لئلا تقع الجزائر في «الثنائية القاتلة» - محمد علي فرحات

mainThumb

01-03-2019 04:44 PM

 الجزائر أمام مفترق صعب، مع توقع تظاهرة مليونية غداً في سلسلة الاعتراضات الشعبية على ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، وذلك استباقاً لتقديمه الترشح رسمياً يوم الأحد. فهل ينقذ الرئيس وطنه من هذا المفترق ويمتنع عن «التجديد» منصرفاً الى البحث مع القوى الجزائرية الأخرى عن منفذ من الانسداد السياسي الذي يتوقعه المراقبون ويتخوف الجزائريون من نتائجه المعلومة والمجهولة؟

 
إنها الأيام الأخيرة قبل دخول الجزائر مرحلة «الثنائية القاتلة» بين الجيش والاسلاميين التي تسببت في مشكلات عميقة لبلاد عربية في مقدمها مصر. والحال أن الجيش الجزائري أصبح بديلاً واقعياً من حزب جبهة التحرير الوطني الذي يشكل واجهة للعسكر الحاكم لا أكثر ولا أقل، ولعل بوتفليقة هو آخر الزعماء التاريخيين الذي يستطيع إجراء تغييرات في قيادة الجيش، ولن يجرؤ أي رئيس بعده على ذلك في «الثنائية القاتلة».
 
وليس للجزائريين أن يفقدوا الأمل في تلافي ثنائية الجيش – الإسلاميين، ذلك أن لديهم كنزاً وطنياً سياسياً واجتماعياً هو الثورة الجزائرية نفسها التي قدم خلالها الشعب أكثر من مليون شهيد على مذبح الاستقلال، وكان في الإمكان، بالاستناد الى تلك الثورة، الوصول الى حكم مدني ديموقراطي يحقق الانفكاك عن آثار الاستعمار المتغلغلة في تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، كما يحقق تنمية مستدامة بالاستناد الى الثروة البشرية القادرة على نهضة زراعية وصناعية وسياحية ترفدها منابع النفط والغاز برأسمال يُغني عن قروض تلجأ اليها بلدان كثيرة لتمويل نهضتها.
 
 
تلك فرصة ضيعتها النخبة الجزائرية التي استسهلت الحكم على الطريقة الناصرية والبعثية المستندة الى قائد يسيطر على المؤسسات الحكومية والنيابية ويحولها أشكالاً بلا مضامين. والآن، الجزائر أمام الفرصة الأخيرة، فإذا لم تستسلم لتأجيل الأزمة الذي يريده بوتفليقة عبر ولايته الخامسة، واقتنع الرئيس بالتعاون مع القادة الآخرين، ليحملوا جميعاً مسؤولية الانتقال من حكم الرجل الواحد المستند الى قوة الجيش الى حكم مدني ديموقراطي يفتح الباب للقوى البشرية التي تزخر بها الجزائر وتمكنها من استعادة الوطنية التي ألهمت مقاومي الاحتلال، لتلهم هذه المرة صانعي النهضة المدنية التي تطلق امكانات وطن كبير وغني. في ذلك تنقذ الجزائر نفسها وتتقدم الى موقعها الذي تستحقه في أحياء الاتحاد المغاربي وتعاون متكافئ مع أوروبا.
 
ترشيح بوتفليقة لا ينقذ الجزائر بل يؤجل مشكلتها، ويجعل الخروج منها أكثر صعوبة، بل مستحيلاً إذا أردنا الدقّة في وصف الحال بعد خمس سنوات. ولا مجال للاستهانة فالجيش الذي هدد المتظاهرين باستخدام القوة كما صرح رئيس أركانه، يمكنه أن ينفذ التهديد مطيحاً المتظاهرين وبوتفليقة معاً ليتأسس الحكم العسكري المباشر. وربما كان سحب كلام رئيس الأركان من التداول لاحقاً تصرفاً حكيماً يعطي بعض الانفاس لتدارك التدهور المتوقع. ولا يغيب عن الذكر أن عشرية الصدام مع المسلحين الإسلاميين التي انتهت بلجوء من تبقى من هؤلاء الى الجبال وسيطرة الدولة على مؤسساتها العسكرية والمدنية، يمكن لها أن تستعاد، وإن بأشكال مغايرة، فتدخل الجزائر في ثنائية الجيش - الإسلاميين التي تهدر البشر والمال وتضيّع فرص النهضة.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد