر وامريكا الجنوبية، والتقيت منهم الكثير في سفري الى الخارج، ومنهم من عاد الى الأردن ليلتحق بالقبيلة الأصل وهم العبابيد، ولا زالوا يفتخرون انهم من نسل المعتمد بن عباد وأطلقوا اسمه على جمعيتهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد